لا يكاد أي يوم ينتهي إلا وكل ساعة فيه تحمل مجموعة من الأخبار عن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي كلف بتشكيلها السيد عادل عبد المهدي على اعتبار أنها من سيرسم طبيعة حركة الحياة اليومية للمواطن العراقي خلال السنوات الأربع القادمة في اقل تقدير إذا لم نقل أنها أكثر من ذلك ولكن في المقابل أن الشارع العراقي لا يكاد يعير هذا الموضوع الأهمية البالغة لأنه غير معني بالشخوص الذين سيشغلون الحقائب الوزارية وكل ما يعنيه هو تلبيه حاجاته التي أصبحت مزمنة من حيث تقديم الخدمات فالشعب ينظر إلى كل الوجوه الموجودة أمامه بأنها شاركت في الفساد وتبديد ثروات العراق خلال فترة الخمسة عشر سنة الماضية ولا يعني له شيء أن يشغل هذا الشخص أو ذاك المنصب وهذا ما طرحته أكثر من شخصية تمثل رموز في العملية السياسية القائمة ولهذا السبب طبعا كان الشعب غير مهتم للمشاركة في الانتخابات ولهذا السبب أيضا كانت التظاهرات التي تهدأ قليلا ولم تتوقف طيلة الفترة الماضية.
كما هو معلوم للجميع كانت معروضة للسيد عادل عبد المهدي مجموعة من السيناريوهات التي يمكنه اعتمادها في طريقة تشكيل حكومته منها إن ترشح الكتل مجموعة من الأسماء التي تراها مناسبة للحقائب الوزارية يختار من بينها من يستطيع اعتماده والطريقة الثانية أن يكون الترشيح شخصي عن طريق استمارة ترفع إلى مكتب السيد عادل عبد المهدي عن طريق ألنت وهكذا ولكن في حقيقة الأمر أنها لم تعتمد وظهرت مشكلة جديدة لم تكن بالحسبان حين تم تشكيل الكتل السياسية قبل الانتخابات حيث حاولت الأحزاب السياسية تجاوز الطائفية والقومية فانتسب إلى الكتلة الواحدة من كل الأطياف العراقية وكانت حينها بادرة خير ولكنها لم تكن مدروسة من قبل قياداتها بشكل كافي فربما كانت تنتظر تشكيل حكومة أغلبية سياسية أي إن الكتلة الأكبر ستعتمد على نفسها فقط في إشغال كل المناصب السياسية (ولو ضمن الأعراف وأنماط الحكومات السابقة) وتتجاهل الآخرين على اعتبار أنهم سيذهبون إلى المعارضة فالحكومات السابقة الثلاث كلها كانت توافقية قائمة على أساس المحاصصة وترضية جميع الأطراف ولم تتمكن من تجاوز موافقة احد الأطراف تحت الضغوط المحلية والإقليمية وتدخل الآخرين في الشأن العراقي وربما لا يجيز ذلك الدستور العراقي المعمول به.
إن الكتل السياسية الكبيرة وبالتحديد الشيعية أكثر من غيرها الآن تواجهه مشكلة جديدة لم تكن بالحسبان حيث إن أعضاءها من السنة لهم استحقاقهم في المناصب الوزارية وإذا رشحوا سيحسبون على السنة أم على كتلهم وإذا لم يرشحوا فسيشعرون بالغبن والظلم وهم أصلا تخلوا عن انتمائهم الطائفي بمعنى أنهم خسروا موقف طائفتهم منذ البداية وألان تخلت عنهم كتلتهم التي فازوا من خلالها وهذا مأزق جديد لم يكن بالحسبان فإذا تم اختيار الشخصية (س) السني الطائفة وكمرشح من الكتلة (ص) الشيعية فهل يحتسب على السنة فيرتفع عدد وزراءهم أم يخصم مقعده من حصة السنة لان كتلهم أيضا تطالب بمقاعد وزارية .
ذلك الخلاف يخص من يطالب بالاشتراك بالحكومة أما من جانب الشعب فهو غير مهم لأنه يطلب الخلاص من معاناته من أي شخص يتولى المسئولية بغض النظر عن انتمائه أو هويته الطائفية أو لونه أو جنسه فقد بلغت معاناته إلى الحد الذي دفعه بالتضحية بدماء أبنائه الطاهرة وهو ينظر إلى خيراته تذهب إلى جيوب اتخمت بالمال السحت الحرام ينعم بها أولاد المسئولين خارج العراق ويعيشون حالة الترف والبذخ في الحانات وبيوت الخمر والدعارة بينما يفضح بعضهم بعضا في المقابل بلغة حالات التسمم من جراء المياه في البصرة إلى أكثر من مائة ألف ومضخات معطلة وأموال خصصت لها وسرقها اللصوص ومستشفيات بلا أدوية وغيرها مما يطول عدها في كل المحافظات العراقية.
الآن ما تتداوله الأخبار إن السيد عادل عبد المهدي لكي يحقق المطلب الذي حدده الدستور بسقف زمني سيقدم قسم من الوزراء ليؤدون اليمين الدستوري ويكسب ثقة البرلمان ومن ثم سيكمل باقي الحقائب الوزارية بالتدريج وحسب التوافق بين الكتل السياسية بسبب اختلاف الرؤى بينهم فيمن سيقع عليه الاختيار ولا فرق بين الوزارات الخدمية أو السيادية.
من حقك أن تتساءل عن سبب الخلاف والسباق على المناصب الوزارية هل هو إصرار على من يقدم أكثر الخدمات للمواطن أم هل هو عقائدي يعود إلى أعداد ممثلي الطوائف في الحكومة أم على شيء آخر مختلف عن هذا وذاك ؟
إذا كان الحزب السياسي يريد أن يقدم الخدمات للمواطنين فانه يستطيع أن يفعل ذلك من خلال أي موقع وظيفي ويوجه أتباعه ويحاسبهم في حالة تقصيرهم ولنا في محاسبة حزب الدعوة الإسلامية ولو إنها جاءت متأخرة مثلا لمحافظ بغداد الأسبق السيد صلاح عبد الرزاق وفصله من الحزب بعد التحقيق معه على خلفية شبهات فساد سابقة تستحق الاحترام لكن الحزب اكتفى بالعقوبة الحزبية دون إحالة المحافظ إلى القضاء وهذا تقصير وخلل يؤشر على الحزب وإذا كان دافع التسابق على المناصب الوزارية هو التمسك بالمحاصصة الطائفية فانه مخالفة واضحة للشعارات التي طرحتها الكتل قبل الانتخابات وإخلال بوعودها وهذا غير جائز فما الضمان أنها ستكون مؤتمنة على الوزارات وعلى تطبيق البرنامج الحكومي ولم يبقى إلا الهدف المادي وبذلك فإنها تضع نفسها في دائرة الهدف الشعبي الذي طالب بمحاربة الفساد والفاسدين .
على رئيس الوزراء المكلف إذا كان يريد كسب التأييد الشعبي العراقي المحلي واحترام كل دول العالم اختيار كابينته الوزارية دون مراعاة لمزاجات الكتل الحزبية ودون الأخذ بشروطها ودون النظر إلى خلفية الوزير الحزبية والاعتماد على نزاهته وتاريخه المهني فقط وتقديمهم إلى البرلمان في جلسة علنية وبشفافية تامة تضعه أمام الأمر الواقع ومن ثم الضرب بيد قوية على رؤوس الفاسدين وإيداعهم السجون واسترداد ما سرقوه ليكتشف الشعب مدى مصداقية الكتل السياسية في التخلي عن المناصب الوزارية ومن يدعم المشروع الوطني ومن يقف ضده وحينها فقط سيكون كل مواطن عراقي درعا حصينا للحكومة ورئيسها وسنكون قد بدأنا الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح.
منطقة المرفقات