ما أن انتهت الانتخابات وربح من ربح وخسر من خسر ، حتى بدأت الاشاعات التي تفّوز هذا وتُخسر ذاك ، وحدهم الذين لم يخسروا هم اولئك الذين اعطوا اصواتهم وفق مبدأ ( سلّم بلّم ) ، وهم لم يخسروا لان النتائج التي بدأت تظهر تشير بشكل فاضح الى ان كل هذه الشعارات والصور والخطب الرنانة لم تغيّر من الامر شيئا ، وان مبدأ التغيير لم يحن وقته بعد ، طالما ان المقترع العراقي لازال يصوّت لصالح الطائفة والعشيرة .
اليوم ومنذ ساعات الصباح الاولى ، ومع نسيمات نيسان العبقة برائحة القداح , وزخات المطر المتقطعة , لاحت لي خالتي ( جمالة , جيم بثلاث نقاط ) تغدو مسرعةً , فضولي دفعني لأكون في طريقها , سلمت علّي وهي مارة : ( صباح الخير يمه …) , أجبتها : ( صباح النور خالة …خير خومو أكو شي ) , قلت لها لأشبع فضولي , ردت علي ( لا خالة ماكو شي ….أريد اوصل لبيت النايب الجديد ) , كانت تحمل بيد مضروفا خاكياً , وباليد الاخرى قدراً مملوءً بلبن بقرتها الشهي الذي لا تهدي منه احدا إلا ان كانت ترسم لتنال ما يعادل ثمنه اضعافا .
مشت هي مبتعدةً بينما عدت أنا لمزاولة هوايتي الصباحية برش النباتات بماء الاسالة وغسل الشارع المترنح امام بيتي .
نصف ساعة او اكثر قليلا ورجعت ، كانت غاضبة ومنكسرة ، انا اعرفها من مشيتها ، لازال المظروف نفسه بيدها ، لكنني لاحظت ان قدر اللبن كان فارغا ، وصلتني ، فسألتها : ( ها خالة …شلونه النايب ) ، نظرت إلي نظرة لازلت لا افهمها ، ثم قالت : ( يا نايب يمة …هذولي ما صدكَو..) ، توقفت عندي ثم اردفت : ( اكَله خالة آنه أنتخبتك …يكَلي روحي حجيه روحي ….شلون بالله …يكَول روحي فشي وتوبي ) ، لم افهم ما قالت ، سألتها : ( شنو يعني …) ، أجابت : ( آني ادري شنو … يكَول فشي وتوبي …هو آنه اللي أفش لو هو …نافخ نفسه بالصور …جنه فسيفس…) ، سكتت قليلا امام بلاهتي ثم أكملت : ( بالله التوبة كَادرين عليهه …بس الفشه يا بعد خالتك شلون هاي ) ، لم اتمالك نفسي فضحكت بقوة ، اردت ان افهم الحالة ، سألتها عن ما جرى عند بيت النائب ، قالت انها اعطته صورتها التي اخذتها في مركز الاقتراع وهي تؤشر بالقلم على اسمه وتنتخبه ، اخرجت الصورة من المظروف الذي تحمله وارتني كيف انها تختار ذاك المرشح من بين كل المرشحين , يعني ثوثيق بروفيشنال , لكنه طردها وقال لها 🙁 روحي فشي وتوبي ) , شرحت لها كيف انه يعتقد ان هذه الصورة ليست حقيقية وانها مزورة او ( فوتو شوب ) ، وليس ( فشي وتوبي ) كما ظنت هيّ ، فانبرت هي تقسم بكل ما تؤمن به الى ان هذه الصورة حقيقية وليست ( فشي وتوبي ) ، وان ابنها ( غاسم ) هو الذي صورها ، والحقيقة انني دققت كثيرا في الصورة فوجدتها مضبوطة ، سالتها : ( زين هذا المظروف شنو بعد بيه …أشوفه كلش مليان ) ، فتحت غطاء المظروف وافرغت بواطنه ، كانت مجموعة كبيرة من صورها ، عددها بعدد مرشحي مجلس المحافظة بالضبط ، وفي كل صورة لها من هذه الصورة كانت توثق تصويتها لاحد المرشحين ، لاحظت هي المفاجأة التي سيطرت علّي ، فلملمت صورها واعادتها الى المظروف ، وقبل ان تغادرني قالت : ( ايه خالة …مو بس همه يكَدرون …احنه هم نكَدر ) .