الخوف من الآخر المختلف ظاهرة انتقلت من المناخ السياسي العراقي الى فضاء الإعلام، ومجرد اعلان مؤسسة ال أم بي سي السعودية اطلاق قناة أم بي سي العراق حتى انطلقت صيحات الخوف والتحذير من نشر الفكر السعودي، والسبب الحقيقي لايكمن بالخوف من نشر فكر سعودي، لأنه لايوجد فكر سعودي أصلا في منظومة الأم بي سي، وانما يعرف المتخوفون ان شاشات قنواتهم سوف تهجر، سيذهب الجمهور لقنوات تعطيه المتعة وتخلصه من طابع الأمية والسذاجة والملل لغالبية لنتاج الفضائيات العراقية .
أدركت منظومة السلطة الاعلامية في السعودية، ومن خلال نخبة من اللاعلاميين العرب والأجانب المتخصصين، بأن شعوب الشرق الأوسط المبتلاة بالحروب والأنظمة الدكتاتورية والاعلام الآيديولوجي والديماغوجي الدعائي، تحتاج الى إعلام ترفيهي امتاعي جاذب ومتحرر من السياسة واللغة التعبوية المباشرة، فانطلقت ال أم بي سي عام 1991 أي قبل 27 سنة ، وتمكنت برحلتها من التحول الى منظومة قنوات بمختلف الاتجاهات للهيمنةعلى الفضاء الإعلامي العربي، وتنتزعه من الهيمنة المصرية السابقة لعالم الفضائيات والسوشيال ميديا .
الإعلام العراقي الذي خرج عام 2003 من معطف الإعلان والدعاية للسلطة الشمولية، لم يجد قواعد وفلسفة ورؤيا لبنائه وفق قاعدة الحرية في التعبير ومبادئ النشر العام والتنوع الفكري واحترام عقول وذوات الجمهور العراقي، إنما سخر لخدمة السياسة على نحو فج كما أبعد عن وظائفه الثقافية في تربية وتحرير ذات الفرد العراقي من الخوف، وآثار خمسة عقود من حكم العسكر وهيمنة ايديولوجيات الإستلاب الذاتي، والعمل على اطلاق أصوات التعبير بحرية تلتزم قواعد المواطنة العراقية والسلام والتآخي وتحقق التكافل الاجتماعي سبما وأن الوطن يمر بأزمة تاريخية عنوانها الاحتلال والتغيير الذي يستدعي مراجعج نقدية و تحليلية لأسبابه ومخلفات أزمنة الخوف والحروب والخراب .
واحد من خسارات العراق أن القوى السياسية التي استحوذت الى النفوذ والمال برعاية امريكية، أدخلت الإعلام العراقي في منعطفات السياسة الطائفية والإنكفاءات الحزبية ومشروع بث الكراهية والحرب الأهلية، ثم انتهت به الى صفقات المال والأجندات الخارجية والترويج السياسي الهابط وجعله أحد اجنحة الصراع والتنافس في عمليات الفساد ..حتى فقد طاقته على الاستمرار بعد خمسة عشر عاما على اجترار اطاريح غير جاذبة حتى لانصاره ومموليه.
اصبح الاعلام أحد اسلحة الهيمنة الناعمة الى جانب المال، وأحد وسائل القوة والتأثير الذي تقاس بموجبها الأنظمة، وراقبنا كيف استطاعت قناة الجزيرة وقنوات أخرى مؤثرة على زعزعة بعض الأنظمة العربية وأسهمت بتغييرها فيما يسمى بمشروع الربيع العربي، الآن حين تدخل الأم بي سي العراق الى الفضاء العراقي، أرجو ان تكون عامل إيقاظ للعقل السياسي العراقي السلطوي المعطل بفهم وظائف الإعلام وتأثيره الاجتماعي والنفسي، فلا يكفي ان نهاجم المختلف معنا ونصمت، لأنه بالأخير سوف ينتصر بأهدافه .