الشعائر الحسينية في العراق هي إحدى الممارسات الدينية ” مذهبية الطابع ” المهمة في حياة العراقيين عموماً وحياة فئة كبيرة من المجتمع العراقي منصهرة بهذه الشعائر خصوصاً . وممارسة هذه الشعائر ما بعد عام ٢٠٠٣ في العراق بحرية مطلقة وبكل تفاصيلها أصبحت من أهم المناسبات في عموم البلد وحتى خارجه وعادةً ما تسخر كل مقومات الدولة من أجل إحياء وإنجاح هذه الممارسة التي تدوم لفترة وتتكرر سنوياً . وَمِما لاشك فيه إن لهذه الممارسات الدينية لها أبعاد وتأثيرات عديدة في حركة المجتمع حاضراً ومستقبلاً منها أبعاد وتأثيرات إيجابية ومنها سلبية . واحدة من الأبعاد الإيجابية هي الحرية في ممارسة كافة أفراد المجتمع لمعتقداته وطقوسه الدينية والمذهبية والآيديولوجية ما دامت لا تنتهك قوانين وقواعد ونظم الدولة ولا تنتهك حرية الآخرين . كذلك من أهم الأبعاد الإيجابية لممارسة الشعائر الحسينية هي إستذكار جانب من تاريخ العراق السياسي والإجتماعي والديني وإستكشاف بعض القيم والمدلولات للإستفادة منها في تطوير المجتمع من ناحية التقدم والتحضر أيضاً . أما الجوانب السلبية في ممارسة الشعائر فتتلخص في جانب واحد وهو جعل هذه الممارسات وسيلة للجهل والتفرقة بين أفراد المجتمع ومثال عام للتخلف أمام العالم .
مع كل الأسف ، مارس العراقيون الجهل في التعبير عن ممارساتهم الدينية وبالأخص فئة الشيعة من المجتمع العراقي . لقد قام المسؤولون عن هذه الفئة سواء من مرجعياتهم المختلفة أو الشخوص المؤثرة في المشهد السياسي بتحويل الشعائر الحسينية الى أداة للسيطرة والتحكم في مقدرات البلد وتسيير المجتمع نحو التخلف والغيبوبة . إن كل وقائع ممارسات الشعائر الحسينية التي مورست بأساليبها تعكس مدى تخلف هذا المجتمع للتعبير الحقيقي عن مثل هذه المناسبة .
لا أعلم كيف نفسر إستنفار الدولة بكل أجهزتها وتسخير كل إمكانياتها لإحياء مثل هذه المناسبات ، ولا أعلم كيف يبرر المسؤولون تعطيل البلد كلياً عن وظائفه من جميع النواحي من أجل إحياء هذه المناسبات . الشعائر الحسينية يفترض أن تكون عبارة عن إحتفالية فلكلورية على مستوى البلد فيها بيان وإستعراض الجوانب المضيئة والمفرحة للمشاهد وفي نفس الوقت بيان القيم والمبادئ الإنسانية للشعائر دون بيان تلك الصور المتخلفة من ” لطم ” و ” تطبير ” و “نحيب ” وحبك القصص الخيالية والغيبية . ولكي نعطي المناسبة صورتها المنطقية ينبغي ان لا ينظر الى الأحداث من زاوية مأساوية والتعبير عنها بصيغ سوداوية كما هو جاري وإنما ينظر اليها من زاوية أخرى ذات طابع فني وبصيغة فلكلور جميل ومعبر . إن القتل والإستشهاد لبعض الرموز هو تضحية من أجل المبادئ ، والتضحية بالنفس من أجل المبادئ السامية هي مثال لأعلى القيم الإنسانية التي يفترض استذكارها بصيغ صحيحة ومتحضرة إحتراماً وإعتزازاً بها وليس بأساليب متخلفة ترسخ الجهل وتغييب الوعي في المجتمع .