17 نوفمبر، 2024 11:42 م
Search
Close this search box.

عشر سنوات والعراق ينزف

عشر سنوات والعراق ينزف

تمر في هذه الأيام الذكرى العاشرة للغزو الأمريكي للعراق والذي استهدف من جملة أهدافه إسقاط نظام صدام القمعي الدموي بعد أن استنفذ دوره وانتهت مهامه في خدمة الغرب ، هذا النظام الذي عانينا من ويلاته لعقود و قد تم في هذه  الذكرى كتابة مئات المقالات والدراسات من قبل العراقيين والعرب والأجانب وفي الوقت الذي نلاحظ الموضوعية ومحاولة استخلاص العبر والدروس من هذه الجريمة البربرية والوحشية المنافية للقانون الدولي في كتابات معظم المحللين الأجانب نلاحظ إصرار بعض الكتاب العراقيين والذين انحسرت أعدادهم وتقلصت لحسن الحظ على تسمية كاذبة لتلك الحرب بحرب “تحـرير” في حين أن أمريكا نفسها استحصلت قرارا من الأمم المتحدة بكونها دولة محتلة ولكنها كررت نفس كلمات الجنرال مود قبل عقود بأنهم جاؤا محررين وليس محتلين.

إن الواقع المزري الذي يعاني منه العراقي يوميا سواء في غياب الخدمات الأساسية كالكهرباء ومعاناته من البطالة والفقر وترمل النساء بمئات الآلاف لتضاف إلى أرامل حروب الحقبة البعثية السابقة العبثية وكذلك مئات الآلاف من اليتامى والأطفال المشردين المحرومين من التعليم وابسط الحقوق في تتعمق فيه مظاهر الحكم الطائفي والعشائري المخلف الذي يكرس الفساد وسوء استغلال النفوذ وخلق فئة طفيلية مرتشية وفاسدة ابرز مؤهلاتها هي الشهادات المزورة ، في وقت نجد فيه بعض الأصوات النشاز التي تحاول تسويق الحرب والاحتلال وما أعقبتها من مصائب وكوارث وإرهاب ومفخخات تؤدي بحياة ما لا يقل عن خمسة آلاف شهيد وضحية شهريا إضافة لتدمير البنى التحتية واستمرار تعذيب السجناء واحتجاز آلاف المتهمين لسنوات دون محاكمة ووفق وشايات المخبر السري وبعد جرائم ” أبو غريب” ونهب وسرقة ثروات العراق واختفاء المليارات منها ، كل هذا ويحاول عرابي الاحتلال تسويق هذا السجل البشع ك “تحرير” ؟

لقد عانينا ولأكثر من خمسة وثلاثين عامـا من ظلم وقمع الحكم ألبعثي الفاشي وتعرضنا للسجن والتعذيب والتشريد وواصلنا فضح جرائم النظام ألبعثي الفاشي في وقت كان يتمتع بدعم وإسناد الحكومات الغربية التي تجاهلت عن سبق إصرار معاناة العراقيين وعذاباتهم ورفضت وتجاهلت مطالباتهم في فضح جرائم النظام حتى عام 90-91 وعند قيام الانتفاضة اختارت دول الاحتلال وحلفائها من الدول العربية الوقوف إلى جانب صدام لقمع انتفاضة الشعب العراقي ولكن هل يعني ذلك تصديق مزاعم وأكاذيب أمريكا في أن حربها شنت لتخليصنا من ذلك النظام أو لتجريده من أسلحة الدمار الشامل التي دمرت بالكامل قبل الحرب بسنوات من قبل فرق التفتيش للأمم المتحدة وقد انكشفت تلك الأكاذيب في أكثر من تحقيق بريطاني وأمريكي ، فعلاما يكابر مروجي الاحتلال؟

ان الموقف الرفض للحرب كوسيلة لاسقاط نظام صدام لم نتخذه نحن المناوئين لها اليوم بل اتخذته قبل بدء الحرب وكان مواصلة للمواقف المعارضة للحصار الجائر الذي تسبب في وفاة مئات الالاف من العراقيين وان رفض الحرب والاستخدام المفرط للقوة من قبل اعتى قوة عسكرية في العالم انطلق من معرفة وادراك التاريخ المخزي للحكومات الامريكية المتعاقبة وجلها الحافل بجرائم الحرب       ( وابرزها حرب الفيتنام في التاريخ الحديث ) ولازلت اتذكر مشاركتي وعائلتي واولادي في اكبر مظاهرة مليةنية بتاريخ لندن مناهضة للحرب في شباط 2003 ضمن حملة المظاهرات العالمية رغم اننا كنا اقلية من الجالية العراقية في بريطانيا لان اغلبية المعارضة العراقية كانت قـد حسمت امرها في تأييد الحرب والغريب ان اكاذيب بوش وبلير ونواياهم الشريرة قد انطلت حتى على نسبة من العراقيين المتنورين الذين خدعوا ولو لفترة ثم مالبثوا ان تراجعوا الا ان كثيرين قـد شاركوا بكامل وعيهم ومعرفتهم بمخططات الحرب ونوايا بوش وبلير ومرتزقتهم واود ان اشير كمثال الى ماذكره الضايط السابق سليم الامامي عند سؤاله شخصيا لاياد علاوي عن دورهم في الحرب ليجيب أيـاد علاوي قائلا ” اننـا كالكلاب التي تدل الامريكـان على الطريق” ويا له من تشبيه بليغ !

  لقد اعلنت اهداف الحرب على العراق منذ الثمانينات ولم لها اية علاقة باحداث الحادي عشر من سبتمبر في امريكا وقـد من قبل الرهط الصهيوني لريتشارد بيرل وديل تشيني وبول ولفوفتز وزلماي خليل زاد ورونالد رامسفلد وتتمثل تلك الاهداف في الهيمنة الستراتيجية على نفط العراق وتدمير القدرات العسكرية للعراق لحماية امن اسرائيل والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط

لنستعرض باختصار ما ذكرته قبل ايام انتونيا يوهاز كاتبة متخصصة في مجال النفط :
   قبل غزو 2003 كانت صناعة النفط العراقية مؤممة بالكامل ومغلقة أمام الشركات الغربية . بعد عقد من الحرب ، تم خصخصتها في معظمها وتهيمن عليها الشركات الأجنبية هيمنة تامة. وقد أقامت شركات اكسون موبيل وشيفرون والنفط البريطانية وشيل، وهي من أكبر شركات النفط الغربية، مقرات لها في العراق وكذلك فعلت مجموعة من شركات خدمات النفط بضمتها هاليبرتون التي كان يديرها ديك تشيني قبل أن يصبح نائبا لجورج بوش في 2000. لم يكن النفط الهدف الوحيد للحرب على العراق ولكنه بالتأكيد كان السبب الرئيسي، كما أكدت شخصيات عسكرية وسياسية أمريكية في السنوات التي أعقبت الغزو. قال  الجنرال جون ابي زيد في 2007 “طبعا  كانت الحرب من اجل يمكن ان ننكر ذلك” وكان هو الرئيس السابق للقيادة المركزية والعمليات الحربية في  النفط ولا
العراق . ويؤيده في ذلك رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق آلان غرينسبان حين كتب في مذكراته “يحزنني انه من غير الصواب سياسيا الاعتراف بما يعرفه كل إنسان: حرب العراق كانت من اجل النفط” وفي 2007 قال نفس الشيء تشاك هاغل السيناتور في حينها ووزير الدفاع حاليا “يقول الناس
[1]  إننا لا نحارب من اجل النفط. بالطبع نحن نفعل ذلك” لأول مرة منذ 30 سنة

هل تتذكرون عراب الاحتلال الذي قام بتشبيه قصف بغداد قي آذار 2003 بأنغام سيمفونية تشنف أذنيه ويتلذذ بها – يا لها من سادية مقيتة – ولكننا نفاجأ هذا اليوم بوصفه ذلك الحدث بأنه كارثي وان الحكام الخاليين في العراق جاؤا على الدبابة الأمريكية ؟  ويتساءل داعية آخر من دعاة تسمية الغزو بال”تحرير” مجيبا بنعم عن ” هل إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات” وهو يجيب بنعم رغم كل الدمـار الكارثي الذي الحقتها الحرب بالعراق وتذكرني تخريفاته بمـا أجابت به مادلين أولبرايت عند سؤالها عن آثار الحصار بعد حرب بوش الأب والذي أدى إلى وفاة مئات الآلاف من أطفال العراق وهل انه ثمن يستحق الدفع فأجابت بنعم أيضا وهذا الإجابة سودت وجههـا للأبد ولكن يبدو إن بعض عرابي الاحتلال لا زالوا لا يستحون من الكذب رغم كل الوثائق التي أثبتت أن الحرب كانت عدوانية وليس لها مبرر قانوني واعتمدت على أكاذيب مفبركة ، أما كذوبة تخليص العراقيين من حكم صدام الدكتاتوري التي أضيفت لاحقا فلماذا لم يتم ذلك في الانتفاضة ولماذا استمر التعامل مع صدام وتجاهل جرائمه لغاية حرب الكويت ؟ ودون أدنى تعاطف أو تبني لقضية الشعب العراقي  

تأتي الذكرى العاشرة لاحتلال العراق في ظروف لا نحسد عليها حيث تستمر أسبوعيا الانفجاريات وقتل الأبرياء واستباحة دماء العراقيين من قبل العصابات الإرهابية المجرمة في ظل غياب الأمن وفشل الأجهزة الأمنية المخترقة والفاسدة  والحكومة في توفير الأمن عدى للفئة الحاكمة القابعة في المنطقة الخضراء ، في يزداد الاحتقان السياسي الطائفي والقومي في وقت دخلت المظاهرات المطلبية لمحافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى شهرها الثالث دون أن تستجيب الحكومة للمطالب العادلة لتسد الطريق أمام المجاميع المسلحة المشبوهة التي تخترق تلك المظاهرات لتخريب طابعها السلمي وطرح بعض المطالب التعجيزية ، وكما يبدو فان مختلف الإطراف تستفيد من استخدام الوتر الطائفي كورقة رابحة لدغدغة عواطف السذج والبسطاء في انتخابات مجالس المحافظات القادمة وكل ذلك يجري في أجواء تهدد وحدة العراق بمخطر حقيقية قد تودي لتمزيقه .

قـد يكون هناك تباين في الآراء يشأن مدى نجاح أمريكا في تكملة مهام حربها واحتلالهـا للعراق ام إنها أخطأت في بعض قرارات بريمر كما يدعي وبعض أزلام إدارته ، إلا أنني اعتقد بان ما جرى في العراق قـد تم وفق مخطط مدروس جرى الأعداد له قبل سنين حيث نجح الأمريكان في تطبيق سياسة تدمير البني التحتية للعراق وتمزيق مكوناته الاجتماعية على أسس طائفية وقومية تاركة حدوده مخترقة وجلبت عصابات القاعدة للعراق لتحاربهم بدماء العراقيين التي مازالت تجري بغزارة ولكي لا يتمكن العراق إعادة ترميم أوضاعه أو الوقوف على قدميه في بناء مجتمع المواطنة والقانون لسنوات طويلة قادمة رغم أن جميع الإطراف المتصارعة حاليا تتحمل المسئولية في الانحدار بالبلد إلى الهاوية .

إن انتخابات مجالس المحافظات تجري في أجواء تغيب عنها مستلزمات هامة تضمن شفافيتها ونزاهتها حيث جرى تعيين أعضاء المفوضية المستقلة العليا للانتخابات وفق الحصص الطائفية والقومية مما افقدها استقلاليتها إضافة إلى ربطها بمكتب رئاسة الوزراء ولازال قانون الأحزاب غائبا ومصادر الصرف على القوائم الانتخابية مجهولا كما ان أساليب الترغيب والترهيب والعشائرية والطائفية تسيطر على الجو العام كما زاد من التوتر قرار الحكومة بتأجيل الانتخابات في محافظتي الانبار ونينوى دون تبريرات مقنعة فكيف إذن يمكن أن نتوقع مهما حاولنا زيادة التفاؤل ان تؤدي مثل هذه العملية سوى لتكريس انتخاب نفس العناصر الفاسدة الطائفية والبعيدة عن تمثيل
مصالح الناخبين آو تنفيذ أية مشاريع تنموية او خدمية .

ليذكر لنا المصرين على تسمية الغزو بال”تحرير” عن أية انجازات يتحدثون رغم أن الذين يعانون من غشاوة على أبصارهم قد يعدون اليوم بأصابع اليد حيث يتنصل اليوم معظم السياسيين والعسكريين الذين أيدوا الاحتلال من تلك الجريمة ولكن شعبنا ما زال يدفع الثمن وقد يكون ذلك لفترة غير قصيرة ولكن نأمل أن لا تطول .

اعتقد إننا لا ينبغي أن ننسى الذين سوقوا للغزو وساعدوا على احتلال العراق وتدميره إضافة إلى مجرمي الحرب الرئيسيين جورج بوش وتوني بلير والذين لا اعتقد بان من السهل محاكمتهم او محاسبتهم بالنظر لسيادة منطق القوة في السياسة الدولية ولكن حكم التاريخ  عليهم كمجرمي حرب ليس ببعيد جنبا إلى جنب مع الجرم صدام حسين الذي ارتكب ابشع الجرائم بحف العراقيين والعراق ، ولا يفوتني أن اذكر بان ثلث الشعب البريطاني حاليا يعتبرون توني بلير مجرم حرب .

يشير كاتب متخصص في شؤون العراق  في صحيفة الكارديان بان فايروس الطائفية الذي ترعرع في احتلال العراق قــد انتشر خارج حدود العراق مهددا الدول العربية المجاورة وكما قال احد [2]المحاربين في تلك الحرب لمحرر الكارديان ” اللعنة علينا على ما اقترفتاه في العراق”  
 
[email protected]

أحدث المقالات