شغلته اضواء المدينة التي سكنها عن رؤية البدر طويلا .
في الليلة البارحه ، استلقى على ظهره ناظرا الى السماء ، فوجده يملأ عينيه ويلغي كل ضوء اخر .
ثمة وجوه عدة تناوب وجودها فيه :
وجه امرأة عمه التي تمنى ان تكون زوجته . وجه امه التي رحلت مع زوج اخر وتركته عند جدته .وجه الزعيم الذي رسمته الملائكة هناك .وجه رغيف الخبز الابيض الذي هجر قريته من اجله. وجه الجندي سامي الذي اخذ الحصة الاكبر من الشظايا فمات بها وترك له شظية واحدة كسرت ساقه الى الابد. وجه نادية لطفي الذي لايزال يوزع عليه قبلاته الخيالية منذ فيلم ابي فوق الشجرة .
اجتمعت هذه الوجوه كلها بعد ذلك التناوب ، وبهدوء ساقت البدر الى عينيه وادخلته بهما ، فلم يتحمل شدة ضوئه الهائلة ،لذلك اغمض عينيه بصعوبة ونام .
في الصباح لم ينهض هذا القروي المريض من حوض عربته الخشبية ، وانما انهض جسده اصحاب دكاكين السوق ، ومضوا به الى المقبرة ، وهو مكفن العينين بضوءِ بدرٍ نساه منذ ان غادر قريته .