17 نوفمبر، 2024 4:29 م
Search
Close this search box.

إكرام الذكرى…وأدها

إكرام الذكرى…وأدها

يقال (ومن الذكريات من قتلت صاحبها) وهي الذكرى التي تفتك بالروح وتتغذى على القلب وتفزع ملامح الليل، وغالبا لا يملك احد حق إظهارها للنور، والقتل يشمل معانٍ كثيرة في هذه العبارة، قد يقتل الطموح عند البعض في حين هو على بعد ضربة حجر من النجاح، أو يموت إحساسه بالمسؤولية فيؤدي دور الضحية ليخفف عليه حدة الشعور بالذنب اتجاه تقصير معين أو سلوك غير مرغوب به، أو تقتل ارادته وتتكسر رغائب الحياة عند حوافي تعاسته اللامنتهية، أو يموت الحب وتتبلد مشاعره وغيرها. ولكن أكثرها إيلاما هي من رانت بثقلها على القلب فيقدم صاحبها على الخلاص الأبدي.

لكل منا دفتر مليء بالصفحات وحين تكتسحنا الذكرى نبدأ بحوارٍ داخلي فيتشكل تقديرنا لذاتنا من خلاله وهو ما نخفيه غالبا عن الآخرين، وبمعنى آخر هو الغوص في أعماق الذكرى التي تبقى جاهزة للاستدعاء فتومض الصور والمشاعر والأحاسيس كالفلاشات حتى نصل إلى المعنى الدفين الذي يثير مشاعرنا ويتبعه سلوك معبر قد يكون مفرح نتبسم لأثره الطيب وآخر نجرِ عليه الحسرات والتنهيدات للجروح والخدوش التي تركها.

إذا كان إكرام الميت دفنه فإكرام الذكرى المؤلمة قتلها وتلاشيها أو وأدها وعدم ترك الباب موارب لها بل إقفاله جيدا وقذف المفتاح بالمحيط، هذا ما ينصحنا به أهل المعرفة والدراية بصيغ وتعابير مختلفة، لنكن حاضرين في كل لحظة ودقيقة للاستمتاع بالأشياء الجميلة في حياتنا، فلا تتجاوزنا وتنساب من بين أيدينا وتذهب للغد ونحن مهمومين بدفاتر الماضي فحلبة التنافس الحر تبقى قائمة بين الحاضر والماضي ما لم نقم بإكرام الماضي وقتله وتلاشيه.

يذكر الدكتور إبراهيم الفقي في كتابه إستراتيجية التفكير: “ليس الماضي إلا كنزا من المهارات والخبرات والتجارب، بدونها يتخبط الإنسان في الظلام”.

ثم يعطي تمرينا بسيطا للاستفادة من الماضي والتغلب على الذكرى الطافرة التي تمتص روح التفاؤل وتحول الحصى الى احجار كبيرة تعيق طريق المسير يقول: “تخيل نفسك وقد عدت مرة أخرى لنفس التجربة السيئة، ولكن الآن وأنت تمتلك المهارات المناسبة لمواجهة هذه التجربة السيئة وتطبيقها في هذا الموقف حينها، ستشعر أنك أفضل لأنك أحسنت التصرف واستخدمت المهارات والخبرات التي تعلمتها من الماضي، وإذا تخيلت نفس الموقف في المستقبل، وتواجه تحدي التصرف معه ستجد أن عقلك أصبح ماهرا وسيجتازه بسهولة”.

أما الكاتبة سيلفيا بورشين فتقول: “إننا جميعاً عالقون في منتصف الطريق، بين ما حدث بالفعل (الذي اصبح مجرد ذكرى) وما قد يحدث (الذي هو مجرد فكرة) أن الحاضر هو الوقت الوحيد الذي يحدث فيه شيء. وعندما نكون يقظين في حياتنا سنعرف ما الذي يحدث”.

أحدث المقالات