الفساد نظام فعّال لديمومة دمار الهدف , هكذا هو التعريف الأصوب للفساد , أما القول بأنه جرثومة , سرطان , مرض , وباء وغيرها من التوصيفات لا تقترب من جوهر الفساد , فالذين حققوا أهدافهم بتدمير الدولة وتحطيم الهيكلية الفاعلة في القوة والنماء , لن يسمحوا للبلاد أن تستعيد أنفاسها وتبني ذاتها وتؤسس لموضوعها الحضاري المعاصر.
ولكي يكون البرنامج مستوفيا لشروط التدمير الدائب النشاط , لا بد من نظام فاسد تترعرع فيه آليات الإنقضاض على الحياة , ويتأكد الفتك بالأمل والرجاء , وتُدام الإنكسارات والصراعات والقهر بالحاجات والحكم بالتبعيات.
ووفقا لذلك يتميز رأس النظام بالفساد في المجتمع المُستهدف , والحكومة يترعرع فيها الفساد ويمزقها , حتى تفقد قيمتها وقوتها وآليتها السليمة في العمل وإداء الواجبات وتقديم الخدمات , فتصبح مكبلة بالفساد ومثقلة بتداعياته ومآلاته وفضائحه , وما ينجم عنه من معوقات وإسراف وإتلاف لثروات البلاد والعباد.
وعليه يتم الترويج لما هو هابط ومنافي للقيم والأعراف والتقاليد المعمول بها في مجتمعات الدنيا , ويتحقق تسويق ما يؤازر الفساد ويبرره ويدافع عنه , ويمنحه مواصفات وتسميات ذات شأن نزيه , بل ويتم إقرانه بما هو ديني ومعتقدي , ويجد له المئات من ذوي العمائم واللحى الذين يجتهدون لتمرير وتبرير كل فعل فاسد , وبذلك يترعرع ويعم البلاء.
وحالما يصبح سلوكا متكررا ومقرونا بمحفزات ومعززات , فأنه يترسخ ويُبرمِج الذات البشرية ويؤجج فيها الطاقات والقدرات , التي تفوّض السلوك الفاسد وتمعن بالتعبير عنه , فتجد المتدين يأتي بأفظع أعمال الفساد , وتجد عنده أيضا أقوى الحجج التي تبرر سلوكه , وتضفي عليه صفة طقوسية وتعبدية , بل يتحول إلى فعل يقرّب إلى ربه ويدخله جنات نعيمه المتصورة.
ولهذا فأن الفساد نظام سلوكي يترسخ في الوعي الجمعي , وتقوّيه إرادات تنامت في مرابعه وتفيّأت في ظلاله , وغنمت ما يتواءم ومطمورات ما فيها من النوازع والرغبات , وعندها يسود ويقود , ويديم الدمار والخراب الشامل , ويكون الهدف قد صار قريبا ومُؤمَّنَ الإمتلاك من قبل الذين نجحوا في إصابته أول مرة.
وعليه فالفساد عتاد يُعبّأ فيه أبناء المجتمع للنيل من ذاتهم وموضوعهم , فيقضون على وجودهم ويمحقون عزة وكرامة بلادهم , وتتسيد عليهم التبعية ويفترسهم الآخرون الطامعون بهم , وهكذا تكون الغنائم سهلة وتأتي إلى آكليها طوعا وتوسلا.
فكن فاسدا لكي تتمكن إلى حين وتستكين في وعاءٍ مهين!!