قَدَر هذه البلاد أن لا تذوق طعم الراحة والعيش الهانئ كسائر بلدان العالم، وكأنها حددت لمذاق آخر، فتصير ساحة لتصفية الحِساب بين الخصوم، داخلية و خارجية بالنيابة عن الآخرين.
خوض الحروب بالنيابة عن الآخر، هذا ما حصل في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حين دارت رحى الحرب بين العراق وإيران، التي خاضت فيها بلاد الرافدين الحرب بالنيابة عن دول المنطقة، فلقبوه “بحامي البوابة الشرقية” دفع فيها الكثير من المال والرجال، بينما كانوا متنعمين آمنيين، ثم انقلبوا عليه بعد انتهاء الحرب، فطلبوا منه التعويضات المالية التي أنفقوها في الحرب، التي استمرت لثمان سنوات، رغم أنها جعلت العراق يتأخر عن العالم لعقود، ولم تخلف الحرب سوى؛ الارامل واليتامى والثكالى ومعاقين ومهجرين، وانهيارا في الأقتصاد العراقي.
انطوت تلك الصفحة بكل تفاصيلها وانقضى حكم البعث للعراق، وأنبثق فجر جديد سمي بالعراق الجديد ما بعد احداث 2003، لكن لا زالت هذه الصفة تلاحقه، اصبح مسرح لتصفية الحِساب، الجميع توجه نحو العراق، للاستحواذ عليه قدر الإمكان؛ سياسياً أمنياً أقتصادياً، فرض أجندات تلك البلدان عن طريق أدوات داخلية، بسبب الفراغ الدستوري والأمني للبلاد، الذي خلفه سقوط سلطة البعث.
تصفية حِسابات بمختلف المسميات؛ عقائدياً وقومياً بين هذه الدولة وتلك، وجر الحرب داخل العراق بعيدةا عنهم وكان الثمن غالياً دفعه أهل ارض السواد، الدماء الزكية والأرواح الطاهرة والاجساد التي تراقصت أشلائها على العجلات المفخخة والأحزمة الناسفة.
لم يزيل العراقييون بعد، غُبار تنظيم القاعدة الإرهابي، وداعش التكفيري الذي مزق جسد العراق بالمفخخات، حتى لاحت في الأفق معالم حرب جديدة، بين الإدارة الأمريكية والجارة إيران، وكلا الطرفين تسابقا نحو الساحة العراقية، لجر الحرب فيها أو للانطلاق منها.
ترامب بتصريحاته الأخيرة والمستفزة للعِراق قبل إيران، سنراقب إيران من الاراضي العراقية” قاعدة عين الأسد”، بعد تكثيفه للقوات الأمريكية فيها، و القادمة من سوريا، قابله الرد من إيران ومن داخل الاراضي العراقية ستكون قواتنا لكم بالمرصاد.
صرح ساسة العِراق، في مقدمتهم زعيم تحالف الإصلاح، إن العراق حكومةً وشعب، لا يسمح ان يكون مسرحاً لتصفية الحِساب بين المتخاصمون، ولا اراضيه منطلقاً لتهديد الآخر سواء أقليمياً ودولياً، أنما العراق ساحة للجميع يلتقي فيه الخصوم في حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.. كما حصل في القمة الخماسية زائد واحد، لعب العراق فيها الدور الكبير في تقريب وجهات النظر، بين الإدارة الامريكية يومذاك في عهد اوباما وإيران وانتهت بنتائج مرضية وإيجالية لكلا الطرفين.
ماذا سيحصل لو رفضت إدارة البيت الأبيض اتباعها الطرق الدبلوماسية في حل الخلاف مع إيران، وإصرارها في استخدام لغة الحرب، هل سينحج الساسة في العراق على أبعاد الاراضي العراقية عن شبح الحرب، إذا ما قُدر وقُرِعت طبولها؟