23 ديسمبر، 2024 7:02 م

نجحت السياسة الانتخابية … وفشل الشعب

نجحت السياسة الانتخابية … وفشل الشعب

انتهت العملية الانتخابية لمجالس المحافظات في العراق,وأغلقت صناديق الاقتراع,وبدأت عملية العد والفرز,والأرقام تشير إلى تقدم قوائم الحكومة والكتل البرلمانية الحالية على بقية الكيانات,
على الرغم من قلة نسب الأصوات المشاركة,والتي تعد إشارة خطيرة لانحدار مستوى الثقة الممنوحة سابقا من قبل المواطنين للكتل السياسية المتنافسة,والأسباب متعددة ومعروفة للجميع,
 إذا تمعنا جيدا في الصورة المنقولة عن نوعية ونمطية المشاركين ,نجد إن غالبية العازفين عن الاشتراك في هذه الانتخابات هم من أبناء مراكز المدن ,ويبقى الدور والفعل متروك للاقضية والنواحي والقبائل والعشائر الكبيرة,بحيث إن هناك محافظات عراقية كبيرة ,انتهت حملاتها الانتخابية بفوز أبناء المناطق الريفية على حساب أبناء المدن, المعارضين لطريقة وأسلوب والية الانتخابات عموما.
فشلت مرة أخرى الانتخابات المحلية في إحداث نقلة نوعية في طريقة عمل وأداء مجالس المحافظات,لان الوجوه الفائزة تكررت أو تقاربت في التفكير والثقافة والانتماء,وسينتظر الشارع مرة أخرى لعبة جر الحبل أو سياسة الاستعصاء في الشد والجذب المعتمدة سابقا في إدارة المحافظات, ليتعثر دور هذه المجالس الحيوية ,والمتوقع منها بناء وأعمار وتطوير وإدارة المدن بشكل ناجح,وتنفيذ مشاريع الخدمات المحلية,والعمل على تغيير الروتين الكلاسيكي في العلاقة بين المواطن والحكومة المركزية أو الدوائر التابعة لها,
فقد برزت إلى الواجهة وجوه عشائرية معروفة في مناطقها,لكنها تجهل العمل السياسي والوظيفي المتمدن,ولاتعرف حتى مداخل ومخارج المحافظات التي تريد تمثيلها,
هناك محافظات تعداد سكانها أكثر من مليون أو مليونين نسمة(بحجم بعض دول الخليج),اعتبرت دائرة انتخابية واحدة,مما جعل مسألة منافسة أبناء مراكز المحافظات والمدن مع البقية القادمة من الريف أمر غاية في الصعوبة,لان الولاء العشائري في العراق أقوى حتى من الولاء الوطني,ولهذا نرى إن فشل الانتخابات يعود في الأصل إلى القوانين المشرعة لتلك الانتخابات,وهذه النتائج التي روجت في الإعلام سوف تتكرر في انتخابات المجلس النيابي (البرلمان),وهي بادرة خطيرة ستؤدي بالعراق وشعبه إلى مزيد من الكوارث والفوضى والفشل السياسي.
ليست الديمقراطية أمنيات شخصية أو رغبات سياسية تفرض بقوة القانون الوضعي,ماذا يعني ان يتحدث الشعب عن فشل وفساد هذا العضو أو ذاك(سواء كان عضو برلمان أو مجلس محافظة,أو وزيرا أو مدير عام الخ.),ثم نجده مرة أخرى ,قد أعيد انتخابه,وتربع على كرسي المسؤولية!
في أي ديمقراطية وجد مثل هكذا أمر غريب,لقد فسدت العملية الانتخابية والديمقراطية عموما ,وأصبحت سياسة التوريث وعملية الاستئثار والعصيان في كرسي الحكم علنية (وأمرها مقلق ومقرف),ويحتم على الجميع النظر جديا وبروحية أخلاقية نزيهة ومجردة عن الهوامش الانتمائية إلى ضرورة الإصلاح ,وعدها واجب وطني.
لم يكن قرار بعض الدول الديمقراطية المتطورة في فرض غرامة مالية على من يتخلف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع(كأستراليا مثلا),مجرد رغبة في إجبار المواطنين على انتخاب ممثليهم في المجالس المحلية والنيابية,لكنها تعرف إن الدول الحديثة العهد (المتعددة الطوائف والاثنيات أو القوميات والأعراق والثقافات)بالديمقراطية,يجب ان تساهم في بناء بلدانها بشكل مباشر.
نطالب البرلمان العراقي بالنظر جديا في موضوع إعادة انتخابات مجالس المحافظات ,لان بعض الكتل استغلت إحداث المناطق الغربية لحصد أصوات المواطنين المشتتين,المرعوبين من فكرة عودة البعث الفاشي للحكم مرة أخرى,وكذلك العمل على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان وفقا للآليات الديمقراطية المعمول بها عالميا,وليس وفقا للعقليات المتكلسة بثقافة السياسات الشرقية القديمة..
فشل الشعب: لان المدن وسكانها (والمفترض إنهم متحضرين) هي قلب الدولة وروحها,فإذا تخلف هذا القلب عن رفد بقية جسد الدولة بالنفس,لن تقوم له قائمة أخرى,وسيهوي على وجهه بسبب انعزاله وكسله  وتخاذله أو تراجعه عن النهوض بأداء المهام والواجبات المناطة أو الملقاة على عاتقه,فهي ليست عملية انتقائية أو اختيارية(اقصد المشاركة في الانتخابات وليس اختيار المرشح),بل هو واجب أخلاقي يقترب من القدسية,لان الشعب هو من يقرر ويحدد مسيرته المستقبلية,ولانعرف لماذا سكتت المرجعية الدينية (الشيعية والسنية)عن فتوى المشاركة في الانتخابات,بينما كانت تتدخل في السابق بكل صغيرة وكبيرة تخص العملية السياسية
لسنا مؤهلين لان نختار أو نصنع ونقولب نظاما انتخابيا فريدا من نوعه في العراق,لمجرد انه ملائم لرغبات المتشبثين بالحكم ومنافعها المادية
نعم البعث والإرهاب والفوضى خطر يداهم كل بيت عراقي,ولكن فشل الإدارة السياسية هي الخطر الأكبر, الذي سيعيد صناعة وإنتاج وترويج الأزمات إلى الشارع من جديد………………..