توجد في كردستان طبيعة خلابة تسر أعين الناظرين ، وفي أحيان كثيرة كانت الجبال الشاهقة الجميلة تحميهم من الغزاة والمعتدين ، وتوجد في كردستان موارد طبيعية تسيل لعاب الغزاة كالنفط والغاز والكبريت …الخ ،وفيها مناخ وتربة صالحة للزراعة ، لكن موقعها الجغرافي كان وما زال يسبب لشعب كردستان المتاعب والمعاناة ، فكردستان هي الطريق الذي سلكه كل من الغزاة و المحتلين المخربين منذ القدم ، وكانت وما زالت ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية .
لقد مرت عبر كردستان جيوش الفرس الشرقية لغزو الغرب ، ومرت من كردستان جيوش الأسكندر الكبير لغزو الشرق ، وبطبيعة الحال هذه الجيوش عندما كانت تمر عبر كردستان فإنها لا تمر مرور الكرام بل تجرف معها كل شيء في طريقها سوأ أكان حجرا أم بشرا أم حيوانا ، والأسوأ من ذلك أنها تخضع الشعب لحكمها ،وتفرض عليه شروطها القاسية كالمشاركة معها في معاركها أو إستخدامهم في الأشغال أو الأعمال الشاقة ، تماما كأسرى الحروب !
ثم أصبحت كردستان بعد ذلك هدفا لجيوش الرومان ، والعرب ، والأتراك (الأغوز) الذين جاءوا من أواسط اسيا وسكنوا الأناضول ، وجيوش الأمبراطورية العثمانية، والصفوية لإحتلالها، ومن ثم هدفا للدول الإستعمارية كفرنسا ،وبريطانيا ،والإتحاد السوفيتي وروسيا ، انتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية .
بالأضافة إلى ذلك فقد كانت كردستان ساحة لتصفية الحسابات ، ففي هذه البقعة الجغرافية شهدت معارك ضارية ومدمرة بين العرب والساسانيين وبين الأتراك (الأغوز) و البيزنطيين وبين الأمبراطورية العثمانية والصفوية ، وكما ذكرت آنفا فإن المصيبة لا تكمن فقط بخوض هذه الدول والشعوب حروبها ومعاركها على أرض كردستان بل أيضا في إستخدام الكرد في معاركهم كوقود للحرب فكان كل طرف يحاول كسب الكرد إلى جانبهم ومن ثم استخدامهم في معاركهم خاصة في الصراع العثماني والصفوي .
بعد أنتهاء معركة جالديران(١٥١٤م ) بين الدولة الصفوية والعثمانية جاء التقسيم الإستعماري الأول والأخطر على كردستان بين الأمبراطوريتين الصفوية (الشيعية ) والعثمانية (السنية) حيث تم تقسيم جغرافية كردستان بين هاتين الدولتين ، لكن الأخطر هو أن التقسيم لم يكن تقسيما جغرافيا وحسب بل كان تقسيما عقائديا ايضا، وهذا التقسيم ساعد الدولة الصفوية والعثمانية فيما بعد على تطبيق سياسة فرق تسد في كردستان ،وبطبيعة الحال كان الشعب الكردي وقودا لحروبهم الإستعمارية المغلفة بالشعارات الدينية !
وبعد اتفاقية جالديران جاءت إتفاقية سايكس بيكو الإستعمارية ( ١٩١٦م) التي قسمت جغرافية كردستان على أربع دول ، وقد شهدت كردستان بعد هذه الإتفاقية التي همشت حقوق الكرد ولم تعطيهم حقوقهم أسوة ببقية شعوب المنطقة مجازر مروعة و ثورات ،وحروب مدمرة غير متكافئة بين الكرد والدول والحكومات التي تحتل كردستان والتي غالبا ما كانت الدول الإستعمارية تقف معها ضد الشعب الكردستاني فعلى سبيل المثال الإتحاد السوفيتي دعم بشكل غير مباشر الأتراك والإيرانين ضد الكرد في جمهورية مهاباد الكردستانية والتي كانت عمرها قصيرة جدا،وذلك بعد أن سحب الدعم عن الكرد ، و أيضا الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة كسنجر ساعدت العراق وايران لتوقيع اتفاقية الجزائر عام ١٩٧٤ والتي قصت جناح الحركة التحررية الكردستانية في العراق ، ولاننس ايضا فرنسا وبريطانيا اللتان قسمتا كردستان في اتفاقية سايكس بيكو ..
لم يلتقط الشعب الكردستاني أنفاسه منذ فجر التاريخ سواء كان بسبب الحروب التي خاضوها هم ضد الأمبراطورية الأشورية التي اسقطوها في النهاية بالتعاون مع البابليين ، وضد الفرس الذين اسقطوا إمبراطوريتهم الميدية ، أو بسبب الحروب الكثيرة التي خاضها الغزاة والمحتلين على أرضهم .فهذا الشعب كان يخرج من احتلال قاسي ويدخل بعد ذلك تحت احتلال أقسى منه ، ويخرج من معركة مرهقة ومدمرة ،ويدخل في معركة جديدة أكثر دمارا وارهاقا من سابقتها ، لكن رغم المآسي والمعاناة والسياسات العنصرية الممنهجة التي تعرض لها هذا الشعب بقى محافظا على هويته الكردستانية.