ربما يكون المطروح في هذا المقال مستهجَـناً – بفتح الجيم – لدى الأعم الأغلب من لدى أتباع الشريعة المحمدية من المسلمين عموماً ، ومن أتباع الشريعة المحمدية من العرب خصوصاً ، وذلك لأسباب عديدة ، قد يكون من أهمها هو (التراكم التاريخي والموروث الروائي الديني والشعبي) أولاً ، وإلى (الخلط وعدم التفريق بين اليهودية والصهيونية) لدى أغلب طبقات المجتمع الاسلامي المحمدي وحتى عند طبقة المثقفين منهم .
إن مجموع الجرائم الموجهة ضد الانسانية والتي يرتكبها أجلاف الصهاينة بحق المواطنين الفلسطينيين ، وآلات القمع والمصادرة والتغييب التي يمارسونها ضد السكان الأصليين ، والتي تشبه جرائم المستثمرين الأمريكان ضد (الهنود الحمر) ، والمساوقة بحجمها للجرائم والابادة الجماعية التي ارتكبتها جيوش الاحتلال (الفرنسية والايطالية والبريطانيو والعثمانية) بحق الدول العربية إبان الاحتلال ، مضافاً إليها حجم (الموروث الروائي) الذي تضج به كتب السيرة والحديث الذي يصف (اليهود) بأبشع الصور ، كلها جعلت من الطبيعي أن تكتنز ذاكرة الانسان بالحقد والكراهية على (عموم اليهود) بصرف النظر عن مواقف (بعضهم) الانسانية ، مما فوّت الفرصة على العرب والمسلمين من أتباع الشريعة المحمدية عن أن يستفيدوا – إعلامياً – من مواقف اليهود المؤمنين المناهضين للحركة الصهيونية .
إن توخي الغاية في استحضار الحقيقة يستدعي منا مناقشة مسألة قد تكون مهمة في وقتنا الراهن ، وهذه المسألة تتعلق بـ (منع) الحكومات العربية والاسلامية مواطنيها من (زيارة فلسطين) ، وقد يرجئها البعض إلى الموانع (الدينية) أو (السياسية) أو (الاجتماعية) أو (القانونية) أو غيرها ، بيد أن مناقشتها لا تقل أهمية عن مناقشة (المؤامرة) التي انطلت على الشعوب العربية ، والتي كان لــ (حكام العروبة) شرف تنفيذها حرفياً – بوعي أم بغير وعي – والتي تم بموجبها (ترحيل أو تهجير اليهود) من الدول العربية إلى (فلسطين) ، بنفس الوقت الذي قامت به العصابات الصهيونية مثل (الهاغاناه والبالماخ والشتيرن والكاخ والآرغون) بتهجير ونزوح الفلسطينيين من فلسطين إلى الدول العربية ، والتي يبدو للمراقب إن هذه الهجرة (العكسية) كانت إحدى الخطوات المدروسة (الأولى) في رحلة الألف ميل من بناء دولة (إسرائيل) .
هنا يكمن موضوع يستحق النقاش والحوار (المقتضب) ما يترتب من آثار (سلبية أو إيجابية) من زيارة (فلسطين) بالنسبة للمواطنين المسلمين من العرب في الدول المحيطة بفلسطين المحتلة ، وهل هناك مسوغ (شرعي أو قانوني أو أخلاقي) لمنع السفر إلى فلسطين وزيارة الأماكن السياحية والدينية فيها ؟
والحقيقة إن فرض القوانين (الداخلية) التي تمنع المواطنين من زيارة فلسطين المحتلة ، هي في حقيقتها (استكمال) لمشروع (الهجرة العكسية) المشار إليها في هذا المقال ، وإن ثمة فوائد للقوانين الداخلية المتعلقة بـ (منع السفر إلى فلسطين) يتمتع بها (للصهاينة اليهود) منذ عقود من الزمن ، وأهم هذه الفوائد هي (إبعاد العرب المسلمين عن الساحة الفلسطينية) مما يمنح (الصهاينة) متسعاً من الزمان والمكان لاستكمال مشروعهم من جهة ، ويمنحهم القدرة على الانفراد بقمع الفلسطينيين لدى أول شرارة للثورة ، بعيداً عن الانتشار والأضواء الاعلامية العربية والعالمية من جهة أخرى .
إن أول نتاج عرضي لصدور القوانين العربية بــ (منع مواطنيها من السفر إلى فلسطين) هو إذكاء روح الانكسار و (الغربة) و (الضياع) لدى الفلسطينين ، نتيجة لوجودهم كــ (مهاجرين) في الدول العربية والأوربية من جهة ، وإحساس الفلسطينيين المقيمين في الأرض المحتلة بــ (الاستيحاش) نتيجة عزلتهم ، وشعورهم بعقدة (الاضطهاد العربي) الناتج عن اكتفاء إخوانهم العرب والمسلمين ببيانات الشجب والاستنكار (المحلية) التي لا تسمن ولا تغني من جوع بإزاء ما ترتكبه سلطات الاحتلال الصهيوني من مجازر بحق المواطنين الفلسطينيين (المعارضين) لسلطة الاحتلال .
يبدو لي أن فتح أبواب السفر إلى فلسطين أمام المواطنين العرب (المسلمين) من أتباع الشريعة المحمدية وغيرهم ، سيكون بداية حسنة لتعرف العرب بثقافة اليهود من جهة ، ومنحهم فرصة مد الأواصر مع اليهود المناهضين للحركة الصهيونية من جهة أخرى .
إن إحدى وسائل التذرع بـحجية (المنع) هي الخشية على المواطن العربي أو المسلم من زيارة فلسطين والتي يمكن أن تؤدي به إلى تجنيده من قبل الدوائر الصهيونية ، متناسين حجم العمالة العربية للصهاينة على صعيد الأفراد والجماعات ، والحكام وبعض أفراد الشعوب العربية دون الحاجة لزيارة ما يسمى بــ (إسرائيل) .
ورغم التأييد والرفض لقوانين منع السفر إلى فلسطين ، ألا إنه من الطبيعي أن يتبادر إلى الأذهان استفهام (استخباري) تارة ، و (استنكاري) تارة أخرى ، يتعلق بماهية الفرق بين السفر إلى فلسطين المحتلة والسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدول التي تحتل بعض الدول العربية (عسكرياً) أو اقتصادياً أو ثقافياً .
وبقليل من التعقل والتفكير المفترض بالعقل العربي يستطيع المراقب أن يفهم بأن (منع سفر المواطنين العرب والمسلمين) إلى فلسطين ، هو بحد ذاته (إعتراف ضمني) بدولة إسرائيل وإقرار واضح بسيادتها وسلطتها على فلسطين ، وليس من الغريب أن يجد الانسان العربي أو المسلم نفسه ملزماً – للأمانة العلمية والتاريخية – أن يسأل نفسه السؤال التالي :- (من المستفيد الأول من منع المواطن العربي والمسلم من زيارة فلسطين) ؟؟
…………….