التقينا معا آخر مرة في اواسط السبعينات من القرن الماضي بموسكو اثناء مشاركتنا في الندوة العلمية لمدرسي اللغة الروسية وآدابها في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ( انظر مقالتنا بعنوان – مكارم الغمري والادب الروسي ), وها نحن ذا نلتقي من جديد بعد اكثر من اربعين سنة في المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب بموسكو العام 2018 , وبما اننا افترقنا كل هذه الفترة الطويلة من السنين , فقد كان اللقاء ( الذي استمر ثلاثة أيام) مليئا بالاحاديث والذكريات عن الاشياء المشتركة التي توحّدنا , وما أكثرها , ابتداءا من الاصدقاء والزملاء الراحلين د.محمد يونس ود.حياة شرارة و و و.. , وانتهاءا بهمومنا ومشاغلنا التي ترافقنا لحد الان في مجال ترجمة الادب الروسي ومشاكل تدريسه ونشره في بلداننا العربية .
سألتها رأسا – هل قرأت مقالتي عن (مكارم الغمري والادب الروسي) , فضحكت وقالت طبعا طبعا , وأنا أعتز بها جدا ( قدّمت لها نسخة من كتابي – ( دفاتر الادب الروسي 1) حيث توجد مقالتي تلك, رغم انني لا امتلك غيرها وقلت لها , أفضل ان تكون هذه النسخة لديك مما ان تكون عندي). بدأت أروي لها , كيف كان المرحوم أ.د. محمد يونس يحدثني عنها , فقالت انها لاتزال تحمل أجمل الانطباعات عنه وعن زوجته ام بشار( اذ انهم كانوا يعيشون سوية في القسم الداخلي بجامعة موسكو اثناء الدراسات العليا ) , وسألتني بتفصيل عن أخبار زوجته واولاده , وحدثتها عن بشار وعمار ومي وحسين , وطلبت مني ابلاغ تحياتها وتمنياتها لهم جميعا , وها انذا اقوم بذلك حسب طلبها , وقلت لها , ان محمد يونس كان يكتب آنذاك اطروحته عن تولستوي , بينما كنت انت تكتبين اطروحتك عن غوركي , وسألتها – لماذا اختارت غوركي بالذات ؟ فقالت , لاننا كنا في ذلك الوقت مسحورين بالاشتراكية ومفاهيمها في كل شئ , بما فيها قضايا الادب والفن , ثم أضافت – ولكنني لم اكتب عن ادب غوركي بشكل بحت فقط , وانما تناولت انعكاساته في الادب العربي ايضا , وبالذات عند الشرقاوي والخميسي والآخرين , ولهذا فانني اقدّم نفسي دائما على اني متخصصة بالادب الروسي والادب المقارن في آن واحد , قلت لها مبتسما – ولهذا جاء كتابك المتميّز بعدئذ عن المؤثرات العربية والاسلامية في الادب الروسي , والذي لا زال مطلوبا من القراء العرب رغم انه صدر قبل اكثر من ربع قرن في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – حول مقالة تولستوي بدل السخوي ) .
حدثتها طبعا عن دار نوّار للنشر , ومشاريعي المرتبطة بدار النشر هذه وتوسيعها كي تشغل مكانتها اللائقة بها في مجال الادب الروسي في العالم العربي , بما فيها جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وأخبرتها ( سرّا !) باسم المرشح المحتمل ( آنذاك ) لنيل هذه الجائزة , وهو بوغدانوف , فقالت انه اختيار ممتاز و صحيح ودقيق من قبل اللجنة , ومدحته جدا , خصوصا عندما عمل في مصر ( أرسلت لها بعدئذ كل ما ظهر من مقالات وتعليقات بعد اعلان خبر حصول بوغدانوف على الجائزة , بما فيها طبعا مقالة سلام مسافر – نوار يضئ الالفة العراقية الروسية , ومقالة محمد عارف – وسام الدبلوماسية الشعبية العراقية ) . دعوتها ان تشارك في نشاطات دار نوار للنشر , وقلت لها , انني اتمنى ان أرى يوما- ما عددا خاصا يحمل اسم أ.د. مكارم الغمري ضمن سلسلة ( دفاتر الادب الروسي ) يضم مقالاتها وملاحظاتها حول الادب الروسي كي لا تبقى هذه المقالات والملاحظات المهمة للقارئ العربي مبعثرة هنا وهناك في مختلف المجلات والصحف والمواقع الالكترونية , فوافقت على هذا المقترح وقالت انها تتمنى ايضا ان تشارك في هذا المشروع الثقافي الذي يحمل اسم ابنك الراحل, وانها ستفكر جدّيا بتحقيق هذه الفكرة الجميلة مستقبلا , واود ان اكرر هنا باني انتظر من زميلتي د. مكارم – وبكل سرور – تحقيق الفكرة وتنفيذ هذا المقترح المهم علميا للقارئ العربي .
ختاما لهذه السطور , اود ان أشير , الى ان احاديثنا خلال ايام المؤتمر الخامس للمترجمين في موسكو قد تشعبت كثيرا وشملت الادب العراقي طبعا , وقالت لي د. مكارم انها معجبة جدا برواية انعام كجةجي الموسومة ( الحفيدة الامريكية ) , الا انها ضحكت وأضافت قائلة , انها لا تقدر ان تتذكر او ان تلفظ بشكل صحيح لقبها هذا ( اي كجةجي ) , وقلت لها , انني ايضا معجب بانعام كجةجي روائية وصحافية , وانني متابع دائم لكل ما تنشر من روايات ومقالات ذكية ودقيقة وذات نكهة خاصة بها فقط لاغير , وانها فنانة رائعة تعرف كيف تحوك رواياتها ومقالاتها بمهارة فريدة ومدهشة الجمال شكلا ومضمونا .
أ.د. مكارم الغمري – مثلي طبعا – متقاعدة , ولكن , هل تقدر هذه المرأة المليئة حيوية ونشاطا ان تتوقف عن مسيرة الابداع ؟ والمساهمة في حركة الترجمة عن الروسية ؟ واغناء المكتبة العربية بمصادر جديدة عن الفكر الروسي ؟