18 ديسمبر، 2024 11:07 م

مكّة المكرمة وحق العراقيين في السيادة عليها

مكّة المكرمة وحق العراقيين في السيادة عليها

واحدة من أهم الدعاوى التي أسست لقيام دولة إسرائيل هي مسألة الحقّ التاريخي بفلسطين الذي أطلقته إسرائيل وأقنعت به العالم.
فحوى الدعوى الإسرائيلية تمثلت بأن أجدادهم الأولين، هم من كانوا قد سكن أرض فلسطين، إنطلاقاً من عبور  النبي موسى  إلى تلك الأرض في طريق هجرته من مصر، ومن ثم  تأسيس مملكتي يهودا والسامرة وبناء هيكل سليمان ، إلى آخر الأسفار التي وردت في التوراة أو الروايات الإسرائيلية الأخرى .
وباستثناء العرب وبعض مؤيديهم القلائل في هذا الجانب، فان أحداً لم ينكر بشكل قاطع، حقّ الإسرائيليين في العودة إلى أرض أجدادهم وممارسة سيادتهم عليها، حتى أصبحت تلك المقولات مافوق بديهية، لتنتقل من ثم إلى العرب أنفسهم بشكل أو بآخر بما فيهم بعض الفلسطينيين، حيث تركزت أقصى المطالب باعتماد حلّ الدولتين ـ الفلسطينية الإسرائيلية ـ على الأرض ذاتها بعد تقاسمها بين الفلسطينيين بحكم الوجود التاريخي، والإسرائيليين إستناداً للحق التاريخي ـ على حدّ زعمهم ـ.
المعايير ذاتها يمكن تطبيقها بالنسبة لمكّة المكرمة، فليس هناك من يستطيع الإنكار بأن نبي الله إبراهيم  قد ولد ونشأ وترعرع وبدء دعوته في أور العراقية، كذلك فأن الثابت الذي لاجدال فيه، بأنه وولده  إسماعيل هما من قاما ببناء مكة المكرمة.
هذا ماتقرّه الأديان السماوية الثلاثة مجتمعة ، وإن بتفاصيل مختلفة بعض الشيء، كذلك فان النبي إبراهيم  حينما أراد أن يخطب لأبنه إسحاق، عاد إلى العراق ليأخذ (رفقة) العراقية زوجة لولده كما في الإرث المسيحي.
والمغزى من ذلك إن النبي إبراهيم  بقي منشدّاً لجذوره الأولى رغم إستقراره في أماكن أخرى، كذلك مايذكّر بموقف بابا الفاتيكان الذي أراد الذهاب إلى العراق أيام الحصار (ليتبارك بزيارة المكان الذي ولد فيه إبراهيم ويمشي في الطريق الذي سلكه) كما جاء في الإعلان البابوي لحيثيات الزيارة التي لم تتمّ يومها لأسباب سياسية.
في جانب آخر ، يؤكد التاريخ الحديث بأن قادة السعودية الأوائل، قد استولوا على أرض نجد والحجاز بالقوة المسلحة وحدها، ومن دون أية مسوّغات حقوقية أو دينية أو تاريخية، ليقيموا عليها من ثم مملكة خاصة سميت بإسمهم حصراً ،بعد أن طردوا منها الشريف حسين الذي ينتمي في نسله إلى الرسول الكريم من نسل إسماعيل  .
وعليه، وطبقاً لقاعدة الحقّ التاريخي في عائدية ملك الأجداد إلى أحفادهم، يصبح من حقّ العراقيين المطالبة باستعادة ما بناه النبي إبراهيم ، كما هو مثبت في الوقائع  الدينية والتاريخية ـ وبالمناسبة – فإن الكرد كذلك يشهرون الحقّ التاريخي (إضافة إلى وقائع الحاضر) في مطالبتهم بكركوك بإعتبارها مدينة بناها أجدادهم  الميديون في عصور ماقبل الميلاد كما يذهب بعض مؤرخيهم.
إثارة الموضوع المتعلق بمكة المكرمة وحق العراقيين في السيادة عليها، قد يستنكره الكثيرون، وربما يعتبره البعض مجرد (هرطقات) غير ممكنة التحقق أو حتى مستحيلة، وإن طرحها ليس مناسباً ولا وارداً أصلا، وبالتالي لن يجد من يتبناه أو يدافع عنه، لكن على الرغم  من كل ذلك، يمكن الجزم  بأن أحداً لايستطيع إنكار ماورد فيه من حقائق يثبتها التاريخ بشكل حاسم، سواء الحديث منه، أو الموغل في القدم، وبالتالي فان طرحها لايعدّ كفراً أو زندقة  ينبغي معاقبة صاحبها، فتاريخ المقدس، يحوي الكثير من المفارقات التي يمكن اكتشافها للباحث المدقق، وربما يمكن الإشارة في هذا المجال إلى تلك المسارات الكبرى عبر التاريخ التي انعكست بشكل أو بآخر على أوضاع معينة في مراحل تاريخية حددت بموجبها مصائر أمم وشعوب أحُتلت أو ألحُقت بغيرها نتيجة لما يمكن تسميته بالحقّ التاريخي – المزعوم بأكثره – فماالذي يدعو العراقيين إلى السكوت عن المطالبة بحقّ تاريخي ثابت في الكتب المقدسة ؟ أو أقلّه إثارته إعلامياً ؟ نعم إن مكة هي من حقّ العراقيين دون غيرهم ، ومن يقول غير ذلك فليأت بدليل ينفيه ، خاصة إنه يطرح إشكالية كبرى أمام العالم أجمع ،هل الإستيلاء بالقوة على ارض ما يجعلها ملكاً لمن احتلها ؟ أم عن من حقّ وارثي الأرض الشرعيين المطالبة بها وإن طال الزمن ؟وإذا كان النبي إبراهيم جدّاً أعلى لأتباع الديانات السماوية الثلاثة مجتمعين ، فلماذا يصبح أرثه لآل سعود وحدهم ؟ وبأي حقّ يدعون امتلاكه ؟ ذلك ماينبغي طرحه من أسئلة .