نحن المعلمون الذين رضينا بمنفى التعليم في مدارس الأهوار من اكثر أصدقاء المعاهد العلمية التي تعنى بالطيور المهاجرة في شنغهاي وستوكهولم وأوتاوا وسيبيريا وبراغ ، فأنا شخصيا نمتْ عندي هواية غير هواية جمع الطوابع وصور ممثلي السينما الهندية شامي كابور وأخوته وفاجنتي مالا وآشاباريخ وراجندر كومار وغيرهم. وأضفت لهواياتي الطفولية هواية غير القراءة وسماع اغاني نجاة بعد منتصف الليل واجملها اغنيتها الطير المسافر ، فوحدها هذه الاغنية من تمنحني بساط الريح وارتدي طاقة علاء الدين وأسافر مع احلامي الى روما وباريس وبكين ودلهي ولندن ولاس فيغاس.
هذه الهواية الجديدة هو الذهاب بالزورق صباح كل جمعة الى سوق السمك والطيور في مركز قضاء الجبايش من أجل العثور على أوسمة الطيور المهاجرة ، وهو عبارة عن قطعة معدنية تشبه الدرهم عليها أسم وختم معهد الطيور في الدولة التي ينطلق منها الطير ويعلق هذا الدرهم في قدميه ، وقد جاءنا مرة تعميم من وزارة التربية يناشد الهيئات التعليمية في مدارس الأهوار بتثقيف التلاميذ وابناء القرى بأنهم إن وجدوا هذه القطع في ارجل الطيور فيرجى ارسالها لعنوان المعهد المثبت في القطعة المعدنية مع ذكر اسم وبلد المكان الذي وجد فيه الطير.
كنا نعتبر هذه المهمة ، هواية جميلة وعمل انسائي رائع وهو أول أخلام العولمة في خواطرنا حيث يصبح الطير المسافر ليس هذا الذي يشع غراما في اغنية نجاة الصغيرة بل هو طير الحذاف والخضيري والبط الصيني ودجاج الماء الاسود والسنونو وطائر ملون يغرينا شكله والوانه الزاهية ولكن صوته قبيح جدا يسمونه ( الشكركه ).
وهكذا صار سوق الطيور والسمك طقسيَّ الاسبوعي وصرتُ اعيش هاجس صياد الجوائز الذي كنا نراه في افلام الويسترن ، ولكن صيدي هو الطير المهاجر الذي هرب من ثلوج بلدان الاسكندنافية وجاء الى مشاتي الاهوار الدافئة ليتنعم ، وكنت احصل على هذه الطيور واشتريها ان كانت مذبوحة او حية او جريحة .
المذبوح ازيل عنه قطعة المعدن ونطبخه للعشاء عند العودة ، فيما اطلق الطائر الحي بعد أن انزع عنه المعدن فيما اذهب بالطائر الجريح الى المستوصف البيطري القريب لمداوته. وفي كل شهر يتجمع عندي عدد قليل أو كثير من هذه القطع ارسلها بمظاريف الى عناوين الامكنة التي جاءت منها طيورها ، واظن أن هذه الطرود صارت عبئ مادي لم احسب حسابه ولكني عشقت هذه الهواية وكل هواية ينبغي أن تكلف صاحبها مالا من أجل متعته.
أعوام عديدة وأنا أمارس هذه الهواية بمتعة ، وكنت في كل زيارة للمشرف الإداري لمدرستنا اخبره وأريه ايصالات الارسال فأحصل على شكر وتقدير وكان يمزح ويقول “انك تستحق النقل الى مركز المدينة ، لكن الواجب الوطني يحتم ببقائك هنا من أجل طيور الصين والسويد وروسيا ، وأهم شيء روسيا أيها البلشفي.
نضحك ، ويكون غداءه معنا وغالبا ما يكون ذكر بط من تلك التي نجد معلقة في ارجلها تلك القطع المعدنية.
ذات يوم جاءت رسالة بالبريد الى مديرية التربية وارسلوها الي وهي دعوة مجانية مع تحمل نفقات السفر الى السويد من معهد الطيور المهاجرة في ستوكهولم تكريما لجهدي في متابعة الامكنة التي تصل اليها الطيور المهاجرة.
فرحت كثيرا وقدمت الدعوة الى التربية للحصول على موافقة السفر ، لكن الموافقة الامنية لم تتم وجاءت بنتيجة سلبية .
عندها عدت الى سوق الطيور افتش عن قرص جديد في ساق طير مهاجر واغنية نجاة الصغيرة تدندن في أذني عن الطير المسافر الذي لم يحصل على الموافقات الأمنية.