19 ديسمبر، 2024 12:58 ص

في قدسيّة كربلاء

في قدسيّة كربلاء

كلّ عمرها، كانت كربلاء – كما النجف وسامراء والكاظمية والأعظمية وسواها- مدينة مقدّسة .. لم يجرؤ أحد على المسّ بقدسيتها، مسيحياً كان أم يهودياً أو صابئياً مندائياً أو إيزيدياً أو بهائياً أو غير مؤمن، فضلاً عن المسلم.
كربلاء وأخواتها لم تُفرض قدسيتها بفرمان سلطاني عثماني، ولا بمرسوم ملكي أو جمهوري، ولا بفتوى دينية من مرجع شيعي أو سنّي .. الناس من تلقاء أنفسهم جعلوا لهذه المدن قدسيتها لأنها تضمّ رفات أحبة لهم من الأئمة والعلماء ذوي السيرة الحميدة أو المواقف البطولية المشهودة في مقارعة الظلم والطغيان. كان من مظاهر تقديس هذه المدن ومحبة الراقدين تحت تراب أرضها أن يذهب الناس إليها حتى مشياً على الأقدام في مناسبات معيّنة.
قدسية كربلاء ممسوسة الآن؟
ما حصل هذا – إن كان قد حصل – إلّا في عهد الإسلام السياسي الراهن!
مِن آن الى آخر يقلّب مجلس محافظة كربلاء أوراقه القديمة ليعود الى قانون أو قرار أو إجراء اتُّخذ في العام 2012 في سبيل احترام قدسية المدينة كما يزعم. ومّما جاء في القرار أنّ عرض الملابس النسائية في محال بيعها وعلى الرصيف صار محرّماً! فضلاً عن الموسيقى والأغاني ولعب القمار وتناول المشروبات الروحية، وسوى ذلك.
أتذكّر أنه في ذلك العام، 2012، سألتني إحدى القنوات الفضائية العربية عن معنى ذلك القرار وعواقبه المحتملة، فأجبت بأنه قرار لا قيمة حقيقية له على صعيد قدسية كربلاء، لأنه لا يمسّ تماماً ومباشرة أكبر انتهاكين لقدسية المدينة، وهما الدعارة والاتجار بالمخدرات، حيث أن كربلاء، استناداً الى تقرير رسمي صادر آنئذ عن وزارة التخطيط، كنتُ يومها قد حصلتُ واطّلعتُ عليه بحكم عملي الصحفي، إحدى أكثر المدن العراقية التي تعاني من تفشّي ظاهرتي الدعارة وتجارة المخدرات.
في اليوم التالي أو الذي أعقبه ردّ عليّ محافظ كربلاء آنذاك بالتهديد بأنه سيقاضيني والقناة التي حاورتني في الموضوع بتهمة السعي لتشويه سمعة المدينة المقدسة. لم يفعلها بالطبع. بالتأكيد أن مساعدين أو مشاورين له عقلاء نصحوه بعدم التورط في قضية خاسرة، فالمعلومة التي أذعتُها كانت مستلّة من تقرير رسمي.
الآن أيضاً أُكرر القول لمجلس محافظة كربلاء إنه إذا كانت الموسيقى والأغاني وعرض ملابس النساء هي ممّا يمسّ بقدسية كربلاء، فإنّ ثمة ما ينتهك هذه القدسية على نحو سافر وأمرّ وأدهى بكثير من الملابس والموسيقى والمشروبات الروحية .. الدعارة لم تزل قائمة في كربلاء، والاتجار بالمخدرات وتناولها جار على مدار الساعة فيها. ومن أكبر الكبائر الماسّة بقدسية كربلاء والراقدين في أرضها هذا الفساد الإداري والمالي الفاضح والفادح الذي يقف على رأس ممارسيه ومنظّميه ومدبّري عملياته كبار المسؤولين في المحافظة ودوائرها.
ارجعوا الى تقارير هيئة النزاهة لتتأكدوا بأنفسكم. في واحد من آخر هذه التقارير، أعلنت الهيئة الشهر الماضي عن أنّ قيمة عقارات الدولة المُستحوذ عليها عنوة وبالتزوير التي نجحت الهيئة في إعادتها الى الدولة، خلال العام الجاري وحده، بلغت 230 مليار دينار!.. هذا النوع من الفساد في كربلاء، كما في سائر المحافظات، ليس سوى الأدنى مستوى وقيمة، ففساد العقود والمناقصات والمشاريع بمليارات الدولارات.. راجعوا المشاريع “المتلكئة” منذ 2003 حتى اليوم لتتأكدوا.
الذين يقدّسون كربلاء عن حقّ، لا يهملون الكبائر ويسعون لإلهاء الناس وصرف الأنظار عنها بالصغائر “لغرض في نفس يعقوب”..!

اعتذار

ألمّت بي الأسبوع الماضي وعكة صحيّة ألزمتني فراش المستشفى، وحالت دون الاستمرار في كتابة الشناشيل. معذرة للجميع. لتكونوا بعافية دائماً.
عدنان