الحقيقة ان ولي العهد السعودي قتل مستقبله السياسي عبر قيامه بهذه الفعلة البشعة التي مسخت كل محاولاته لان يكون رائدا للحالة الترامبية في المنطقة وسيكون في القادم من الايام ليس مجرد كيس للضرب الاعلامي بل سيكون كرة تتقاذفها ارجل بقية الامراء في الاسرة الحاكمة التي تضررت من سياسات هذا الولد الطائش الذي جلب الويل والوبال على مملكته ونظامه .
مقتل خاشقجي كان بكل جلاء لعبة مخابراتية بارعة من قبل الديمقراطيين في واشنطن اريد منها اولا استهداف الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس الامريكي , واستهداف رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني نتنياهو الذي راهن على مغامرات بائسة في سوريا , واستهداف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وضع كل بيضه واموال بلاده في سلة ترامب ونتنياهو .
اما كيف كانت العملية مخابراتية وكيف تم استدراج كلا من خاشقجي وبن سلمان لهذا الفخ الخطير وكيف تم رسم الخطة ببراعة ودهاء بعيدا عن الاضواء وتحت جنح الظلام ؟
للاجابة عن ذلك لابد من القول ان المخابرات الدولية بشكل عام تضع دراسات نفسية سيكولوجية معمقة للاشخاص المهمين في العالم , ومن خلال هذه الدراسات يمكن فهم شخصياتهم ودوافعهم ومصالحهم ومعادن نفوسهم وتجليات مطالبهم .
محمد بن سلمان لايهمه سوى الوصول الى عرش المملكة باي ثمن كان ولو على سلم من جماجم الاسرة الحاكمة , اما جمال خاشقجي فهو صحافي عاش في بيئة امريكية وله عمود في صحيفة الواشنطن بوست ويعتز بارائه ويرى في نفسه افضلية من بن سلمان الذي ينظر اليه بانه مجرد حاكم وصولي ليس الاّ ,خاصة وانه يرتبط بعدد من الامراء الذين اعتقلهم ولي العهد وسلبهم اموالهم واهانهم وعذبهم مما ترك في نفسه اثرا سلبيا تجاه مايجري في الرياض ,لدرجة انه خلص الى ان بن سلمان لايغفر لاي شخص يمسه ولو بكلمة انتقاد مهما كانت ايجابية او حتى لو كانت تصب لمصلحته , لانه وحسب المقربين منه رجل معقد جدا من قضية الانتقاد , حتى ان خاشقجي كان ينصح بعض الصحفيين الذين ينتقدون بن سلمان بعدم زيارة المملكة خوفا على حياتهم مما يثير التساؤلات عن وقوعه بهذا الفخ وهل كان يعتقد بان القضية لاتتعدى عن خطفه الى الرياض ومن ثم استخدام ضغط الراي العام لاطلاق سراحه على طريقة الحريري ؟
قضيتان كانتا كفيلتين باثارة بن سلمان ودفعه لارتكاب الجريمة الاولى هي ماتردد عن نية خاشقجي اعادة بث قناة العرب من قطر العدو اللدود لابن سلمان , والثانية هي قيام مجلةُ “نيوزويك” الأميركيةُ باجراء مقابلةً مع خاشقجي، أجرَتها معه الصحافية رُلى جبريل قبلَ الإعلانِ عن اختفائِه ومقتلِه لاحقاً، مشيرةً إلى تمهلِها بنشرِها خوفاً على حياتِه.
حيث ان خاشقجي وجه انتقادات لاذعة لابن سلمان وهي الاخرى كافية لقتله والانتقام منه حيث وصف في المقابلة بن سلمان بانه زعيمٌ قَبليٌّ من الطرازِ القديم وليس إصلاحياً وانه محاط باشخاص سيئون جداً.
بلاشك ان المقابلة تم ايصالها الى مسامع بن سلمان زائدا معرفته بنية خاشقجي الذهاب للدوحة واطلاق قناته من هناك حيث ستكون في جزء منها موضع انتقاد له , مما جعله يطلب المساعدة من لوبيات معينة من اجل انهاء قضية تهديد خاشقجي له , وهنا تم رسم المخطط المخابراتي بكل دقة وحبكة لان يخدم مارب تلك الجهات التي دفعت بخاشقجي للذهاب للقنصلية ووعدته بالامان وان القضية ستجعل منه بطلا وسيتم تخليصه من براثن بن سلمان فيما قدمت النصح لابن سلمان للاندفاع لتنفيذ جريمته بالشكل المرسوم ووعدته بعدم انكشافها تحت اي ظرف وهكذا وقعت الواقعة وتم تكريس كل شئ لحسابات سياسية حيث وجدنا ترامب متخبط جدا في تفسير ماحدث وانه القى عدة خطابات في ليلة واحدة غير متشابهة من حيث الشكل والمضمون فيما جاءت رواية الرياض بائسة ومثيرة للسخرية اما نتنياهو فدس راسه تحت الرمال وترك العنان لمساعدية للقول بان ماجرى كان لصالح ايران وتركيا .
اذن نحن امام مرحلة جديدة من التداعيات والمعطيات السياسية والاستراتيجية ستشكل بلاشك مرحلة جديدة تسقط فيها حقبة ترامب – بن سلمان – نتنياهو حيث يجري الاعداد لصياغة مرحلة سياسية فيها نوع من الهدوء بعد رحلة من الحروب الكارثية في المنطقة وفي العالم حيث تضررت الراسمالية العالمية بدلا من تحقق المكاسب المتوخاة او المطلوبة , فاوباما رحل مع داعش وترامب سيرحل مع ابن سلمان والبقية معروفة .