حاولت التماسك وعدم “الضحك” اثناء سماع الخبر الذي يتحدث عن سرقة وثائق تعود لاحد النواب تركها على مقعده في قاعة البرلمان، لكنني أخفقت ولَم أتمكن من السيطرة على “مشاعري” ودخلت في نوبة ضحك استمرت لعدة دقائق، ليس لغرابة الحادثة فقط انما لحجم “الكارثة” التي نعيشها فكيف لمقر “السلطة الرقابية” ان يفتقد فيه الأمان ويصبح عرضة “للسرقة” وضياع الممتلكات، في حين مازال “عِبادُ الله” يحلمون “بدولة كريمة” بعد 15 عاما على التغيير.
نعم التغيير الذي كنّا نحلم بأن سنوات “الكبت” وخنق الحريات انتهت وسنعيش عصر الحرية والديمقراطية بمفهومها الصحيح وسنتمكن من التعبير عن الآراء بكل حرية ومن دون ان نكون ضحايا كواتم الصوت او عملية تفجير تسجل ضد مجهول، لكننا في كل مرة نستيقظ من أحلامنا لنجد ان مساحة الحرية او على الأقل حرية التعبير عن الرأي والاستماع للرأي الآخر، لا قيمة لها ومازال البعض يفكر بنظرية “ان لم تكن معي فأنت ضدي”، والتي تطورت بشكل كبير حتى اصبحت تدعو لغلق وابعاد جميع وسائل الاعلام التي تعرض وجهات نظر تخالف او تنتقد بعض الاطراف السياسية وخاصة التي تمتلك قواعد جماهيرية تمنح سيدها مقام “الإمام المعصوم” او النبي المرسل “الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”، فيما تتجاهل تلك القواعد ان المتصدين للسياسة او الدفاع عن حقوق المواطنين سيكونون عرضة للانتقاد.
فالنقد المجرد الذي يرفض وضع النقاط على الحروف او تسمية الأمور بمسمياتها لا يمكن ان يحقق الهدف الحقيقي في تشخيص الأخطاء او إيصال رسالة لتقويم اداء المتصدين للعملية السياسية، كونه سيتحدث بشكل عام ويترك المواطن “معلقا” في توجيه بوصلته نحو الهدف المقصود بالنقد، لذلك فإن الأسلوب الذي تستخدمه العديد من وسائل الإعلام ليس بالضرورة ان يكون “تسقيطا” بقدر ماهو “تقويم للأداء” من اجل مصلحة عامة يشترك فيها الجميع، هنا قد يتساءل البعض.. اذا لماذا المرجعية الدينية لا تسمي الجهات المقصودة بخطاباتها بشكل مباشر وتستخدم “لغة الإيحاء” فقط، الجواب.. ياسادة.. ان حديث المرجعية الدينية يعتبر تحذيرا وليس انتقادا، لان وسائل الاعلام هي من كشفت تلك الجهات، وساهمت بايصال الصورة الحقيقية للمرجعية الدينية وبالتالي فهي لا تحتاج للكشف عنها او ذكرها بالاسماء، حتى لا يعتبرها “المتصيدون بالماء العكر تسقيطا لصالح جهات معينة”.
صحيح ان بعض قادة القوى السياسية او الزعامات، لا تعلم بما يمارسه انصارها من “ترهيب” تجاه حرية الراي او ممارسة “النقد البناء”، لكنها مطالبة بوضع حد لتلك الممارسات او إصدار توجيهات تمنع التعرض للمنتقدين “وذلك اضعف الإيمان” وخاصة حينما تكون وسيلة اعلام لا ذنب لها سوى نقل الآراء والاستماع لوجهات النظر المختلفة وتقديم خدمة مجانية لتلك الزعامات تشخص مِن خلالها الأخطاء التي يجملها المستشارون، فمثلا حينما يبحث برنامج تلفزيوني معين مع شخصيات سياسية اسباب تأخير الكابينة الوزارية، ومن هو السبب وراء عرقلتها فان للضيف حرية الحديث وتوجيه بوصلة الاتهام بما يراه من وجهة نظره، وبالتالي فان القائمين على البرنامج او مقدمه لا يتحملون “وزر” حديث الضيف او اتهماته، خاصة حينما تكون أبواب البرنامج او وسيلة الاعلام التي تبثه مفتوحة أمام الطرف المتهم لتوضيح موقفه، لكن الغريب ان مايحصل في بلادنا يرسم صورة حقيقية عن “الجهل” بثقافة حرية الرأي والرأي الآخر ويفسح المجال لخلق “سلطة الحزب الأوحد” الذي يسخر الجميع لخدمته فقط.
الخلاصة… ان الاستمرار بمحاربة حرية الرأي ونقل المعلومة واستخدام سياسة “الترهيب” للمنتقدين “جريمة” يشترك فيها الجميع ابتداء من السلطات الثلاث الى الزعامات السياسية التي تتجاهل او تسمح لأتباعها وأنصارها “بفرض” إراداتها بقوة السلاح، متناسية اسباب معارضتها للنظام السابق والتي كانت حرية الرأي ابرز نقاطها…. اخيرا… السؤال الذي لابد منه.. متى تتحقق أحلامنا بحرية التعبير؟.