طالعنا البعض بمديح مدرسي يربط تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي بالربيع شهر النمو والخضرة ” والنمو والخضرة صيرورة لم يفهمها الديالكتيك الماركسي المأخوذ من الديالكتيك الهيجلي القائم على ” ألآثبات ” الوجود موجود , وليس موجودا فهذا هو الطباق وهكذا تنتج الصيرورة , وهذه هي صورة الخواء في الجدل الحديث , حيث يبدأ من ألآعم الى ألآخص , ومن ألاكثر ضعفا الى ألاكثر ثراء وألاقرب الى الواقع الخارجي , وبين هذا التعمق الفلسلفي المتناقض ضاعت عقول , وفسدت نفوس , وشوهت مفاهيم حتى أصبحت مقولة الماركسية : ” الدين أفيون الشعوب ” هي الطافحة كما تطفح المجاري بعد أنسدادها , فالعقول التي صدقت بأن الميتافيزيقيا تعني الجمود لم تدرك معنى ” والسماء
بنيناها بأيدي وأنا لموسعون ” حتى جاء جورج غاموث وقال بنظرية ألانفجار العظيم المؤيدة لنظرية الميتافيزيقيا في التغير والتبدل والتي أشبعها الفيلسوف صدر الدين الشيرازي بحثا في نظرية الحركة الجوهرية في القرن الحادي عشر الهجري وهو ماسبق به نظرية ألانفجار العظيم والنظرية النسبية لآنشتاين ونظرية السفر في الزمان في فيزياء الكم .
من حق الذين يريدون أن يمدحوا شخصا أو أشخاص لميزة هم عرفوها فيهم على قاعدة ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” وهي قاعدة قرأنية ” والقرأن ليس فيه أسلام سياسي كما يحلو للبعض وأنما هو أسلام واحد , فعندما نقول : أسلام سياسي , يعني لزوما هناك أسلام غير سياسي , وهذا باطل , ومن هنا جاءت المقولة الخطأ ” فصل الدين عن السياسة , ثم تلتها خطأ : فصل الدين عن الدولة , ومثلما لم يعرفوا معنى ديالكتيك الكون والطبيعة التي قالت به الميتافيزيقيا أولا , كذلك لم يعرفوا علاقة الدين بالدولة والسياسة وهي علاقة رعاية وتأسيس ” شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصينا به أبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ” .
والذين أستهواهم الجدل الماركسي القائم على الجدل الهيجلي بتناقضاته وأخطائه الفكرية التي لايعرفها ألا من أمتلك ناصية الفكر وعرف قواعد البرهان المعرفي , هؤلاء هم من أستهوتهم في الظاهر نظافة اليد وعفة اللسان عند البعض , فأرادوا أن يعمموها ويجعلوها من حصة الحزب الشيوعي العراقي , وهو تعميم ليس في محله , ومصادرة لحق من حقوق الشعب العراقي لايجوز التغاضي عنها , ومرة أخرى نقول : أن أراد البعض أن يمدح شخصا , فله ذلك ولكن عليه أن يعرف أن طريقة المدح يجب أن لاتأخذ ميزة وتقدمها للناس دون بقية المزايا في ذات الشخص خصوصا عندما يراد لها أن تكتب وتعمم , فلنأخذ مثالا على ذلك ماقدمه ألامام علي بن أبي طالب من مدح بعض الشخصيات ألاسلامية التي أتصفت بأيجابيات ومعها سلبيات لايجوز السكوت عنها فقال : –
” للله در فلان أقام العمد , وقوم ألاود , أقام السنة , وسبق الفتنة , ذهب نقي الثوب , قليل العيب , وتركهم في طرق متشعبة لايهتدي فيها الضال ولا يستيقن فيها المهتدي ” .
والذين جرى مديحهم نسبوا الى الشيوعية ” والشيوعية فكرة لايهتدي فيها الضال , ولا يقبلها المهتدي .
والشيوعية لمن لم يواكب أعوام مابعد ثورة 1958 هي صاحبة مجازر كركوك والموصل التي لازالت في ذاكرة أبناء المدينتين وأبناء العراق عموما , والذي يحلو له تبرير ألاحداث لصالحه ألا أنه لايمكن تبرير الهتاف التالي أيام تظاهرات مابعد 1958 وكاتب السطور من الذي شهد تلك التظاهرات ولم يشارك فيها :-
” ماكو مهر باجر نرمي القاضي بالنهر ” وهو تعبير عن ألاباحية
” عاش زعيمي عبد الكريم … حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي ” ؟ تفرد وبحث عن السلطة وألغاء للآخر .
وأذا تركنا الموقف الخاص , فأن الحزب الشيوعي لايحق له التباهي بما لم يكن مؤهلا له خصوصا عندما يحلو للبعض وجه المقارنة مع ألاخرين , مع سوء الخلط بين ألاخر والفكر الذي ينسب اليه , فعلينا أن نعرف موقف الفكر مما يقوم به المنتسب لذلك الفكر , والمتدين هنا مثالا , فقد قام القرأن بنقد المتدين غير السوي في سلوكه قبل أن ينتقده ألاخرون , ومن هنا فمن ألانصاف أن ننقد الشخص الذي يدعي التدين وأن لاننتقد الدين كما يفعل البعض هذه ألايام , قال تعالى ” يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالاتفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولون ما لاتفعلون ” .
وأذا أصر البعض على ذكر ألاسماء , فالحزب الشيوعي أول الخاسرين في هذه المقارنة , فعزيز الحاج وهو سكرتير عام الحزب الشيوعي لمدة ربع قرن وكان يعتبره الشيوعيون على عادتهم في الدعاية ” أسطورة الكفاح المسلح ” وعندما سجن في قصر النهاية مع مجموعة من قيادة الكفاح المسلح , وكان في سجن قصر النهاية ” عبد الصاحب دخيل ” القيادي في حزب الدعوة ألاسلامية الذي كان بعد أن يخرج من التعذيب على يد جلاديه يجلس ودمائه تسيل من جراحاته ويقوم بألقاء محاضرة على السجناء ومنهم الشيوعيين , بينما عزيز الحاج قام صدام حسين بقتل ثلاثة من رفاقه ثم سلمه المسدس وقام عزيز الحاج بقتل بقية رفاقة نتيجة الخوف والجبن والخيانة , فما كان من صدام حسين ألا أن عين عزيز الحاج ممثلا للعراق في اليونسكو جزاء على ماقام به من قتل رفاقه بدم بارد ؟ لماذا لايذكر الشيوعيون هذه الحادثة ؟
ثم أن السلوك العام للذين أنتموا دون معرفة حقيقية بالديالكتيك هم من شكلوا ثغرة في أداب السلوك بالنسبة للقيم العراقية , فهم من رواد البارات ومن مشجعي كل تهتك أخلاقي حتى فتحت منظمات لحقوق المرأة والصداقة العالمية , وظهر لاحقا أن من تديرها تدير شبكة للدعارة ؟
ولا ينسى العراقيون ظهور بعض الشيوعيات على بعض شاشات الفضائيات وهن يهاجمن الدين والقيم الدينية في بلد تمشي الملايين راجلة للعتبات المقدسة , وتحج للديار المقدسة ومنهم ربما أبائهم وأجدادهم ,فأين الحس الجماهيري ؟
والفكر المبغوض أكتشفه روجيةغارودي ورفضه ,مثلماعزف عنه بعض كبار شعراء العراق لآنه لايحقق القناعة الفكرية بالوصول الى نتائج يطمئن لهاالعقل , قال ماركس :-
” ليست حركة الفكر ألا أنعكاسا لحركة الواقع,منقولة ومحولة في مخ ألانسان ” – المادية والمثاليةفي الفلسفة -ص83- وقال لينين : أذا كان ثمة تناقضات في أفكار الناس ,فذلك لآن الواقع الذي يعكسه فكرنا يحوي تناقضات ,فجدل ألاشياء ينتج جدل ألافكار ,وليس العكس –المادية والمثالية في الفلسفة ص 83 – ولو أن ماركس عاش عصر ألاستنساخ وفيزياء الكم وعصر الفضاء لمابقي على هذا الجمودالفكري المسطح الذي راح ضحيته الملايين من الناس ومنهم في العراق , ولذلك ماتت هذه ألافكارفي عقر دارها ,وظل بعضهم في العراق يحمل نعشا ميتا ؟
ومن خواء الفكر الماركسي وأنعكاساته على الذين أنتموااليه ثم تركوا التنظيم ولكنهم لم يغادر تناقضات الجدل الماركس حيث سئل أحدهم هذه ألايام ماذا تحب لبغداد ؟ قال : أن أرى الفتيات يضعن أيديهن بأيدي الشباب ويمشين في شوارعها ,وهي دعوة مبطنة للآباحية بأسم الحرية التي لم يعرفوا معناها الجدلي كمالم يعرفوا جدل الكون .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطني
[email protected]