قصص قصيرة للقاص “باسم القطراني”
نصوص مازومة من (العبث الكاموي).
قراءة”عقيل هاشم الزبيدي
“في الحال اخذت معولا وخرجت ابحث عن قطعة ارض رخوة كي انفذ من خلالها الى العالم السفلي…وسريعا اهتديت..الخ”.
تأخذنا المجموعة القصصية (قبل نهاية العالم بدقيقة) للقاص “باسم القطراني” إلى لعبة سردية متقنة لاستعادة الذاكرة بوصفها قراءة في المتحرر من عنف المأساة من الحروب والفقدان والتي يقترح لها المؤلف السردي (قبل نهاية العالم بدقيقة)) قصصا يتداخل –السيرذاتي (التسجيلي /المتخيل) عبر أقنعه متعددة لرصد ورسم مصائر تتوزع بين المحو والاستدعاء للذاكرة ،يحاول القاص هنا سبر جملة من القضايا الإنسانية والغوص في تلافيف وسمات شخصيات كثيرة، ليكشف لنا خبايا مهمة بصيغ أدبية متقنة يضيء لنا فيها عن حالات النفس البشرية في شتى المواقف، وما يمكن أن نواجهه في مساراتنا الحياتية…
اقتباس:
“قبل نهاية العالم بدقيقة”
(لم اكن لاكترث لنبوءات نهاية العالم من قبل .فقد كنت اهزء بها كثيرا،بل افند حتى تلك الاخبار التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن وكالة ناسا للفضاء التي تتحدث عن بقع سود ستلتهم مجرات الكون بشراهة يوما ما .هكذا انا قبل يصعقني خبر بثته محطات العالم اجمع عن نيزك هائل سيصطدم بجسم الارض ليحولها الى كتلة جامدة ويسلبها الحياة والوجود…ص76
إذن اننا امام نصوص تجترح فكرتها بوصفها تعري لمكنونات (الشخصية/الامكنة)، وأنّ محنة هذه الشخصيات تستبطن فاعلية السارد ومن خلال التعرّف على محنة الواقع والذات، إذ تعيش عبره استلابات اجتماعية وتشوهات سياسية، (قبل نهاية العالم بدقيقة) حيرة البحث عن المصير، ومواجهة غير عقلانية مع الاخر. تلك اسئلة و هنا لا يدّعي القاص امتلاكه للأجوبة، قدر ما يحاول، بمبضع السخريّة فضحها..
اقتباس
“ترينمة الطائر الاعمى”
(اتذكرجيدا ايها الاعمى اعرف انك حانق عليّ،تملك قلب طائر ولي قلب بين قلبين ،كنت يومها في الثانية عشرةمن عمري حين انفرط عقد شقاواتي وبرااتي اللذيذة عندما شاء ابي ان يرتحل بالعائلة الى محلة اخرى فقد وعت دائرة الامن علامة على عائلتنا كونها لاتسير على خط الحزب والثورة بعد ان اعدم شقيقي الاوسط واودع الاكبر سجن ابي غريب …ص7)
هنا اختار القاص تصوص مرسومة باتقان كي يضع قارئه أمام لعبة سردية توظيف تمثلات الخاص للذات وكشف هواجسها وتحولات وعيها والتي تواجه محنة وجودها إزاء رهابات القمع والإقصاء التي تفرضها سلطة ما بوصفها عتبة الخلاص..ففي نصوص المجموعة الاخرى نجد كذلك إن شخوص المجموعة تحمل قيود الوطن الذي فرت النصوص منه إلى الاحلام ، فهوالبطل المشدودة إلى الماضي رغم قسوته ومن صلب حالة الانشداد الأقرب إلى النوستالجيا تناسلت عوالم معظم قصص المجموعة.. والتي لا يبدد ساردها من اعتياد العزلة أزمة الهوية والغربة عن الذات التي تتضح في بعض جوانبها بعجز العالم الافتراضي عن فهم عذابات ساردها ليأخذ الخيال والحلم شكل منحى فضيلة التحرر من آثام الواقع..
اقتباس:
“ثقوب في ذاكرة البرحي”
(ثماني سنين عجاف سحقت كل مااتت عليه من ضمائر الناس والاشياء ،مرغت كبرياء الجباه واعلنت ان لامناص من خجل التواريخ وعهر الارقام ،حدث ذلك والدروب تاخذ بالتائهين جيئة وذهابا وتدور بالرؤوس يميناً وشمالا ًكلما صهل الزمن من بعيد…ص45)
هذه الصور المأزومة في هذه القصص تقترح عددا من الصور اليومية حيوات (العبث الكاموي).والذي يصطنع القاص لها وعبر تقانة الأقنعة أصواتا متعددة ، هذه الصور مدونات الذات الداخلي المازومة والتي تعني في جوهرها مدونة المؤلف ذاتها، فعبر تقانة قصصية يتشكل المبنى الإطاري لغرض تتبع الحكاية والحفر في عوالمها، ومعرفة خفاياها وأسرار تحولاتها النفسية والثقافية ،تلك الأزمات النفسية، والتي تضطرب فيها الهويات وهي تعاني اغترابها وهواجس نكوصاتها وإحباطاتها في التعبير عن وجودها ..
اقتباس:
“هلوسات الراوي العليم”
(يروي بالنيابة عنا دائما .مرة يحكي عن قصص وشخصيات يتغلل في اعماقها السحيقة واخرى يمر عليها مرور الكرام فيصف على عجل احداثا ومثابات لايريد ان بنشر غسيلها على الحبال لايخشى النقد فقد ولد حرا يطير باجنحة خارقة وبلمحة عين ينتقل من مشارف الارض الى مغاربها وبسرعة لايمكن لاحد ان يتصورها .دخل حرولا ومفازات .راى فيها كل شيء وفي كل مرة كان يخرج سليما معافى من قلب العاصفة…ص65)
بالنظر إلى تنوع القصص وكثافة الأحداث التي تحاكي الواقع بلغة رمزية جميلة، يحاول القاص تلطيف رداءة الوضع الإنساني وجعله وضعا قابلا للعيش رغم كل المعاناة التي يخلقها للكائن البشري،والباحث عن واقع أفضل
اقتباس:
“مكياج سريالي”
(تتفحص المدينة وجهها في مراة عملاقة اكبر بكثير من توقعاتنا ااحس الندوب الهائلة والجروح العميقة التي تبدو مثل مكياج سيء المدينة الكئيبةلاتتكلمبل تعبر عن مزاجها غير الرائق من خلال نظرات باهتة عبر المراة المثبته فوق الابعاد الافتراية من خلال زاوية هي الاوصح والانقى…ص69
يأخذ الزمن “الماضي /الحاضر/المستقبل في السرد الحكائي للمجموعة القصصية مكانة متميزة، لكن رغم ذلك، يجد القارئ نفسه، وهو يطالع هذه المجموعة، أمام زمن واحد ! لأنه لا شيء تغير؛ نفس الوجوه، العادات، القيم، ونفس المكان… فكل شيء رديء، حتى الأحلام التي نرغب في تحقيقها مستقبلا، يتزاوج في القصص الوطن المحرم والهمس القادم من الذكرى ليوصل حالة الارتباك الداخلي إلى اقصاها الذي تتكشف معه خسارة المواجهة بين ” الخوف في الوطن ” و” الهروب منه ”
اقول إننا إذن أمام مجموعة قصصية غنية بالدلالات والإيحاءات والإيقاعات، وحبلى بالشفرات، مما يعني أن الكاتب ينخرط بشكل قوي في تفجير الأفكار التي تريد أن تقولها القصص.
اقتباس:
“روبوت”
(يحدث ان ينزع عقله ليضعه في جيبه حين يخرج ليتنزه او ليتمشى قليلا ،وفي احدى المرات يسمع دوي انفجار قريب يرك مع اسراب المتدافعين ليشبع فضوله الذي يلح عليه دائما يقف متفرجا وهو يرمق الاجساد المتفحمة بفعل مفخخة مجنونة .يطيل النظر غير مندهش او متاثر لما حصل …ص92
كمن يزيح التراب عن تفاصيل لوحة فسيفسائية بحثا عن المهمل من جمالياتها وأملا في العثور على ملامح عوالم غاربة تجمتع في تصوص المجموعة ” نتفا من الوجع الإنساني لتضفي قدرا من الحساسية على خزين العذابات الانسانية ..اما هذا التناوب في السرد بين التسجيلي والغرائبي هو البحث عن المتعة والسخرية معا وهروبا من الضجر الذي يخلفه الواقع وتناقضاته يلجا الكاتب لهذا النوع من السرد الغرائبي في معظم نصوصه ؛ والذي تتطلبه بنية السرد الحكائي في القصص. اقول هي مجموعة قصصية متكاملة ومحكمة من حيث اللغة السردية، أو ألمثن الحكائي، أو الخيال الرمزي الذي يضعك أمام الواقع بطريقة مثيرة وبلغة شعرية سريالية مشوقة ممايحيل قصصه الى لوحات تشكيلية مفعمه بالجمال والحزن معا…