23 ديسمبر، 2024 5:53 م

الاستثمار في عملية الانتخابات  

الاستثمار في عملية الانتخابات  

من المسلّم به ان عملية اجراء الانتخابات هي صورة ومظهر من مظاهر الديمقراطية ‘ وليست هي جوهر الديمقراطية كما يدعي سياسيونا في اقوالهم ” ان الشعب قد حظي بالديمقراطية .فهو يذهب الى صناديق الاقتراع ويختار بكل حرية من يمثل توجهاته وآماله” . وتحظى الانتخابات في بلدنا بأهمية بالغة على اختلاف ماستفضي اليه هذه الانتخابات من مقعد في مجلس النواب او مثله في مجلس المحافظة او حتى لو كان ترشيحاً لانتخاب ( مسؤول الخدمات ) في البلدية فأنها تعتبر قضية مصيرية ومسألة حياة او موت بالنسبة للقوى السياسية والمستقلين او المتطفلين ومن تبعهم فلحق بهم . كون المردود المادي والمعنوي سيكون كبيراً على الافراد والفئات الفائزة في هذه الانتخابات .  ولم يكن الشارع والرأي العام بهذه الفورة والحماس للترويج للانتخابات ، فالشارع المحلي يريد من هذه الانتخابات تغيير الوجوه في مقاعد الحكم السابقة بينما السياسيون تحمسوا لها طمعاً في الابقاء على منافعهم الشخصية السابقة . اما المرشحون الجدد فلم يروا مانعاً يحول بينهم وبين المشاركة في الغنائم ونيل مبتغاهم من الثروة والجاه والسمعة . لذلك اصبحت الانتخابات اشبه بالمشروع التجاري البحت او المضاربة في سوق الاسهم والبورصة .فالامر يتطلب توفير مقومات المشروع الناجح من رأس مال وخطة تسويقية وحملة دعائية واعلان وتوزيع مفردات عينية على البؤساء .. واخيراً جني الارباح ولا يكون ذلك الا لاصحاب المشاريع المدروسة والمحبوكة والتي استنزفت اموالاً طائلة في تحسين المنتج والترويج والدعاية له، ويختلف المشروع التجاري عن مشروع الدخول في الانتخابات هو ان المشروع التجاري يسوّق بضاعة معينة او خدمة يمكن للمستهلكين من اقتناءها او الانتفاع بها ، لكن الدخول في الانتخابات لايتطلب شيء من هذا القبيل سوى التصريح بـ “سوف” وتضع بعدها ماشاء لك ان تضع من وعود وعهود لاتمت الى ارض الواقع بصلة ، على ان يرافق ذلك انفاق ملايين الدولارات على الدعاية والهدايا والمزايا التي توعد بها المقربون .ويقوم برنامج المشروع الانتخابي بحسم مسألة الرابحين والخاسرين بحسب تأثيره على ذهنية وعقلية المواطنين البسطاء , الذين يشهد لهم التأريخ بأنهم يزدادون سذاجة مع تقادم السنين .فسرعان ماننخدع بالشعارات والدعايات لنذهب صاغرين الى صناديق الاقتراع ونوصل ( العروسة للعريس ) ونبقى نحن المتاعيس ننتظر من هذا وذاك مايمنُ علينا من فتح طريق او اعادة تبليط رصيف  او رفع دعامة كونكريتية كانت جاثمة على نفوسنا .
 لقد اصبح جلياً للبسطاء والمثقفين ان  الموارد المالية التي ستحط بين ايدي الرابحين في الانتخابات هي من الضخامة ما تكفي لعيش جميع المواطنين في بحبوحة من العيش ، لكن في الوقت ذاته اصبح مؤكداً ان هذه الاموال ستذهب الى جيوب الفاسدين وتضيع وسط فوضى المشاريع الوهمية وتسديد فاتورة الدعاية الانتخابية . ومن هذا المنطلق حدا بالعديد من اصحاب الاموال بالمساهمة في مثل هذه المشاريع اما بدخولهم مباشرة او دعم احدى الفئات التي يمكن ان يرى من خلالها فوزاً او ربحاً مستقبلياً . فهي اشبه بالمضاربة ( تنفق اموالاً تساهم في وصول احدهم الى مقاعد الحكم ، وبعدها تأخذ النسبة او الغنيمة المتفق عليها ) . هذه الفكرة ليست من بنات افكار المستثمرين العراقيين فهم لم يرتقوا في حساباتهم الى هذه الدرجة الا بعد ان رأوا مثل هذه المشاريع في العديد من البلدان العربية او حتى الاجنبية . بل لقد اصبحت لديهم القناعة والجرأة التامة لتشغيل اموالهم في الانتخابات حين اطلعوا ان كبريات الشركات العالمية في جميع المجالات المصرفية والبضائعية قد استثمرت في مشاريع تمويل الحروب للحصول على عقود توريد بضائع جديدة لتلك الدولة التي تعرضت للحرب او الحصول على مشاريع تعمير وبناء بنية تحية او امتياز التنقيب عن النفط .ورغم خطورة الدخول في مثل هذه المشاريع لاحتواءها على الكثير من المجازفة والمقامرة الا ان اقبال العديد من الشركات العالمية وخصوصاً الشركات المتعددة الجنسيات ووفق حسابات دراسة الجدوى ساهمت بتمويل العديد من الحروب بغية الاستفادة المالية بعد ان تضع الحرب اوزارها كحرب حلف الناتو ضد يوغسلافيا السابقة وحرب البلقان وحرب الخليج الاولى والثانية . لذا فأن الدخول في مشاريع الانتخابات يعد نوعاً ما اكثر امناً من مشاريع الحرب وخصوصاً اذا استثمر المضاربون اموالهم على قائمة تلقى شعبية كبيرة في صفوف الناخبين ، فالفوز مضمون واسترجاع الاموال المنفقة على الدعاية والهدايا مؤكد ، وفوق ذلك المكاسب والمغانم التي اغرت اصحاب الاموال لاستثمار اموالهم في الانتخابات. وهكذا يتناوب على نهب اموال العراقيين فئات بعد فئات وما من منصف لهذا الشعب الذي له قابلية عجيبة على الصبر الغير مأجور عليه .  والتأريخ سيثبت استمرارية وعمومية الحقيقة القائلة ” أن العراقيين لن يحظوا برئيس حكومة.. قد ترحموا على أيامه ” .