من غير المعقول طبعا، أن يخفق المرء بكل خطوة يخطوها في عمله، لاسيما إذا كان واعيا ومدركا ويشعر بمسؤولية ماملقى على عاتقه من مهام، إذ يترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة، وأضرار يحاسبه عليها الله والناس وضميره -ان كان الأخير حيا-. وكما يقول المثل: لكل حصان كبوة ولكل حليم هفوة. ولكن، أن تستمر الكبوات وتكثر الهفوات، فهذا دليل على أن الفارس (موگدها) أو هو يتعمد الهفوات لغايات يكثر فيها القيل والقال، وحينها تطلق عليه تسميات أخرى لاتشرف أي إنسان سوي.
ومن المعيب بحكم المعقول والمعهود ان تكثر في عراق مابعد السقوط، الهفوات والسقطات او تعمد إحداثها والتعنت بتكرارها. ومع مضي عقد ونصف العقد على تحرر البلد من حكم نظام وُصف بأنه دكتاتوري، إلا أنه مازال في طور النقاهة، وما هذا إلا لخلل في قيادييه وحاكميه الذين اعتلوا سدة الحكم بعد ذاك النظام.
ولو افترضنا -جدلا- أن النزاهة والوطنية والنية الحسنة مجتمعة، هي عنوانهم الذي يحملونه، لما أتت النتائج والمآلات بما هي عليه اليوم. كما أن خمسة عشر عاما مدة تكفي لصنع المعجزات، فهل صنع أحد من القادمين على حصان طروادة بعد عام 2003 عملا صالحا يشار إليه بالبنان؟
وهل من إنجاز يمكننا احتسابه خطوة للأمام سجلها أحدهم في سجله المهني؟
وما الجديد الذي أتت به دورة نيابية أو حقيبة وزارية، حققت للبلاد مالم يتم تحقيقه في زمن “الدكتاتور”؟
وهل استفاد مسؤول منهم من تجارب السابقين وسقطاتهم؟ أم كان التشهير والانشغال بكشف العورات ديدن اللاحقين!
وحري بالكتل السياسية التي أوصلها المواطن الى مسك دكة الحل والعقد، الاسراع بكل ما ينهي فترة النقاهة، ليكتسب البلد الشفاء التام، إذ أن أمامه مراحل بناء وإعمار طويلة وعريضة.
هناك حكمة تقول: “ليس العيب أن تسقط.. لكن العيب أن لاتنهض بعد السقوط”. وأظن حكمة كهذه تستوجب تعليقها على بوابة دخول بناية مجلسي النواب والوزراء، لاحتياجهم الماس اليها بعد الكبوات المتلاحقة خلال مدة ولايتهما، إذ كان من المفترض أن يكون النهوض بُعيد تسنهم مهامهم، فهل تحقق جزء ولو كان ضئيلا من النهوض على يد ماسكي زمام أمر البلاد؟.
لقد بات الحديث عن الاخفاقات المتتالية والمتعاقبة التي يتحفنا بها المجلسان التشريعي والتنفيذي، حديثا غير ذي جدوى، أو كما نقول: (ما يلبس عليه عگال). ولو بحثنا أسباب هذه الاخفاقات لوجدنا أنها لم تأت من مجرات وكواكب سماوية، بل سيتضح جليا أن الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات، هي التناحر والتضاد بين أرباب الحكم وصناع القرار أنفسهم، من داخل البيت العراقي وتحت قبب مجالسه، وبرعاية رؤساء هذه المجالس، وقطعا للكتل السياسية الدور الريادي في الخلافات والاختلافات التي تدور رحاها على قدم وساق في أروقة المجالس الثلاث.
وما يزيد الطين بلة أنهم مصرون على استمرار العداوات بينهم، بل وما انفكوا من إضرام النار في الهشيم قبل أن تنطفئ نار قد علا سناها من قبل. فما الأسباب والتعللات التي يتعلل بها أرباب بعض الكتل، إلا مخططات لكبوات قادمة يرسمون لها ويسعون الى تحقيقها قدر استطاعتهم، الأمر الذي يؤكد سبق إصرارهم وترصدهم لعرقلة العملية السياسية القائمة في البلد، لاسيما وأن التشكيلة الوزارية (عالنار!). وهذا نذير شؤم يلوح في سماء العراقيين، بعد أن ظن بعضهم -القليل- أن القادمين هم فرسان أحلامهم الذين سينتشلونهم من الدرك الذي وضعهم فيه السابقون، وهو لعمري أمر ينطبق عليه مثلنا: (بعيد اللبن عن وجه مرزوگ).
يحضرني موقف مر به زميل صحفي، قام باستطلاع آراء الشارع العراقي، وكانت آنذاك مناسبة سقوط بغداد -أو تحرير العراق كما يحلو للبعض تسميته- حيث سأل زميلي امرأة مسنة تتوسط (بسطية) وضعت فيها حاجياتها الفقيرة، لتكسب منها مايسد رمقها بالقيط والقرميط، وكان سؤاله:
“حجية.. شنو رأيچ بصدام؟”
فأجابته المسكينة جوابا يعكس الحقيقة بأنصع صورها وأصدقها، حيث قالت:
“والله يا يمه صدام وجهه أسود، بس هذوله بيضوا وجهه”.