أثقل مصاب جلل يمكن أن يقع على كاهل الكاتب الوطني ويصيبه بالملل هو عدم قدرته على ملاحقة اﻷحداث المتسارعة سواء بكتابة المقالات أو بإعداد التقارير ناهيك عن بقية الفنون الصحفية اﻷخرى ، وبالأخص أن كوارث العراق تترا تفوق بمجملها الوصف وتتخطى حدود الخيال ، فما أن يخمد إوار أحداها هنا حتى تستعر نيران أخرى أشد منها وطأ هناك لتصيب الجميع بمقتل ، فيما عدد كبير من الكتاب والمثقفين المحليين باتوا إما بتأثير الإحباط الناجم عن عدم القدرة على ملاحقة المتسارع من اﻷحداث أو على خلفية إعتقادهم الجازم بأن اﻷوضاع كلها أصبحت – فيطي – وﻻ أمل بإصلاحها وبالتالي فعليهم أن يلحقوا بقطار العمر خشية أن يفوتهم فيظلوا قابعين بمحطات البؤس بإنتظار قطارات المخلصين المفترضين لإنتشالهم قبل أن يتعفنوا ، كلا السببين دفعا المئات منهم – أي المثقفين والكتاب – للانشغال بالموائد العامرة والمسكرات – المادية والمعنوية – علاوة على الخمرية على موائد شذاذ اﻵفاق وهم يرفعون شعار المتنبي بشارعي ابي نؤاس والمتنبي :
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا .. وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وبات سقف طموح بعضهم ﻻيتعدى حضور مؤتمر محلي لم يسمع به بشر ، أو الحصول على شهادة تقدير ومشاركة من منظمة – دولية – وهمية لو تقصيت عنها بكل محركات البحث فلن تجد لها أثرا ، ناهيك عن إختلاق – cv – طويل عريض يغص بالجواهر والدرر بما ﻻيتناسب مع عشوائية أهداف العديد منهم وعبيثة حياتهم وتشتت أفكارهم وضحالة أحلامهم المليئة بالطسات والحفر ، – cv- معد خصيصا وتحت الطلب لمؤسسات لم يعد مهما عندهم إن كانت قد استحدثت من السحت الحرام أم لا ، يقودها قراصنة الكاريبي أم ﻻ ، المهم أنهم يطمحون للعمل فيها بكل الوسائل بعد إغلاق تلك التي كانوا يواصلون الليل بالنهار لصالحها تباعا ومن غير حقوق تذكر ﻷن من تقع عليه مسؤولية المطالبة بحقوقهم غارق بدوره الى اﻷذقان بذات – السيان – وﻻشك أن هذا النكوص شبه الجمعي قد ضاعف من مهام وهموم من غردوا خارج السرب ووقفوا منفردين كالطود الشامخ بوجه العواصف واﻷعاصير على أمل الإصلاح والتغيير مع علمهم المسبق بأن طريق الحق موحش ، وقليل السالكين وواحدهم يردد ( سمكنا على السطح طايف وملياراتنا بوسط الماي تغرك ..شوكت تهتز الضماير ويمته جباه العفة من الخجل تعرك ؟ …..إيييه!) ولعلمهم أنه وفي المؤسسات الراكدة غير المبدعة كل شيء يتوقف بإستثناء بيت العنكبوت الذي يتمدد يوميا ليحتل السقف كله بالتزامن مع تجدد ابتكارات الجرذ في إختراق جميع التحصينات اﻷرضية بمساندة الصراصير !
الساكنون ، الكسالى ، الخانعون ، المستهلكون ، المكررون ، المكتئبون ، هم أولئك الذين يفسحون المجال واسعا للجرذان والعناكب بالإنتشار في كل مكان بتقاعسهم :” وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” ، واذا ما أردت اصلاحا في كل أنحاء العراق فإبدأ بهم أولا قبل العناكب والجرذان ..صدقني صديقي الصدوق !!.
إنحدار المثقف والإعلامي له أوجه عدة منها أنه يدافع عن الفاسدين طمعا بما عندهم من مال ونفوذ ، ومنها انه يكتفي بتبادل النكات وتناقلها عبر وسائل التواصل إزاء كل مشكلة وكأنه مهرج من دون أن يتصدى لها بقلمه ، بشعره ، بلسانه ، بيده ..ياقوم ليس المطلوب تبادل النكات فيما بينكم بل وضع حد للمعضلات ، صياغة حل للمشكلات ، التصدي للمافيات !
هكذا أكتفوا في التعامل مع كارثة نفوق اﻷسماك بالنكات والمسجات ، وهكذا صنعوا مع المخدرات و80 % منها يدخل عن طريق ايران ، وهكذا دأبوا في التعامل مع ملف غرق الـ 7 مليارات دينار المفترض بمياه الامطار داخل مصرف الرافدين ، وكذا تناولوا تشييد مبنى البنك المركزي الجديد في زمن التقشف بتكلفة ترليون دينار بما يضاهي تكلفة بناء برج خليفة اﻷعلى في العالم في دبي ، ومع بدلات إيجار سكن النواب وصرف 3 ملايين دينار على اقل تقدير بما يوازي 144 مليون لكل منهم خلال دورة برلمانية واحدة ، في وقت يعيش فيه 10 ملايين عراقي تحت خط الفقر والفاقة ، علاوة على ان الكثير منهم أغفلوا إنقاذ 50 من الذكور والاناث في محافظة المثنى لوحدها من الانتحار بالسم ، بالرصاص ، بالشنق ، بالحرق ، خلال عام 2018 فقط ولما ينتهي بعد ، مقابل 8 حالات فقط عام 2017 أما عن عديد من لم يتم انقاذهم في المثنى وبقية المحافظات فحدث ولا حرج ، وكذلك في تعاملهم مع اﻷغنام الايرانية التي جرى نفخها بأبر التسمين وبيعها بضعف سعرها في أسواق ديالى ، كذلك التعامل الباهت او باﻷحرى الساذج مع ملف صالات القمار الكبرى في اربع فنادق خمس نجوم وسط العاصمة بغداد وكلها مرتبطة بمافيات دولية في روسيا ولبنان وتركيا وتديرها ميليشيات مسلحة كما افاد بذلك رئيس اللجنة الامنية البرلمانية السابق ..هكذا تعاملوا مع عطر باسم الكربلائي ، للذكور والاناث بـ 110 $ للعلبة الواحدة والذي طرحه (بمناسبة الذكرى العطرة لولادة سيد البشرية الذي به يتعطر الوجود ) على حد وصفه في صفحته – يا اخي ﻻمانع من الترويج لعطر والتربح منه تجاريا على أن لاتحشروا الدين بالموضوع نهائيا ..رجاء – ، هكذا تعاملوا مع ساعة ماركة ” بولغاري ” الايطالية وثمنها 40 ألف دولار ظهرت احدى النائبات وهي تتحدث عن وثائق وملفات فساد متوعدة بمطاردة المتورطين بها بيمناها ، فيما كانت ترتدي – بوليغاري أم الـ 46 مليون دينار – بيسراها ليطل مقربون منها زاعمين أنها ساعة تقليد – ﻻتساوي 20 الف دينار – من دون أن تؤكد صاحبة الساعة ذلك أو تكذبه ، هذه المآسي وغيرها الكثير تستدعي من الكتاب والمثقفين شحذ هممهم وإشهار أقلامهم قبل أن تصدأ للتحذير من أخطارها وبيان أثرها ، وتوضيح الموقف القانوني والدستوري منها ، وتشكيل رأي شعبي ضاغط مصحوب بتوعية الجماهير بشأنها ولفت الانتباه اليها للحد منها وضمان عدم تكرارها والحض على ملاحقة المتورطين بها ، ﻻ الاكتفاء بتبادل المقاطع والمسجات الساخرة و- هههه هاهاها خخخخخ -كما اتابع على صفحات بعضهم وأتلقى العشرات من رسائلهم عبر هواتفهم – النشالة – يوميا ، يامعاشر الكتاب والمثقفين والشعراء والصحفيين واﻷدباء في العراق مهمتكم اليوم هي صناعة الرأي وتوعية الجموع لا تبادل النكات والمسجات والقهقهات في عصر الجرذ والعنكبوت …ووالجوع ! اودعناكم اغاتي