صار يقينا بأن الدول التي تكثر بها الجوامع ودور العبادة وتقام بها خطب الجمعة ويكثر بها رجال الدين ليس بالضرورة أن تكون مجتمعاتها سليمة خالية من الأمراض الأجتماعية والأدلة والشواهد كثيرة على ذلك. فعلى سبيل المثال: هل المجتمع السعودي مجتمعا مثاليا بأعتبار أن الكعبة التي هي بيت الله توجد هناك؟، كما وأن نظامها السياسي نظام أسلامي يعتمد على القرآن والسنة وتطبيق الشريعة الأسلامية في الكثير من أحكامه، وفيها اللألاف من رجالات الدين وأصحاب الفتاوى، ولازالت مدارسها الدينية تخرج المئات منهم سنويا،وكلهم يتحدثون ويفتون وينظرون ويتكلمون بأسم الدين والأسلام والشريعة. والسؤال: هل هذا يعني بأن المجتمع السعودي مجتمعا سليما مثاليا، أو بعبارة أخرى ،ألا يفترض أن يكون كذلك بحكم هذه المعطيات!. الجواب ومع الأسف الشديد هو: كلا! فالمجتمع السعودي معروف بشذوذه وأنحرافه! نتيجة كبت الحريات والحرمان الذي يعاني منه والذي يمارس ضده من قبل رجالات الدين وأصحاب الفتاوى وما أكثرهم بالسعودية وتحديدا رجالات المؤسسة الدينية الوهابية التي لها تأثيرها الكبير والقوي حتى على سلطة الملك نفسه! والتي تتحكم بالكثير من المفاصل الأجتماعية، فهم أصحاب الحل والعقد، حيث لهم ذراعهم الطويلة والقوية والنافذة والمتمثلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالفساد منتشر بشكل كبير بالسعودية بكل صوره وأشكاله، والصراعات والمؤامرات مخيفة ورهيبة بين الأمراء من أجل السلطة والنفوذ،والتي تصل الى حد القتل والأغتيال فيما بينهم وقد سمعنا الكثير من تلك الحوادث قبل أشهر!. وكثير ما نسمع أيضا، عن حوادث تقع في السعودية تأخذنا الدهشة منها مثل حوادث الأغتصاب وتعاطي المخدرات والنصب والأحتيال، وخاصة عن حوادث العمالة الخارجية الذين يعملون في السعودية والذين يعاملون أشبه بالعبيد!، وغيرها الكثير من هذه الحوادث التي تحدث في كل مؤوسسات الدولة ومفاصلها المدنية والعسكرية منها. ودائما ما تضع المنظمات الدولية لحقوق الأنسان المملكة العربية السعودية بالمراتب الأخيرة في موضوع حقوق الأنسان!، وهذه كلها تتناقض مع أخلاقية الدين الأسلامي الحنيف، وأحاديث النبي الاكرم محمد عليه أفضل السلام، فالأسلام قام على الأخلاق ، والنبي الكريم محمد (ص) جاء لكي يتمم مكارم الأخلاق. ونفس الشيء يقال عن مصر بلد ال 1000 مأذنة مع وجود مؤوسسة الأزهر الدينية والعريقة التي تخرج سنويا المئات من رجالات الدين ومن الشيوخ وأصحاب العمائم، ولكن ماذا عن المجتمع المصري؟ وهل هو مجتمع سليم معافى من الأمراض الأجتماعية وهل هناك عدل وحق وحقوق تبعا لذلك، الجواب: ومع الأسف كلا أيضا!، فالفساد منتشر في مصر بكل أنواعه وتفاصيله وأشكاله من مخدرات وتزوير ورشا والتجارة بكل ما هو محرم وحرام وممنوع، بسبب من الفقر والعوز والحرمان الذي يعاني منه غالبية الشعب المصري، وخاصة بعد التحولات السياسية الكبيرة التي شهدتها مصر وما يسمى بثورات الربيع العربي والتي أدت الى تنحي الرئيس مبارك عن السلطة ومجيء الأسلاميين بقيادة محمد مرسي، ثم عودة الحكم الى العسكر! بالأنقلاب على حكومة (مرسي) وأستلام الحكم من قبل الفريق (عبد الفتاح السيسي) لتعود مصر تقاد من قبل رجالات الجيش منذ ثورة البكباشي عبد الناصر في تموز من عام 1952 من القرن الماضي!.والأمر ليس بعيدا عن العراق حيث وجود المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف التي ناهز وجودها الألف عام!. فهل المجتمع العراقي مجتمع مثالي وسليم ولا يعاني من أية أمراض أجتماعية، وأذا أردنا أن نتكلم بالتحديد والخصوص فهل المجتمع النجفي والكربلائي مجتمعات مثالية؟ بحسب ما يفرضه المنطق والعقل الذي يرى أن تكون النجف وكربلاء من المدن الفاضلة! فأضافة لوجود المرجعية في النجف فهي تحتضن ضريح سيد البلغاء الأمام علي عليه أفضل السلام، ونفس الشيء يقال عن كربلاء التي تحتضن ضريح الأمام الحسين عليه أفضل السلام بطل واقعة الطف ورمز وعنوان البطولة والحق ومقارعة الظلم. فهل المجتمعات النجفية والكربلائية مجتمعات فاضلة تبعا لما ذكرناه وما موجود فيها من رموز مقدسة؟ الجواب كلا تماما!. نعود بالقول فالمجتمع العراقي بدأت تأكل به الأمراض الأجتماعية وتنخر به دودة الفساد أبان فترة النظام السابق وتحديدا منذ أن تحول المجتمع العراقي من مجتمع علماني الى مجتمع ديني وأسلامي وذلك بالحملة الأيمانية المضحكة التي قادها الرئيس السابق وبعد أن تحول بين ليلة وضحاها الى عبد الله المؤمن!. وكان ذلك بعد كارثة دخول الكويت ووضع العراق تحت عقوبة البند السابع وقسوتها، التي قوضت حكم النظام السابق، وبنفس القدر وأكثر قوضت تلك العقوبات القاسية البنية التحتية لأخلاق المجتمع ولأخلاق الفرد العراقي الذي تخلى عن الكثير من المباديء والقيم الأخلاقية النبيلة التي كان يمتاز بها!، وأرى ومن وجهة نظري أن عقوبة البند السابع القاسية وتداعيات هذه العقوبة هي التي بذرت بذرة الفساد في العراق وأرست دعائمه!!. ومع الأسف لم تغير الحكومات التي قادت العراق من بعد زوال النظام السابق من الواقع المزري الذي كان يعيشه العراق تحت ظل الحصار الدولي بل زادت الطين بله كما يقال!، رغم أنها حكومات منبثقة من رحم أحزاب الأسلام السياسي!. فبدلا من أن ترفع الضيم والألم وتعيد بناء البيت العراقي فأنها تركت بصمات من اللألم وحفرت الأوجاع والأهات والحسرات في قلوب العراقيين، من الصعب نسيانها. نخلص مما ذكرناه بأنه ليس بالضرورة أن تكون المجتمعات سليمة معافاة بكثرة الجوامع ودور العبادة ورجالات الدين والأحزاب الأسلامية التي ترفع من الدين شعارا لها!. فالمجتمعات الأوربية الناهضة السليمة والمعافاة والتي ننظر أليها بشيء من الأنبهار والتعجب لا تتخذ من الدين أيا كان ذلك الدين شعارا وعنوانا لها في حياتها، بل أتخذت من الأخلاق وتربية الأنسان وبناءه هدفا وعنوانا لمسيرتها.حيث، تحرص الدول الأوربية على بناء الأنسان وفق الأسس الأخلاقية والأنسانية والأجتماعية البعيدة كل البعد عن موضوع الدين وشعاراته. ولنأخذ مثلا اليابان التي تعد نموذجا أبهر العالم حتى بات العالم يطلق عليها (الكوكب الآخر)! هذه اليابان تبدأ بتربية الفرد الياباني منذ نشأته ثم الى دخوله المدرسة على موضوع الأخلاق، دون الأهتمام بموضوع الرسوب والنجاح في الدروس!، في حالة غريبة عن كل المجتمعات العالمية الأخرى، حيث يظل الفرد الياباني يتعلم ويدرس كتب تتحدث وتعلم الأخلاق فقط ولا غيرها وبكل تفرعاتها، منذ الصف الأول الأبتدائي وحتى الثالث متوسط!، وهذا لا يعني أنهم لا يدرسون العلوم الأخرى،بالعكس فهم يدرسون كل شيء، ولكن التركيز يكون على موضوع الأخلاق فقط حيث تعتبر الأساس في النجاح!. ويبقى السؤال قائما: أين الخلل في ذلك بالمقارنة بين مجتمعاتنا العربية الأسلامية وبين المجتمعات الأوربية غير الأسلامية؟ هل الخلل فينا نحن كشعب وكأفراد؟ أم الخلل بالحكومات التي تحكمنا وتقودنا؟ أم الخلل بالحكومة والشعب معا؟ بأعتبار أن الناس على دين ملوكهم ورؤسائهم وملوكهم وأولي الأمر فيهم!. أخيرا نقول: أن الرعية بالراعي أن صلح الراعي صلحت الرعية، ولا دخل للدين في ذلك.