طوال السنتين اللتين مضتا من عمر “الربيع العربي” التي هي اكثر التسميات تضليلا في تاريخ الفصول والشعوب كانت عبارة “الشعب يريد التغيير” هي اكثر العبارات حضورا اعلاميا وسياسيا. وبرغم ان النتائج التي حصدتها بعض الشعوب العربية تمثلت في تغيير النظم الحاكمة الا ان البدائل لم تكن بافضل حالا من تلك التي كانت تحكم. لا اريد محاكمة مرحلة الربيع العربي لان اوان الحكم عليها , ربما, لم يحن بعد لكن ما اريد قوله ان عبارة “الشعب يريد التغيير” هي اكثر العبارات التي لا تعكس واقع الحال الا بالمقلوب في الغالب.
صحيح ان التغيير حصل شبه سلمي في بعضها “اليمن وتونس” وشبه دموي في بعضها الاخر “ليبيا ومصر” ويراد له ان يكون دمويا للعظم في بعضها الاخر “سوريا” , وفي بعض هذه الدول كانت لصناديق الاقتراع اجوبة على فحوى التغيير الديمقراطي واذا بمن وصل عبر صناديق الاقتراع وطبقا لقواعد اللعبة الديمقراطية التي طالما صدع الغرب رؤوسنا بها يريد من الشعب ان يتغير نحو نمط الحكم او الحاكمية التي يؤمن بها لا ان يتغير هو استنادا لطموح الشعب او في الاقل قواه الاكثر تنويرا من الشباب والقوى الليبرالية والعلمانية. ولعل الوقائع القريبة تثبت ان الكثير من الثورات العربية التي وقعت في غضون السنتين الماضيتين قادها الشباب والفيس بوك وعربة الشاب التونسي البوعزيزي.
ليس بعيدا ما يحصل في العراق من هذه الاجواء. فالطبقة السياسية العراقية وقطاعات كبيرة من المثقفين العراقيين مؤمنة ان “الربيع العربي” بدا متاخرا عما حصل في العراق لنحو ثمانية اعوام. وهذا يعني ان ما حصل في العراق عام 2003 كان هو بمثابة البداية الحقيقية للربيع العربي. ربما تورطت الطبقة السياسية ومعها من يسبح بحمدها من المثقفين حيث ان لكل طبقة سياسية مثقفيها المغردين باسمها باعلانها ان الربيع العربي صنع في العراق لاسيما بعد النتائج التي تم حصدها حتى الان وهي نتائج مخيبة للامال.
في العراق وبعد عشر سنوات من “الربيع العراقي” قبل ان نصدر الفائض منه الى العرب مازلنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها “حكى بريمر وقالت المحاصصة والحصة التموينية والكهرباء ومزاد البنك المركزي وملفات الفساد”. وبعد ثلاث تجارب برلمانية غمس فيها العراقيون اصابعهم بالحبر البنفسجي ثبت بالدليل القاطع ان الشعب العراقي هو الذي لايريد التغيير. بل يكره التغيير, يتطير منه, يعتبره رجسا من عمل الشيطان. هو شعب يؤمن بمقولة “الشين اللي تعرفه احسن من الزين اللي ما تعرفه”. وهو يؤمن بالمقولة التافهة “اكعد بالشمس لمن يجيك الفي”. ويردد اناء الليل واطراف النهار عبارة فاشلة اخرى “امشي شهر ولا تعبر نهر”. العراقي بعكس ارقليطس الذي يرى انه لايمكن نزول النهر مرتين لانه دائم الجريان .. العراقي لايريد عبور النهر حتى لو نصبوا له “الجسر المعلق” لانه يفضل المشي شهرا.
ووفقا لهذا القياس جرت انتخابات مجالس المحافظات قبل يومين. نصف العراقيين لم يذهبوا الى صناديق الاقتراع. ونصفهم وصل اليها وليته لم يصل .. لان من وصل كتب في الصناديق .. “الشعب لا يريد التغيير”.