22 نوفمبر، 2024 8:59 م
Search
Close this search box.

داعش … الجيل الجديد

داعش … الجيل الجديد

*بناء الفكر:-

يعتبر البناء الفكري هو من اصعب المنظومات التي يمكن للانسان بنائها، وفي نفس الوقت يصعب هدم هذا البناء اذا ما تم واكتمل، ومن هنا ارتكز تنظيم داعش الى بناء منظومة فكرية عقائدية مكنت له ولانصاره تأسيس تنظيماً خيطياً خفياً يعتبر من اخطر التنظيمات الارهابية التي هددت العالم ووعدت باحتلاله، نجح هذا التنظيم محلياً
في نشر الذعر والارهاب في قلوب الناس حتى اصبحوا يخشون الحديث عنه وهذه الاستراتيجية مكنت له التحرك والعمل بحرية تامة داخل المدن والقصبات دون التعرض لعناصره عندما كان تنظيماً سرياً يعمل ضد الدولة العراقية.
فاستمر بالعمل على خطين متوازيين هما العمل المسلح ونشر افكاره وعقيدته لكسب اكبر عدد من المؤيدين والداعمين له، فوظف ماكنته الاعلامية بشكل كبير ومحترف استطاع من خلالها كسب كثير من المؤيدين والمناصرين له من خلال تنصيبه قادة وامراء استطاعوا جذب واستقطاب المقاتلين من داخل وخارج البلاد.

*بناء الدولة:-

نجح تنظيم داعش في اعداد البناء الفكري لعناصره ومن ثم حاول الانتقال الى بناء الدولة وتأسيس دولة له على ارض الواقع وبعد محاولات عديدة تمكن اخيراً من السيطرة على عدد من المدن والبلدات في العراق وسوريا ومناطق متفرقة من الدول العربية والاسلامية واصبحت تعمل تحت لوائه.

لم ينجح التنظيم في بناء دولة قوية ذات مؤسسات رصينة لاسباب عدة اهمها:- لم يحصل على قاعدة شعبية قوية في المدن والبلدات التي احتلها خصوصاً بعد استخدامه سياسة الترهيب والقسوة ضد مخالفيه ومناوئيه ومن يعتقد انهم يعملون لصالح اطراف ودول معادية له، فاستخدامه طرق القتل الوحشية والاصدارات التي كان يتفنن في ايجاد وسائل للقتل والتعذيب فيها كان يريد ايصال رسالة للاهالي بان هذا مصير كل من يحاول العمل ضده ولكنها في حقيقة الامر ولدت نفور وعدم تأييد لما يقوم به وبالتالي اصبحت هذه الاصدارات الوحشية ذات اثر سلبي للتنظيم وقلصت بشكل كبير من قاعدته الشعبية.
وقد ظن ان الاستمرار بممارسة الارهاب بعدما اعلن ظهوره بشكل علني قد ينجح كما كان يعمل بشكل سري.

اما على الصعيد العالمي فان امريكا والغرب لاترغب بوجود دول وجماعات تهدد حياة ومصالح مواطنيها كما فعلها التنظيم وهذا ما ازعجهم ليعلنوا عن تحالف دولي ضده قادته الولايات المتحدة ليسقطوا فيما بعد دولته المزعومة.

هذا فيما يخص نهاية التنظيم عسكرياً على الارض ولكنه عاد اليوم تنظيماً سرياً يمارس نشاطاته مرة اخرى في مناطق عديدة من العراق وسوريا وخصوصاً مابين حدود الدولتين التي تعتبر قاعدته الاساسية ومنبع قوته ومأمنه.

ما يحدث من اعمال ارهابية وتفجير مفخخات في المناطق التي انهزم فيها التنظيم امر متوقع لمن يفهم سلوكيات وايدلوجيات هذا التنظيم،
بالرغم من تعرضه لهزيمة قاسية وتم سحق ابرز قادته.
طوال تلك الاشهر كان في حالة تشتت وضياع، هذا الوقت اصبح كافياً بإن يمتص الصدمة واصبح اليوم في حالة لملمة نفسه وتجميع شتاته، ومادام هو تنظيم خيطي فمن السهولة تنصيب قادة وامراء له بعد مقتل ابرز قادته العسكريين وامرائه الروحيين ليقوم باعمال ارهابية تستهدف الاسواق العامة والاحياء المزدحمة بالسكان خصوصاً وان عناصره وخلاياه لاتزال موجودة في المدن والبلدات التي تم تحريرها من سيطرته.

*صناعة الجيل الجديد:-

تبقى عمليات هذا التنظيم محدودة في مناطق معينة بسبب ان اغلب عناصره الذين لم يتم القبض عليهم اصبحوا معروفين بانتمائهم له وهم مطلوبون للقوات الامنية ويمكن الابلاغ عنهم متى ماتم كشف اماكن تواجدهم وهذا يحد من حركته ونشاطاته بشكل كبير لذا يحاول اليوم صناعة جيل جديد خصوصاً وان هناك ارضية خصبة ومهيئة لصناعته في ظل الفوضى والتشتت الذي تمر به البلاد، ولعل ابرز الذين يتم تجنيدهم وتأهيلهم فكرياً هم عائلات التنظيم سيما الذين يعيشون في المخيمات حيث تعتبر المخيمات من اخطر مراكز التأهيل الفكري وتجنيد الاطفال لصالح هذا الفكر.

التنظيم ممكن ان يستخدم اطفالاً بعمر 12 عاماً لتنفيذ مهام استخباراتية ومسلحة وهذا ما ظهر بعدة اصدارات يظهر فيها اطفالاً يحملون الاسلحة.
وحيث من السهولة استدراج الاطفال وغرس الافكار المتطرفة في عقولهم، لذا يصب اهتمام التنظيم على بناء المنظومة الفكرية وديمومتها من اجل الاستمرار جيلاً بعد جيل.

*عوامل بناء الجيل الجديد:-

1- عائلات التنظيم

ان وجود عائلات التنظيم في مخيمات خاصة ينذر بخطر كبير عن ولادة جيل اخطر من سابقه وقد بدأت بوادر هذا الجيل تظهر وما يشعر به الاطفال عن سبب مجيئهم الى المخيمات ولماذا لايسمح لهم بالخروج، جميع هذه العوامل النفسية تولد لديهم نظرة سلبية تجاه المجتمع وبالتالي لم يكن لهم منفذ للخلاص سوى التفكير بالخلاص من الحكم القائم والانخراط في صفوف التنظيمات الارهابية وهناك نشاطات فكرية وايدلوجية اصبحت تنمو في المخيمات بحسب ماصرح به عدد من الموظفين العاملين هناك وكتابة الشعارات المتوعدة بدولة الخلافة ومقاتلة المرتدين كما يسموهم’
كما ان المخيمات تعتبر اكبر تجمع سكاني لانصار هذا الفكر مايجعلها بيئة خصبة لولادة جيل جديد يتبنى هذا الفكر.

2- الحروب الطائفية والمعتقلات والسجون

الوسيلة الاخرى التي يمكن ان يستثمرها التنظيم لتأسيس جيل جديد هي العزف على وتر الطائفية والمذهبية، فزج الشباب في السجون وممارسة التطهير العرقي والطائفي هذه كانت من ابرز الاسباب التي ساهمت في بناء الجيل السابق الذي انبثقت منه ما يعرف بدولة الخلافة الاسلامية فما تعرض له العراق من حروب مذهبية وطائفية عزز دور وتنامي الافكار المتطرفة وباستمرارها سيكون التجنيد مستمراً حيث تعتبر السجون هي من اكبر المراكز الفكرية والايدلوجية للتنظيم وهناك كثير من الابرياء الذين زجوا في السجون لاسباب طائفية او تهم كيدية ومع الاستمرار والعيش في المعتقلات مع المتطرفين تم تجنيدهم والعمل لصالح التنظيمات المتطرفة.

3- الفقر والبطالة

العامل الاخر الذي يساهم في بقاء هذا الفكر هو الفقر والبطالة، ففي بلد مثل العراق وخلال السنوات السابقة اصبحت الجماعات المسلحة تمتلك ثروات وامكانيات هائلة من خلال عمليات الخطف والابتزاز وفرض الاتاوات وتهريب النفط والمعادن عزز قدرات هذه الجماعات في حين كان العراقيون يعيشون في حالة فقر وعوز مادي كبير، فتقوم تلك الجماعات باغراء الشباب باعطائهم مرتبات عالية وتمليكهم منازل وعقارات وهذه مايطمح اليها اغلب الشباب فيتم الايقاع بهم وتجنيدهم لصالح تلك الجماعات واذا مابقي الفقر والبطالة سينجرف كثير من الشباب الى الانتماء لهذه التنظيمات.

كاتب وصحافي عراقي مستقل
[email protected]

أحدث المقالات