23 ديسمبر، 2024 7:26 م

اشكالية الاجابة عن سؤال التغيير العراقي

اشكالية الاجابة عن سؤال التغيير العراقي

يبدو من التطورات السريعة والمتلاحقة في عالم اليوم وكأن هنالك انقطاعاً في حركة القوى الدافعة للتاريخ عبر الزمان الماضي لمصلحة قوى فاعلة ودافعة تتجه نحو المستقبل بسرعة اكثر وكنتيجة لذلك يبدو ان تقدم الزمن وحده لا يفسر بالضرورة الفاعلة والتغير النوعي في الاثار المترتبة على الحركة المتسارعة للقوى الجديدة، فاذا كانت مثلاً علاقات الانتاج او العقائد او البحث عن السلطات والتوسع او البحث عن الموارد هي بعض القوى الدافعة للحركة التاريخية الانسانية في الماضي وحتى وقت قريب فان هذه القوى تبدو اقل اهمية امام الحركة باتجاه تحرير التجارة او باتجاه عولمة الثقافة او باتجاه فرض الهيمنة وتنميط المجتمع الدولي او باتجاه الاكتشافات الكونية المحتملة.
ان الانقطاع التاريخي اذا جاز او صح هذا الانقطاع والتغيير النوعي في القوى المحركة والفاعلة تنبئ بالضرورة ببداية عصر جديد لا يمثل مجرد بعد زمني متواتر وانما قد يستتبع بعداً تغييراً كونياً مادياً وبعداً تطورياً انسانياً، اي من المحتمل ان يكون القرن الحادي والعشرون ليس فقط قرناً متقدماً في كل شيء وانما مختلف ايضاً في كل شيء، ولربما يمس الاختلاف هذا مفاهيم انسانية وطبائع سلوك انسانية تعايش معها الانسان عبر تاريخه الطويل فضلاً عن تجديدات كونية واضحة تعبر عن تغير هيكلي ايضاً.
اذا كانت هذه الافتراضات صحيحة، فهل يمكن ان يجزم احد ما من العراقيين بان عراقنا  بكينوناته الكاملة يدرك ابعاد وحيثيات هذا التحول؟ وهل من الممكن الجزم بان الاثار المكتوبة عراقيا حول الماضي والحاضر والاستقراءات والمستقبل وبالذات الادب السياسي المستقبلي يعالج هذا التحول ويسعي للتكيف معه؟ اي هل هناك وعي حقيقي لمثل هذه الاحتمالات في ذهن الوطن بكليته دولة وحكومة وشعبا  سياسية واجتماعية ولا سيما المؤسسات الثقافية؟!
منذ ادركنا او بعضنا بواكير العلم الحديث ونحن نطرح الاسئلة عن التقدم والتخلف ونحاول الاجابة ومنذ ان تحررنا من ربق السيطرة العثمانية الممتدة واوضاع التخلف التي سادت ابانها، ونحن نناقش اشكاليات متعددة بغية الخروج من اوضاع التردي او الحصول على اجابات، فمن النظام السياسي من حيث شرعيته وعلاقته بالمجتمع واشكالية المجتمع من حيث علاقته بالمدنية واشكالية الشعب من حيث التجانس واشكالية المؤسسة من حيث الكفاءة والحداثة، واشكالية الماضي من حيث كونه مصدراً للالهام او ملجأ يأوي اليه العراقي وقت الازمة، واشكالية الحاضر من حيث كونه واقعاً مهزوماً او فاشلاً او مأزوماً، واشكالية المستقبل وما يحيط به من الغموض في الامل واليأس.
وفي منهج البحث عن المخرج كان العقل العراقي وربما ما زال يعاني من اشكالية التبرير او المحاصرة فيما يعاني المنطق من التناقض والنزق واما الحلول فاشكاليتها الدائمة اللاحسم المفضي الى التوفيقية في احسن الحالات ان لم تكن حلولاً مغلوطة او ناقصة.
ان هذا الجرد الموجز لاشكاليات التساؤل والاجتهاد التي تعرض لها الانسان العراقي حتى الآن ما زالت قائمة في مرحلة التحول الى عصر مختلف. وما زالت مطروحة في اطار البنى الراسخة في رواسب ذهنيتنا، وعلى الرغم من دوام الحال هو منطقياً من المحال ربما يستوجب الامر الى نوع من الذهنية السائدة التي جعلت انساننا يقبل بهذا الواقع وتكون ردود فعله واستجابة اكثر مدعاة للحيرة والشك من ان تكون مدعاة للقناعة والثقة.
فلماذا يقبل العراقي بالحل الوسط حتى ولو كان سيؤدي لمزيد من التنازل؟ ولماذا يقبل بالقول كتعبير عن الموقف دون العمل بالموقف نفسه؟ ولماذا يقبل بنصف نصر ويعترف بنصف هزيمة؟ ولماذا يكتفي بالاسلوب دون تحقيق الغاية؟ ولماذا…. ولماذا؟ كثير من مؤشرات الحيرة؟
ربما تزودنا بعض التحليلات بالاسباب الثقافية او الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية او غيرها للاجابة على مثل هذه الاسئلة، ولكن أليس للعلم والتطورات الهامة التي حدثت عالمياً اثر في تغيير مثل هذا النسق التراثي من التفكير والسلوك الذي يعتقد البعض انه يعود في اصوله الى ماضٍ سحيق؟ اي الى نوع من السلفية والحضور التاريخي.
وهذا يفضي بنا الى اسئلة اخرى، مثل: اذا كانت استجابة الانسان العراقي على ما يعترضه من مشكلات وتحديات وما سيسعى اليه من حلول متشابهة، فهل هذا يعني ان الشخصية العراقية شخصية نمطية، محافظة لا تقبل التحول والتكيف بسهولة وبالتالي قد لا يستجيب لمعطيات العصر الجديد وتتوافق معه؟ ام ان هذه الاستجابات تختلف نوعياً وفقاً للمراحل؟ في محاولة للفهم اكثر ومحاولة للفهم اكثر ومحاولة للتجديد اكثر ايضاً، ليسمح لنا بطرح سؤالين قد لا يكونان على قدر عالٍ من الاشارة وانما لهما مغزاها، اولهما- هل السلوك العراقي في التحالفات الدولية الحديثة يشبه ذات السلوك الذي كان متبعاً في تحالف المناذرة والغساسنة مع امبراطوريتي فارس والروم؟ والثاني- الى اي مدى تشبه حروبنا الاخيرة حروب الردة؟ مع الادراك الكامل للبعد الزمني والاختلاف بين الاوضاع والظروف وادراك اهمية العامل الخارجي في تحديد السلوك؟
اما السؤال الاهم والذي نتمنى ان تجد اجابة عليه هو هل لدى العراقيين اليوم التصور والنية والارادة للدخول في العصر الجديد؟
[email protected]