خاص : ترجمة – لميس السيد :
قبل أن تقتله قبيلة معزولة على جزيرة نائية في “المحيط الهندي”، كشف “جون ألين تشاو”، وهو أميركي شاب دفع بذاته في سبيل مهمة فردية لنشر “المسيحية”، عن أمرين: أنه كان على استعداد للموت، وأنه كان خائفًا.
كتب المبشر المسيحي في رسالة أخيرة إلى والديه، قبل نهاية رحلته بالقتل على جزيرة نائية شرق “الهند”: “قد يظنون أني مجنون في كل هذا … لكنني أعتقد أنه يستحق الأمر أن نقدم يسوع لهؤلاء الناس”.
أكثر الأماكن خطرًا على الغرباء..
في رسالة من 13 صفحة، كتب “تشاو” روايته عن أيامه الآخيرة، قبل نهاية حياته في جزيرة شمال “سينتنيل”، في بحر “أندامان” شرق “الهند”.
كان هذا الشاب يحاول تقديم الهدايا لأهالي القبيلة، لكن قام صبي بإطلاق سهمًا عليه، حاول الشاب تقبل الموقف، لكنه أعرب عن الخوف والإحباط، لكن ببعض الفكاهة.
قالت صحيفة (نيويرك تايمز) الأميركية أن “تشاو” اختار نشر رسالة التبشير بين واحد من أكثر المجتمعات التي لا يمكن اختراقها في العالم، والمعروف عن عداءهم الشديد للغرباء، حيث حاولوا قتل العديد من الغرباء الذين حاولوا التسلل إلى جزيرتهم الوعرة، على بُعد 700 ميل من البر الرئيس لـ”الهند”.
وزع مسؤولو الشرطة الهندية، الجمعة الماضي، أخر رسالة لـ”تشاو”، والتي نشر جزء منها من قِبل المواقع إخبارية على مدار الأيام الماضية.
تعتبر شمال جزيرة “سينتنيل” منطقة نائية في “الهند”، ولسنوات عديدة أعلنت السلطات الهندية أنها منطقة محظورة، في محاولة من أهلها الحفاظ على ثقافتهم، وتقوم البحرية الهندية بدوريات حول المياه المحيطة بها للتأكد من عدم اقتراب أي شخص من تلك المنطقة.
كل ذلك لم يستوقف “تشاو” من التوغل في تلك المنطقة الوعرة. تحت أجنحة الظلام، إندفع “تشاو” على متن قارب برفقة صيادين من ميناء “بلير” شرق “خليج البنغال”، إلى الجزيرة النائية، حيث قال في رسالته الأخيرة: “درب التبانة كان يكسو السماء، والله نفسه كان يحمينا من دوريات حرس السواحل البحرية”.
وهب نفسه للبشير رغم الصعاب..
كان السيد “تشاو”، 26 عامًا، من ولاية “واشنطن”، مغامرًا طموحًا. كان يحب تسلق الجبال، والتخييم في أماكن معزولة والمشي والتجديف واكتشاف العالم.
بعد تخرجه من جامعة “أورال روبرتس” الأميركية، أنصب كل جهده على نشر المسيحية في “نورث سينتينيل” الهندية، وأخبر أصدقاءه بأنه كان يعمل لسنوات لإجراء الاتصالات الصحيحة هناك.
ويبدو أنه كان يعمل من تلقاء نفسه دون أن تدعمه أي منظمات كبرى. ومن أجل هذه المهمة، حرص على أخذ كتابه المقدس المقاوم للماء. لكن الصيادين رفضوا الهبوط به في “نورث سينتينيل”، لأن آخر الصيادين الذين إنجرفوا إلى هناك، عام 2006، قُتلوا جميعًا.
لذا، عزم “تشاو” على القفز من القارب واستخدام قارب فردي صغير للوصول بمفرده إلى الجزيرة.
وكتب في رسالته: “جاء اثنان من الحراس المسلحين مسرعين وهم يصرخون.. كانوا يحملون سهمين ويبدو عليهما التوتر، إلى أن اقتربا، فصحت قائلاً اسمي جون، أنا أحبك ويسوع يحبك”.
أعطاهم “تشاو” بعض السمك، لكن سكان الجزيرة ظلوا يتوافدون عليه في خوف شديد منه.
كان السيد “تشاو” يحاول تحقيق المستحيل، حيث لم يقبل الأشخاص في تلك الجزيرة أي شخص خارج مجتمعهم، وحاول علماء الإنثروبولوجيا وصانعي الأفلام والمسؤولين الحكوميين الاقتراب منها.
يصطاد أهل الجزيرة السلاحف والخنازير؛ ويرتدون مجرد لفافات قماشية على وسط الجسد، ويعيشون في أكواخ. .
حياتهم في إنعزالهم !
ناضل علماء الإنثروبولوجيا لفك رموز لغتهم وتاريخهم، وأفضل التخمينات كانت أنهم عاشوا بمفردهم لقرون على الجزيرة، في غابات كثيفة، تحيط بها شواطيء رملية بيضاء جميلة.
ويقول المسؤولون الهنود إن أي اتصال مع سكان الجزيرة قد يقضي على ثقافتهم، وربما حتى على وجودهم لأن نظمهم المناعية قد لا تضاهي الميكروبات الحديثة.
وتعتمد السياسة الهندية على الإحتفاظ بتلك الجزيرة، وعدد قليل من الجزر الأخرى، معزولة تمامًا، مع عدم وجود مدارس أو مساعدات أو تطوير أو خدمات حكومية.
كان السيد “تشاو” يأمل في اختراق الجزيرة، حيث أخذ مجموعة مختارة بعناية من الهدايا؛ مثل مقص ودبابيس وخيوط للصيد وكرة قدم. لكن الناس بدوا متسامحين وعدائيين ومختلط عليهم الأمر بسبب وجوده، كما كتب.
ووصف رجلًا يرتدي تاجًا أبيضًا محتملًا مصنوعًا من الزهور؛ يتخذ “موقف القيادة” في القبيلة عن طريق الوقوف على أعلى صخرة بالشاطيء.
صاح الرجل؛ وحاول “تشاو” الإستجابة بغناء بعض الأغاني التي كان يعرف بعض كلماتها، عندما كان يدرب كرة القدم في “جنوب إفريقيا”، قبل بضع سنوات.
إنتهت جهود الشاب بإنفجار مستقبليه من الجزيرة ضحكًا، ولكن فيما بعد أصبحت اللقاءات معهم مشحونة، عندما حاول أحد الصبية برمي سهم “مباشرة في الكتاب المقدس الذي كنت أحمله”.
وقال: “لقد أمسكت بعمود السهم عندما إنفجرت في كتابي، وشعرت برأس السهم.. كان من المعدن، رقيق ولكن حاد جدًا”.
خلال اليومين التاليين، تجول السيد “تشاو” جيئة وذهابًا في قوارب “الكاياك” بين قارب الصيد والجزيرة، غير متأكد مما يجب القيام به.
قال الصيادون الذين قاموا بتوصيله للجزيرة؛ أنه طلب منهم أن يرسلوا رسالة إلى صديق، في حالة عدم عودته.
في إحدى مقاطع رسالته تسائل الشاب: “هل سنتنيل معقل الشيطان؛ وما الذي يجعلهم عدائيين بهذه الدرجة ؟”. واستطرد: “إنه أمر غريب – في الواقع لا، إنه طبيعي: أنا خائف.. لا أريد أن أموت !”.