13 أبريل، 2024 9:47 ص
Search
Close this search box.

رواية تمر الأصابع.. ما بين التمرد على سلطة غاشمة ورفض العنف الموازي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “تمر الأصابع” للكاتب العراقي “محسن الرملي” تتناول الإحساس بالوطن الذي لم يكن وطنا آمنا، إلا أنه يظل ساكنا بداخل المغترب، يعيش معه وفي أجواءه حتى وهو في بلد آخر استقر فيه..

الشخصيات..

سليم: البطل، شاب في الثلاثينات من عمره، يعيش في إسبانيا، لكنه يظل دوما مشدودا إلى وطنه العراق، يعلق صوره على الحائط ويعيش في شقته الصغيرة حنينه الكامل لوطنه، يجد أبوه بالمصادفة في إسبانيا ويتكشف له الأمر تدريجيا.

نوح: أبو البطل، وهو بطل في الرواية أيضا، فقد بدأت محنة العائلة به، حيث ثار لفعل تحرش قام به أبناء أحد المسئولين تجاه ابنته الصغيرة، ومن هذه الثورة بدأت محنة عائلة “نوح” التي سوف تكبر وتظل تعذبه هو ابنه سنوات طويلة، هو ثري يحمل في داخله شخصيتان متناقضتان تماما، شخصية مطيعة شديدة التدين والتمسك بالشريعة والطاعة المقدسة لوالده، في حين أن شخصيته الأخرى تميل الى التمتع بالحياة وبالحب وبصحبة البشر من مختلف الجنسيات وبالمرح والصخب، لكنه في النهاية ينحاز للشخصية الأقرب إليه.

الجد: رجل صارم، قوي حازم، كان يحكم عائلته ويزرع فيهم دوما منطق الثأر لأنفسهم ممن يعتدي عليهم، لذا فقد قاد عائلته لمعاداة الحكومة حين قبض على “نوح” بعد أن ضرب الفتي الذي تحرش بابنته، وقد قاد هذا التمرد إلى محنة كبيرة عانت منها العائلة، لكن الجد كان قويا وقائدا وحمل عائلته إلى أن تبني قرية جديدة بعد أن هجروا قريتهم.

عالية: ابنه عم “سليم”، أول حب في حياته، كان يحبها وقت أن كان طفلا، وتقرب من خلاله لعالم الأنثى، وظلت ملازمة له تسكن خياله سنوات حياته رغم أنها توفت وهي مراهقة غرقا في النهر.

استبرق: أخت “سليم”، فتاة كانت تعاني من مرض طويل، وكانت تحب ابن عمها “صراط”، لكنه قتل في حرب العراق مع إيران، ونجت هي من مرضها المزمن وتزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال، كانت قريبة من البطل يصارحها بحبه ل”عالية” وتساعده في التواصل معها.

فاطمة: فتاة مغربية تعمل في مرقص يديره “نوح” وصاحبته الإسبانية، تعرف عليها “سليم” ثم تزوج منها، بسبب أنها تتفق معه في أشياء كثيرة، هربت من فقر عائلتها إلى إسبانيا وأيضا لكي تعولهم.

روسا: سيدة إسبانية، وقعت في غرام “نوح” وساعدته على الوصول إلى إسبانيا والاستقرار فيها، وهي لا تعرف أنه ذهب إلى إسبانيا فقط لأنه يريد الثأر لنفسه ولعائلته.

آزاد: صديق كردي ل”نوح”، يقوم بالانتقام من رجال السلطة بسبب أنهم قتلوا عائلته وهدموا قريته، ساعد “نوح” وعملا سويا لأجل الانتقام.

الراوي..

هو البطل “سليم”، يحكي عن نفسه ومشاعره الداخلية وإحساسه بوطنه وبعائلته وبجده وأبيه، ويحكي عن الشخصيات من خلال وجهة نظره هو ورؤيته لهم.

السرد..

السرد محكم البناء يعتمد على التداعي في ذهن الراوي، يحكي عن نفسه وهو يعيش في إسبانيا ليعود إلى طفولته وقريته، ثم يعود مرة أخرى إلى اسبانيا وهكذا، الرواية تقع في حوالي 174 صفحة من القطع المتوسط، لا تعتمد على التشويق بقدر ما تعتمد على أحداث ثرية.

اختيار وطن..

أهم ما تتناوله الرواية فكرة الوطن، والصراع بين أناس متمردون يعتزون بأنفسهم وبين السلطة الغاشمة التي تريد إخضاع الناس وتسير وفق مصالحها، فهي سلطة ظالمة طبقية تحابي من ينتمي لها وتشجع الفوارق الطبقية، وفي حين أنها تتيح كل شيء للقريبين منها تتعامل بأشد درجات العنف والقسوة مع باقي المواطنين، خاصة الذين يتمردون عليها أو يواجهونها، فقد تم التنكيل ب”نوح” لأنه ثار عندما تحرش أحد الشبان بابنته، وقد قوبل غضبه هذا ببطش شديد من السلطة وتعذيب بالكهرباء حتى أنه تأثر جسديا وأصبح أعرجا، وعائلته التي قررت مناصرته ومهاجمة المحافظة في المدينة التي سجن فيها نكل بهم أيضا وغيرت الحكومة لقبهم من “المطلق” إلى “القشامر”.

ورغم أنهم استمروا في تمردهم وهاجروا إلى مكان جديد بنوا فيه قريتهم بمعزل عن الحكومة وسلطتها، إلا أن السلطة قررت أن يخضعوا لها وأخذت أبناء القرية إلى الحرب مع إيران، ليموت عددمن الشباب ويرفض الجد دفنهم دون الثأر لهم، وهنا تتفاقم المحنة ويصبح موت الجد مخرجا لها، فقد تعفنت الجثث والأهالي يريدون دفن أبنائهم و”نوح” يقر بأنه ضعيف في مواجهة السلطة الغاشمة، و”سليم” يترك القرية هربا من احتدام الأزمة، ويترك بلده ويظل يتنقل في البلدان إلا أن يستقر في إسبانيا.

يحتفظ “سليم” بالوطن داخله، يستسلم للحنين وكأنه يعيش فيه في شقته الصغيرة، في حين أن والده يتحين الفرص للأخذ بالثأر وتنفيذ وعدا قطعه لوالده أن يثأر من ذلك الشاب، ويترك “نوح” شخصيته الأخرى لتتحرر تماما، ويهجر قريته هو أيضا سعيا وراء الانتقام ويذهب إلى إسبانيا ليستقر فيها بصحبة “روسا”، ويدير مرقصا هناك يشرب فيه كثيرا ويتعامل كقائد ذكي، وحين يرى الصور التي يعلقها ابنه للعراق حتى وإن كانت صور لمذابح أو مجازر يسخر من تعلقه الشديد بالوطن، مؤكدا له أن الوطن هو الذي نختاره وليس الوطن الذي نولد فيه ونعيش بلا أمان، ليشتعل الصراع بين البطلين ويصل إلى ذروته، ويكون الحل مرضيا ل”سليم” وهو أن يترك والده فكرة الثأر ويواصل حياته، لأن الثأر عنف موازي ويستجيب “نوح” لابنه ويترك الثأر ويقرر مواصلة حياته في ألمانيا مع حبيبته “روسا”، ويحاول عمل تصالح بين شخصيتيه المتناقضتين في حين أن “سليم” يقرر الاستقرار بصحبة “فاطمة” والعيش بسلام.

تتميز الرواية بأنها تحكي عن العراق في الفترة ما قبل الحرب مع إيران أي في الثمانينيات وحتى فترة الحصار عليها قبل غزو أمريكا، وكيفية تعامل السلطة مع الناس، وجرها للشباب إلى حرب لا طائل لها، كما أنها ترصد كيف تتعامل مع من يتمردون على السلطة، وكيف أن هناك أناس كانوا يفضلون مقاومة السلطة رغم بطشها بعزيمة وقوة.

كما تحكي عن إسبانيا من خلال معايشة “سليم” لها وكيف أن العجائز يعاملونه بتوجس ويرفضون وجود لاجئين، في حين أن شخصية مثل “روسا” تتعامل بحب واهتمام، وأناس آخرون يتقبلون اللاجئين بترحاب وفضول للتعرف عليهم وعلى تميزهم، الرواية محملة بأحاسيس كثيرة ثرية، حنين إلى الوطن والعائلة والجد، وإلى الحب الأول الذي شكل الوجدان وأيام الطفولة التي تنحفر عميقا في ذات الإنسان، كما ترصد مشاعر النقمة والسخط كرد فعل على الظلم الفاحش.

وأهم ما تناقشه الرواية أن التمرد على سلطة غاشمة والذي كان يمثله الجد، والأخذ بالثأر قد يكون أمرا صائبا رغم ما له من عواقب وخيمة، لكن أيضا رفض العنف الموازي والتسامح قد يكون أمرا صائبا وهذا الرأي يمثل “سليم”.

الرواية..

“تمر الأصابع” هي الرواية الثانية للكاتب العراقي “محسن الرملي”، صدرت باللغة الإسبانية أولاً في مدريد سنة 2008 عن دار “الترثير نومبره” ثم صدرت طبعتها العربية الأولى سنة 2009 في بيروت عن الدار العربية للعلوم- ناشرون، ومنشورات الاختلاف في الجزائر، وقد ترشحت هذه الرواية ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2010.

الكاتب..

“محسن الرملي” كاتب عراقي، ولد سنة 1967 في قرية (سُديرة) شمال العراق، تخرج من جامعة بغداد/كلية اللغات (بكالوريوس لغة وأدب إسباني) سنة 1989، يُعد حالياً أطروحة الدكتوراه في جامعة مدريد (أوتونوما)/ كلية الفلسفة والآداب، أقام في الأردن خلال عاميْ 1993-1994، والآن يقيم في إسبانيا منذ عام 1995.

بدأ النشر سنة 1983، وحاز على جوائز محلية للشباب في القصة، نشر مجموعته القصصية الأولى (هدية القرن القادم) سنة 1995 في الأردن، نشر مجموعته المسرحية (البحث عن قلبٍ حيّ) سنة 1997 في إسبانيا، نشر مجموعته القصصية الثانية (أوراق بعيدة عن دجلة) سنة 1998 في الأردن وإسبانيا، نشر روايته الأولى (الفَتيت المُـبَـعثَر) سنة 2000 في القاهرة عن مركز الحضارة العربية، وترجمت هذا الرواية إلى الإنكليزية في أمريكا سنة 2002.

عمل “محسن الرملي” في الصحافة ( كاتباً ومراسلاً ومحرراً ثقافياً) في العراق والأردن وإسبانيا. وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة الثقافية في مختلف الصحف العربية داخل الوطن العربي وخارجه، وفي بعض الصحف الإسبانية. وتنوعت المواد بين:مقالات وتحقيقات ومقابلات وترجمات ونصوص.

قُدمت مسرحيته (البحث عن قلب حي) في مهرجان الشمال الرابع في إربد/الأردن سنة 1993، كما ترجَم العديد من الكتب الأدبية من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية.

أسس سنة 1997 مع الكاتب “عبد الهادي سعدون” دار ومجلة (ألــواح)، وهي أول مجلة عربية فكرية ثقافية في إسبانيا، ومازالت مستمرة بالصدور، إلى جانب سلسلة طويلة من عناوين الكتب التي نشرتها دار ألواح بالعربية والإسبانية، وله مجموعة قصصية باللغة الإسبانية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب