16 نوفمبر، 2024 11:40 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. فاطمة خضور: الكاتبة مشاعرها أقوى وحسّاسة وبصيرتها نافذة لكنّها محاربة

مع كتابات.. فاطمة خضور: الكاتبة مشاعرها أقوى وحسّاسة وبصيرتها نافذة لكنّها محاربة

خاص: حاورته- سماح عادل

“فاطمة خضور” كاتبة سورية، وهي معدّة لبرنامج “روائيون” في موقع دار الورشة الثقافية.. صدرت مؤخرا أول رواية لها بعنوان “مضاجعة الموت”، وهي رواية تتناول صورة المرأة السورية التي تتحدى الظروف، كما ترصد الحرب والمؤامرة على سورية وتتناول الغربة والخيانة والسلوكيات الاجتماعية السيئة، الرواية ترتكز على حدث واحد تتشعب منه أحداث ثانوية هي الصراعات الاجتماعية والنفسية والإنسانية التي تعرضت لها بطلتا الرواية “فاطمة” و”أميرة” خلال معايشتهما اليومية لتداعيات الحرب. الرواية التي تقع في 178 صفحة من القطع المتوسط والصادرة عن دار أمل الجديدة، شكلت حالة مميزة في طرح قضية المرأة والدفاع عن حقوقها في ظل ظروف طاحنة وحرب قاسية.

إلى الحوار:

(كتابات) كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • بدأت بالكتابة في مرحلة مبكرة عندما تسارع النبض في قلبي، فكنت أترجم تلك المشاعر على شكل مذكرات، وابتعدت عنها نهائياً بسبب انشغالي بالدراسة والعمل، وعندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وبدأت بقراءة الشعر تحركت لغة الشغف، وعدت إليها بتشجيع من الشاعر السوري الرائع “عبد الوهاب محمد” الملقب بـ ” حفيد الماغوط”، وبعدها تعرّفت من خلال هذه التكنولوجيا أيضاً على الروائي والناقد الكبير”كاظم الشويلي” الذي خطفني من عالم الشعر إلى عالم السرد الرائع.

(كتابات) لمَ بدأت بكتابة الرواية وهل كانت لك محاولات في كتابة القصة القصيرة؟

  • بداية كنت أكتب القصة القصيرة في موقع “الورشة الثقافية”، و”مضاجعة الموت” كانت قصة قصيرة أثارت الجدل من خلال الدراسة النقدية التي قدّمها أستاذي الكبير “كاظم الشويلي”، فاقترح عليّ معظم النقاد والروائيين أن أجعلها فكرة لرواية لما فيها من أحداث تتماشى ووضعنا الراهن.

(كتابات) في روايتك “مضاجعة الموت” تناولت وحدة المرأة في ظل الحرب، وتحملها عبء مسؤولية الأطفال.. حدثينا عن ذلك؟

  • كان للمرأة دوراً مهمّاً في تحمّل أعباء البيت وتربية الأطفال، وهذا لا يعني تهميش دور الرجل، لكنَّ مسؤولية الرجال (الشرفاء) كانت في مواقع أهم، فكلٌّ كان يدافع بطريقته عن تراب سوريا، فمنهم من استشهد، ومنهم من خُطف، ومنهم من غاب عن منزله لسنوات وهو في أرض المعركة، ونماذج أخرى لاذت بالفرار تحت وطأة التهديد وسواه، فمن هنا تحملت المرأة السورية أعباءً مضاعفة عن الرجل.

(كتابات) في روايتك “مضاجعة الموت” هل العنوان يعبر عن الحرمان الجنسي الذي تعاني منه البطلة؟

  • رواية “مضاجعة الموت” تتحدّث عن الحرمان الجنسي للبطلة، وتتحدّث عن نماذج كثيرة من النساء اللواتي أكلن بأثدائهن لتربية أطفالهن، وعن نساء الشهداء اللواتي كنّ يدخلن إلى مخادعهن الخاوية إلا من الذكريات، وعن النساء المعطوبات الأحلام اللواتي أُصيب أزواجهن في هذه الحرب وتأثروا جنسيّاً، فعانين من سلاح ذو حدّين، الضمير الذي يطالبهن بإكمال مسيرتهن، وأجسادهن الفتيّة التي تنتفض شوقاً ولهفة وتطالبهن بالشغف.

(كتابات) هل الموت أصبح زائراً يوميّاً في سوريا؟

  • الحرب الكونيّة التي تعرضت لها سوريا جعلت كل فرد فينا في وضوء تام بكل رفّة جفن، فكل مطلع شمس كنّا نودّع قافلة من الشهداء، وإذا ما أردنا الخروج من منازلنا نتعانق ونودّع بعضنا بالنظرات.

(كتابات) ما تقييمك لحالة الثقافة في سوريا؟

  • الثقافة في العالم العربي عموماً خجولة.. يتيمة..معاقة، وهذا شيء يدمي القلب.. ويسلب الروح.. وتدمع له العين.

(كتابات) هل ساعدتك وسائل التواصل الاجتماعي على الوصول للقراء خاصة مع ظروف الحرب؟

  • إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت صاحبة الفضل بدخولي لهذا العالم الساحر، وقد ساعدتني جداً في الوصول للمهتمّين بالأدب، وكانت صاحبة الفضل بالترويج لروايتي، فكتبتْ عنها صحف كثيرة محلية وعربية، ونالت حظّاً فاق تصوّري، ومع ذلك هناك الكثيرين من النقاد والأدباء الذين لا يحبّون القراءة إلكترونياً وأنا منهم، وهم بانتظار وصول الرواية لهم ورقيّاً، ولكن مهما أصدر الكاتب من أعداد لمنتوجه الأدبي يبقى بحاجة لتلك الوسائل بسبب سهولة وصولها إلى كل بيت، لأن الكاتب مهما كان نشيطاً لا يستطيع قرع باب كل فكر، ولا أعتقد أن للحرب علاقة بهذه الحالة.

(كتابات) برأيك هل تختلف كتابة النساء عن كتابة الرجال ولمَ؟

  • برأيي المتواضع لا تختلف كتابة الرجال عن كتابة النساء، وإنما يختلف نبض القلم بين كاتب وآخر، فقد نجد كاتباً يكتب برومانسية تدغدغ مسامات الروح لدى المرأة، وأحياناً نجد امرأة تهزُّ عرش السلاطين بقلمها، فالعمل الأدبي الجيّد هو من يفرض نفسه بنفسه.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات ككاتبة؟

  • (مالي بالقصر من مبارح العصر) والصعوبات الحقيقية لم أواجهها بعد، ولكنّني أحب إيصال رسالة للناس عموماً بأن المرأة الكاتبة هي إنسانة أولاً وأخيراً، ربما تكون مشاعرها أقوى وحسّاسة كثيراً، وبصيرتها نافذة أكثر من المهن الأخرى، لكنّها محاربة مقدامة تدافع بقلمها، وتعالج قضايا شائكة بمدادها، وإذا ما تعرضت لهجوم شرس كأيةّ امرأة حرّة تُشهر سيفها بوجه كلّ من تسوِّل له نفسه النَيل منها.

(كتابات) هل لديك أعمال أخرى غير “مضاجعة الموت”؟ وما هو جديدك؟

  • “مضاجعة الموت” هي باكورة أعمالي، وربما سبقت مجموعتي القصصية التي بدأت بها قبل روايتي، وفكرة روايتي الجديدة حاضرة في ذهني تماماً تحتاج للتّفرغ كي أنجزها.

 

(كتابات) بروايتك تغنّيت بالكتابة عن “الورشة الثقافية” ؟ ماذا قدّمت لك؟

  • كنت كنبتة صحراء أضناها الظمأ تبحث عن قطرة ماء لتنتشي بها، فحملتني الملائكة على جناحيها، وأوصلتني إلى مدينة الأحلام، وأدخلتني من أوسع أبوابها، لأجد نفسي أمام لافتة كبيرة تدعى ” الورشة الثقافية”.. فيها بدأت أخطُّ أسطري الأولى، وأتعلم من نقد الكبار وأشدّ على يد كل من يريد أن يتعلم، ففيها البحر الذي لا ينضب من العلم والمعرفة.. شربت منها ولم أرتوِ ولن، وكنت الأميرة التي تتربع على عرشها، هي منفاي فيها يتنهد قلبي، وتُمسح دموعي، وتظفر روحي بسكينتها، إنها ملاذي وحنيني، المترفة بكلام الحب، المترفعة عن شهوة الجسد، هي قبلة عذراء على جبيني، هي عرش الملائكة، عالم لأسراري، هي جنّة الله بعيني.

(كتابات) كلمة أخيرة تحبين توجيهها لقرائك؟

  • أشكر كل يد بيضاء نقيّة، تحاول مدّ يد العون لكل هاوٍ أو كاتب في بداية مشواره الأدبي، شكراً لكل من أحبَّ همس حرفي. إن (أحبَّ الله عبداً حبّب الناس به)، وأنا بدوري أعتزُّ وأتشرف بكل أصدقائي، فهم محصولي الوفير الذي جنيته، والذي فاق تقديري. أتمنى أن يعمَّ السّلام في أرجاء الكون كلّه، لتتبدّد لغة أقلامنا الحزينة التي تقتات من الحرب والفقر والظلم والعدوان، ولنكتب عن الأمل المنشود والمستقبل القادم، وعن الحب وضحكات الأطفال الصغار، ولا أعتقد بأننا سننال هذا الشرف حتّى تزول إسرائيل. شكراً لموقع كتابات المهمّ جداً، الذي يستقطب كل الأدباء الرائعين.

جزء من رواية “مضاجعة الموت”..

“في ذلك الصباح انكسر الهدوء في المركز بوقع الأحذية العسكرية لمجموعة من عناصر الشرطة يصحبهم ضابط، كنت ساعتها بغرفة الفحص عندما دخلت امرأة في العقد الرابع من عمرها، كانت يداها مقيَّدتين بالأغلال، ندّت عنّي التفاتة لها، كانت متوسطة القامة تَرتدي جلباباً أسوداً، ذات جسدٍ ممتلئ وبشرةٍ حنطيّةٍ، لم يكن في ملامحها شيء مميَّزٌ، أو يحمل درجةً غير عاديةٍ من الجمال فقط هالتان من السواد تحت عينيها تشيان بليلةٍ أو أكثر مضت دون نوم. امتدت يد الضابط الشاب بالتقرير إلى الطبيب وهمس بأذنه ببضع كلمات، ثم اتجه إلى السيدة ليفكَّ أغلالها من غير أن ينظر إلى وجهها، وخرج مغلقاً الباب خلفه، بحركةٍ مفاجئةٍ اندفعت السيدة نحو حذاء الطبيب تقبّله، تاركةً دموعها تسيل على خدّيها. -أتوسل إليك أن تساعدني ولا تفضحني. -حسناً اهدئي، وأخبريني ماذا حدث؟ قامت عن الأرض وألقت بجسدها على أحد الكراسي، وهي تمسح دموعها بطرف عباءتها مُحاولةً التّماسك.. -سأقول كلَّ شيء.. كلَّ شيء، ولكن أرجوك استر عليّ، فإذا أدخلوني السجن، فلن يجد أطفالي من يطعمهم، أرجوك أطفالي صغار.. أحضرتُ لها كوباً من الماء، وناولتها بعضاً من المناديل الورقية. جلس الدكتور “محسن” واتكأ بساعديه على سطح المكتب. -صارحيني.. لأحاولَ أنْ أساعدَكِ، ولكن أحذّرك من الكَذب، فالكشف الطبيّ سيوضح كلّ شيء. -بدأت قصتي في تلك الليلة التي هجم فيها الإرهابيون على قريتنا، وقتلوا زوجي أمام باب منزلنا، وبعدها اضطررت للعمل كخادمة في البيوت لأطعم أطفالي الستة، ولكن أكثر أصحاب البيوت كانوا يرفضون عملي لديهم، لأنني كنت أحمل رضيعي على كتفي أينما ذهبت، حتى جاء اليوم الذي تلقيت فيه ذلك الاتصال. عقد الدكتور “محسن” حاجبيه.. -أي اتصال؟ شربتْ جرعةً أخرى من الماء بيدٍ مرتعشة.. -اتصال من تلك المرأة التي دعتني لتنظيف بيتها، وما إن دلفتُ من الباب حتى أغلقته خلفي، ودعتني للدخول إلى الغرفة، وبالداخل كان يجلس رجل لا يرتدي سوى مَلابسه الداخليةِ، صَعَقني المنظرُ وحاولتُ الخروج، لكنّها تصدّرت الباب أمامي وهدّدتني إما أنْ أفعلَ، وتمنحني المال الذي أريد، أو تستدعي الشرطة، وتقول لهم بأنها تركتني أنظف البيت، وعادت لتجده معي في وضع مُخلٍّ. -وماذا فعلت؟ -وماذا كان بيدي أن أفعل سوى أن أستجيب لها، فقد كنت بحاجة للمال ولم أكن على استعداد لأدخل السجن تاركةً أطفالي للجوع والفضيحة. -ولماذا لم تبلغي الشرطة فور خروجك من عندها؟ -هدّدتني بأنها تملك تسجيلاً لما حدث بالغرفة. -وماذا بعد؟ -تكررت زيارتي تحت وطأة التهديد، وفي كل مرّة كان هناك رجل مختلف، كنت كجثّةٍ تنهشها الذئاب، وكنت أشعر أنني أضاجع الموت في كل رجل منهم، حتى التقيتُ بـ “مراد”. -من هو” مراد”؟ -قابلتهُ مثلَ أيّ زبونٍ، غير أنَّهُ قال بأنني أعجَبْتهُ، وأنه يريدني له وحدَه، أخذ عنواني، وبدأ يتردد عليّ بالبيت بشكل منتظم، مقابل تكفّله بإعالة أسرتي وكل تكاليف المعيشة. حرّك الدكتور محسن رأسه، ونظر بطرف عينه.. -وهنا بدأ يلفت نظر الجيران، فأبلغوا الشرطة. انتفضت واقفة، وطغى على حركات يديها الانفعال.. -هؤلاء الجيران أغلبهم تحرّشوا بي وحاولوا معي، ولكنهم فعلوا ذلك لأني لم أستجب لأحدٍ منهم. -وهل ضبطتك الشرطة في حالة تلبس معه؟ -ماذا تعني؟ -أقصد هل كنت معه في الفراش؟ -لا أبداً، كان قد أتى لتوّه، وكنت أقوم بتحضير الغداء. وبيّن الفحص أنه لا يوجد علامات لجماع حديث، أو أية علامات تشير إلى جبر أو شدّة، فكتب الدكتور “محسن” تقريره، وانصرفت المرأة بصحبة دورية الشرطة، ساعتَها صار جدل في المركز، فمنهم من قال عنها “مومِس”، ومنهم من تعاطف معها، ووصفها بأنها تجاهد في سبيل الله، أما أنا فقد كانت تراودني فكرة واحدة.. هي مجرد امرأة فعلت كل ما تستطيع لتنقذ نفسها وأطفالها، تدفعها غريزة البقاء على أرض نتنفس، مع كل نفس، فيها روائح الموت والقذائف”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة