الديمقراطية ليست دوما مصدر قوة , وإنما قد تكون من أعتى وسائل الضعف والإنحطاط والهلاك والفناء البشري , عندما تُفرَض على مجتمعات لا تستوعبها وتعجز عن إدراك مضامينها ومنطلقاتها وقيمها ومعاييرها وضوابطها السلوكي ة , ومناهجها وأهدافها الوطنية والإنسانية.
فإذا كانت المجتمعات والأحزاب السياسية لا تؤمن بوطن وشعب , فأن الديمقراطية تتحول إلى مهزلة دمار وتفاعلات خراب وإهلاك.
فمن أولى لبنات الديمقراطية الإيمان بوطن جامع مانع , يكون الحفاظ على قوته وعزته وكرامته وسيادته من مصالح الشعب بكافة أطيافه ومكوناته.
أي لا بد من توفر الهدف المشترك والوعاء الحاوي للمكونات المجتمعية , وضمن هذا الوعاء ونحو ذلك الهدف يتفاعل المواطنون , وينطلقون في مسيرات البناء والعلاء والإزدهار الزاهي.
هكذا هي الديمقراطية كسلوك إرتقت إليه المجتمعات التي تؤمن بها وتعززها , وتبني أنظمة حكمها وفقا لمعطياتها الدستورية والقانونية الضرورية للحياة الحرة الكريمة.
فالمجتمعات لا يمكنها أن تتشظى وتتفتت بدعوى التعبير عن حرية الرأي , أو ممارسة السلوك الذي يُراد وصفه بالديمقراطي وما هو كذلك , لأنه عدواني الطباع والتوجهات.
فالديمقراطية تعني التفاعل الإيجابي الصالح للموجودات المتوطنة في بقعة جغرافية ذات حدود واضحة تؤكد أمانة وسلامة مَن فيها من المخلوقات.
بينما هي في المجتمعات المغلوبة على أمرها , عبارة عن آلة تهديم وتحطيم وتقزيم وتضليل وتعطيل وتبطيل , وإندحار وإنقهار وتقهقر إلى ما وراء الزمان والمكان , وإندفاعات طائشة نحو العدوانية والإستحواذية والتسلطية الطائفية والعنصرية والمذهبية والمناطقية , الكفيلة بالإضعاف والإنهاك والتماحق الذاتي والموضوعي المقيت.
ومن هنا فأن هذه المجتمعات قد إتخذت من الديمقراطية وسيلة للإنقراض والإتلاف , والفناء المحّاق الذي سيأخذها إلى ميادين الغياب والإبادة النكراء.
ويبدو أن الكثيرين من الذين يريدون الطاقة كمصدر لديمومة القوة والسطوة , يعززون هذه السلوكيات الغدّارة المتواصية بالقضاء على الوجود العربي , وإمتلاك مواطن العرب والسيادة عليها والإدعاء بعائديتها لهم , بعد أن تشرد أهلها وتخلصوا من بعضهم البعض بإرادتهم العمياء , وما أصابهم من فحش الثراء.
تلك هي ديمقراطية العرب المعاصرة التي يتجندلون فيها على قارعة دروب الويلات والتداعيات , فما أسهل قتل العرب بما يريدون!!