هـل نطلب المستحيـل إذا نادينا بوطن حر خالٍ من السجون التعسفية والقهرية ؟ إن الفكرة تقع ضمن بنـد أحلام اليقظة . فالعراق الآن حالة ميؤوس منها . فـالتخلف السياسي يعم القمة أكثر مما يشمل القاعدة . فـالشعب المتخلف لا يّولد إلا قيادة متخلفة ، والقيادة المتخلفة تعمق هذا التخلف لأنها لا تتصرف ألا وفق مصلحتهـا .
ومـع ذلك ، فأن الأمل يراودنا أن ينهض المجتمع العراقي من كبوته ، وذلك ليس بالمستحيل ، فهذا المجتمع وريث حضارة عريقة وأفراده طيعون للأوامـر . وإذا كانت التجارب السابقة قد أثبتت حسن النية لديه فأن المستقبل يبشر بالخير فما نحتاجه هـو اندحار جيل من السياسيين التقليديين ليولد جيل جديد واع ومخلص لمسؤوليات التاريخيـة .. بقيـة إجراءات التقدم والنهضة تحددها قوانين وقواعد ثابتة تساهم في تربية الحسن السياسي لدى إفراد هذا المجتمـع .
حلمنـا بوطن ذو سيادة وبلا سجون سياسية قهريـة … سيتحقق بإرادة الطليعة المتنورة .. فهم الجيل الذي سيستلم المهمة أما آجلاً أو عاجـلاً .
فوطـن ذو سيادة ، هـو وسيلتنا للتخلص والى الأبد من القهر السياسي والتخلف الاجتماعي والاقتصادي .. فمتى زال هذا القهر والتخلف زالت بقية الإشكاليـات الأخرى وولدت الرغبة والفرصة لبناء وطـن سليم ومعافى له تطلعات اشمل وأحلام اكبـر .
إن مـن أهم أدوات تحقيق هذا الحلم ، وجود صحافة حرة وأعلام بلا قيود .. فهذه السلطة هي الموجه والرقيب والحسيب ، وهـي المرشد الضروري لطليعة الوعي العراقي الشامل بل أنها السلاح الفعـال لخوض أي معركة من معارك العراق الحضاريـة .
إن كـافة السلطات السياسية الحاكمة تولي الصحافة و الإعلام اهتماماً خاصاً لا يقـل عن اهتمامها بشؤون الداخلية والـدفاع .. لكن هذا الاهتمام تركز في تبنـي وجهة نظر السلطة دون أن تعطي فرصة للرأي الآخر .. بل أن بعض هذه السلطات حولت وسائل الإعلام إلى جوقة تعزف على وتيرة واحدة بدايتها ونهايتها تضخيم صورة السلطة والتهويل من قدرها وقدرتها والمبالغة في أبراز منجزاتهـا . وهذا التوجه انقلب إلى الضد ، فأفراد المجتمع لا يصدقون الإعلام الرسمي لأنه أعلام منحاز ، أعلام بلا فكر ولا محتوى ، أعلام لا يعرف إلا الشكر والثنـاء والتمجيد ، وأي سلطة في العالم خاضعة لأن تخطـيء وتصيب إلا عند سلطتنا فهي دائماً لا تخطـيء وهي دائماً تصيـب !! .
ولا ادري الحـكمة في هذا التوجه ، فـالسلطة التي تغّيب الرأي الآخر إنما تخدع نفسها . فإذا كان تـواجدها لخدمة المجتمع ، فماذا يمنع أن تسمع رأي المجتمع وسلوكه وتصرفاته .. وقد يكون من حق أفـراد السلطة أن لا يتعرضوا للمساءلة في شؤونهم وتصرفاتهم الشخصية لكن تصرفاتهم حيال المجتمع الذي يتشكل منه الوطن لابد وان يخضع للمساءلة الشديـدة ، وان كان في عرف الديمقراطيـات الحقة في المجتمعات المتحضرة يتعرض السلوك الشخصي لأي مسؤول للمساءلة من قبـل الصحافة والاعلام.. فالوزير أو متقـلد المنصب العام تصبح حياته الشخصية ملكاً للجميع ، فـلا يجوز أن يرتكب أي عمل مشين أو مناف للأخلاق العامـة .. في هذه الديمقراطيات يوجد عرف أو بمعنى أدق مواصفات لمتقلد الوظيفة العامة تكون حيـاته الخاصة ابتداءاً من وحتى قبـل تقلده لهذا المنصب خاضعة للمساءلة العامـة .
هـذه هي دولة القانون التي نحلم بها ، التي تحاسب المسؤول عن زلاته ليكون عبرة للجماهير . فتطبيق القـوانين على المواطنين وحدهم مسألة مفروغ منها وهي سهلة التنفيذ . لـكن أن يتعرض المسؤول للمساءلة في ابسط الأمور وأكبرهـا ، فهـذا هو العـدل الذي يحقق المساواة ويرشد أفراد المجتمع إلى أن القـوانين التي تسن هي للتنفيذ على الجميع بدون استثنـاء .
الــذي يستطيع أن يتابع هذه الأمور هو وسائل الإعلام الحر وليس الإعلام الرسمي ، ولمنع تجاوز الإعلام حـدوده ينبغي أن تسن له القوانيـن التي تحدد مسؤولياته الخطيرة ويجب أن يحاسب محاسبة عسيرة على كل ما ينشـر .
بـدون اعلام و صحافة حرة فان العراق سيغرق في دوامه التمزق والتخـلف .. وفـي هذا الوقت بالذات الذي يتلعب فيه الوسائل دوراً مهماً وبارزاً وخطيراً لا استطيع أقناع نفسـي وبالأسلوب الذي تتبعه السلطة عندنا وتعاملها مع الإعلام . فـان كان حجب الحقيقة هو المهمة للإعلام الرسمـي فان الفضائيات تقوم بمهمة خطيرة في حياة المجتمع .. فما جـدوى أن تعلن السلطة عن شيء يناقضه الإعلام الوارد من الخارج عبر الفضائيات ، ومـا جدوى أن تشوه الحقيقة التي يعلمها اغلب أفراد المجتمع . مسـألة الثقة المتبادلة هي من أهم شروط الحكم ، فإذا فقدت السلطة ثقة الجماهير فأن الاهانة من نصيبها والسلبية من نصيب الوطن على حساب تقدمـه .
السـلطة التي تغلق جميع القنوات إمام الرأي الآخـر ، بالتأكيد لديها ما تخشاه ، فهي صاحبة موقف ضعيف لا تستطيع الدفاع عنه . ولـذلك فهي تلجأ للتعميم وهذا لا يخدم قضية التقدم على الإطـلاق .
لا فـرق بين مصادرة مطبوعة واعتقال مواطن . فالمواطن الذي يعتقل لرأيه السياسي المخاف لرأي السلطة ، أنمـا يتخذه ضده هذا الإجراء للحيلولة دون نشر أفكاره السياسية . فـإذا كانت السلطة واثقة من نهجها فماذا يستطيع فرد أن يعمـل ؟! كـذلك فان المطبوعة التي تصادر أنما ينفذ في حقها حكم السجـن حتى لا تنتشر الفكرة السياسية التي تحتويهـا . وصحيـح أن من واجب السلطة حماية المجتمع من الأفكـار الهدامة والآراء المخلة بالعرف والتقاليـد التي درج عليها المجتمع .. ولكن هذا ينبغي أن يدخل ضمن بند المحافظة على القيـم والأخلاق العامة للمجتمع .. أمـا الأفكار السياسية فهي للجميع ومن حـق الجميع لأنها تمس حياة المجتمـع .