قبل أحداث إكتوبر2017، لم يخمن أو يتوقع الكثيرون، وربما لم يتوقع أحد، أن الوضع في كركوك سيصل إلى مرحلة تقوية دور الشوفينيين بمساعدة الميليشيات على حساب الكورد وبعض التركمان وتشتتهم، وتحول المناكفات والجدالات الى تهديدات ومعارك كسر الإرادات وتجديد الحرب المستمرة ضد الكورد منذ عقود، ولإجهاض المكتسبات الكوردية، وإطلاق يد مسؤول شوفيني حاقد ومتعطش لنشر الفوضى في كل مكان ويكن العداء للآخرين ولايؤمن إلا بلون واحد، وليمارس التهميش والترهيب والتعريب والتهجير والتغيير الديمغرافي. وأن تصل الأمور الى هذه الدرجة من التعقيد والتشابك في المصالح والتغيير في المواقف السياسية والمفاجئات في النتائج، وفرض الحلول بأي طريقة كانت على حساب الكورد لمجرد كونهم كورداً.
كثرة التصريحات والمواقف المعلنة تجاه كركوك، فقد أدت الى خلط الكثير من الأمور. وسماع بعضها كانت تأخذك الى الريبة وإمتلاك الفزع، لأنها كانت غير مسؤولة، وأصحابها أطلقوها لإثارة النعرات بين مكونات المدينة، خوفاً من خيالهم وإفتضاح نواياهم المشبوهة ومؤامرات ومكائد أسيادهم المدبرة في الغرف المغلقة. وبعضها كانت ردات فعل، أيضاً غير مسؤولة، وأصحابها زايدوا وأرادوا صب الزيت على النار ليقولوا للآخرين أن كركوك (برميل بارود)، وأرادوا تضييع إنجازات البيشمركه ودفاعهم البطولي عن المدينة ومكوناتها وتضحياتها الكثيرة في سبيل دحر الإرهاب وحماية الكركوكيين من بطش وإرهاب داعش.
وفي هذه الايام، وفي ظل الاجواء السياسية الحالية التي ربما تساهم في تطبيع الأوضاع في كركوك وفقاً للمادة ١٤٠ من الدستور العراقي، عادت قضايا كركوك الى واجهة الاخبار، وعاد البعض من الكتاب والإعلاميين والسياسيين، وبالذات، أصحاب الأحقاد الدفينة والإدعاءات والإيحاءات المزيفة، الى التحدث عن الممكن وغير الممكن والمقبول واللامقبول، والظهور كأنهم متخندقون في سواتر الدفاع عن الحق أينما كان، عبر أقوال وتصريحات وكتابات تدور في فلك الشطحات والهرطقات الهزيلة المبتذلة والنفاق على الطريقة الشيطانية والعابرة لحدود ومعايير المنطق والعقل، وتؤكد عبثية الهروب نحو الوهم والسراب والركض من أزمة إلى أخرى بالإنتقاد والهجوم والصراخ والوقوع في المحظور، وإتهام الآخرين وترديد النغمات الممجوجة عن الحقوق والقانون التي ظاهرها العدالة والقانون، وباطنها اللاعدالة واللاقانون، وبعضها تدخل في باب الأعاجيب والإشاعات وتدل على الحماقة والتسقيط والصلف.
السؤال هنا هو:
ماذا نفعل مع أناس لايفقهون شيئا من علم السياسة وأركانها، واعماهم الله فلا يرون الاشياء على حقيقتها الا ضمن الذي يريحهم، وقد استبدلوا التعايش والتسامح وإحترام الآخرين بالصراع والأنانية والحقد والتفكير بالمصالح الشخصية والحزبية، ويسعون لبلوغها مع كل أزمة أو مشكلة، ولايفرقون بين تطبيق الدستور لكي يكون منهاجاً للعمل المستقبلي في التعامل بين المكونات القومية؟
ماذا نفعل مع أناس يعانون من عقد عدة تحكمت سابقاً في إرتباطاتهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية والتنظيمية، وتتحكم حالياً في توجهاتهم وأدائهم وأهوائهم وإنتمائهم ؟
ماذا نفعل مع أناس من الظلم أن نسميهم كتاب وإعلاميين وسياسيين، لأنهم خائبون منهزمون خائفون من المواجهة في الظروف الصعبة والحالات الشديدة، ويندبون حظهم العاثر في حالات الانفراج والانفتاح، يرددون ما يقوله المسؤولون في العواصم المجاورة، ويريدون عدم عودة الفرحة التي غابت عن كركوك جراء النيات السيئة، ولايشعرون بالمسوؤلية الوطنية والقومية، وبوجع وألم أبناء كركوك، ولانراهم يتحدثون بصدق عن الصورة الحقيقية الحالية والتي يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، ولايعرفون أن الظروف تغيرت في مشارق الارض ومغاربها وألوانها وأشكالها واصبحت طليقة في كل مكان بينما يريدونها أن تكون عندنا فقط، حبيسة لا تقدر ان تكشف مافيها، مراعاةً لرغبة فلان وعدم زعل علان أو خوفا من سطوة الجيران؟
ماذا نفعل، والكل يعلم أن كل الطرق تؤدي الى كركوك والواجب الوطني والقومي والإنساني يحتم على أبناء المكونات والمذاهب والاديان التوحد لتفويت الفرصة على المتربصين والمسخرين والمتاجرين الذين يريدون زعزعة الأجواء السياسية الايجابية في العراق، والذين يريدون لنا الصراع والتصادم والتقاتل، ويحتم اللجوء للدستور والقوانين النافذة والحوار والتفاهم لحل المشكلات العالقة بشان كركوك ؟