لا يوجد انسان على الارض، لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل، يتمنى لاحد ان يكون خيرا منه سوى ولده. هذا ما اثبتته المشاعر النابعة من شغاف الروح والوجدان والعقل والعاطفة، حين يتعرض الابن لاي قدر استثنائي.. خيرا ام شرا.
يتفانى الانسان بنسله.. ابنائه وريثي وجوده الفاني، حد عزل الملوك والخلفاء، إخوتهم وتولية ابنائهم مقاليد الحكم من بعدهم، وهذا ما بلغ بالامويين والعباسيين، حد القتال بين الاخوة.
فالابن يتنفس من عمق مشاعر الاب صعيدا طيبا بغض الطرف عن اخطائه، ومحاولة تقويمه؛ بما يخدم الآتي من تفاصيل حياته.
وتروي الحكايات.. الكاذب منها والصادق.. تفاصيل عن اباء انتحروا في حب ابنائهم، ولنا في الاب الذي شد ابنه الى النجادة الوحيدة المتوفرة لديه، واستسلم هو للموت بطمئنينة، خلال غرق العبارة المصرية القادمة من السعودية، مطلع العام 2000.
الابوة تعني التضحية المطلقة من دون حساب، حتى لو كان الاب على قناعة تامة بان ابنه عاق بشهادة حوادث واقعية..
الابن هو الامتداد العاطفي الذي يصل ذروة البلاغة، في ان يرى المرء نجله.. سواء أكان ذكرا ام انثى.. ناجحا في الحياة، ما يعني انه هو الناجح.. تعديا بحسن التنشئة، ومباشرة، لأنه يلقى صدى ثمار نسله منعكسة اليه، من على صفحة المجتمع.
وحين تتقدم الامم او تتأخر او تنحرف عن مسارها المرسوم، جهة منعطف تاريخي ما، فان المنظومة القيمية الرابطة لمفاصلها، تتغير معطياتها وسياقاتها واداءاتها المتنوعة، الا حنو الاب على ابنه، فهو لا يتغير مهما صعد نفس في العروق.
وفي تطبيق علمي على فطرة الامومة المتدفقة، اجرت احدى الجامعات تجربة على ارنب، رسموا تخطيطا لقلبها، وعزلوا صغارها عنها، وهم يتواصلون متهاتفين بالتلفون، فكانت نبضات قلبها ترتفع بشكل متميز، لحظة يذبح واحد من صغارها.
الابوة فطرة، من ارقى واسمى ما تكون عليه العلاقة الرحمية مع الوجود، في حلقاته المتلاحقة من حولنا، بدءاً بالاسرة فالحي ومحيط العمل والدين والوطن والمجتمع والذات ام الاشياء كلها، كما قال السيد المسيح (ع) ما جدوى ان تكسب العالم وتخسر نفسك؟
وهذا ما يتوجب على الاب ان يدركه، متساهلا مع ابنه حتى في العقوق؛ كي قوم سلوكه، والاستقامة نعمة سابغة من الله على عباده.