18 ديسمبر، 2024 11:51 م

“وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود117) العراق نموذجا ً

“وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود117) العراق نموذجا ً

قال سبحانه و تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود117) و بكلمة أخرى فإن الله و سبحانه و تعالى سوف يهلك أي مجتمع يستمرئ الفساد بعدم محاربته حتى لو كان الناس يصلون و يصومون و هذا يعني أن هنالك أمام أي مجتمع طريقان لا ثالث لهما، الإصـــلاح أو الهـــلاك. و من هذه الآية الكريمة قال الفقهاء مقولتهم “العدل أساس الملك”. و الإصـلاح واجب على جميع أفراد المجتمع الراشدين و كل ٌّ حسب حالته لقوله سبحانه تعالى “وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ ” (القصص77). أما الهـلاك فإنه يصيب جميع أركان المجتمع، الحجر و البشر الصغير و الكبير. فمثلا ً قوم مَدْين كانوا يغشون في الميزان فبعث سبحانه و تعالى إليهم النبي شعيب ليدعوهم سلوك الصراط المستقيم و عندما إمتنعوا أهلكهم جميعا ً الحجر و البشر الصغير و الكبير في آن ٍ واحد بالصيحة. و لقد إستشرى الفساد في مجتمعنا إلى ما هو أبعد من الغش في الميزان، إلى جميع مناحي الحياة و حتى إلى الإنتخابات‘ فأصبح الناس ينتخبون حتى الفاسدين مقابل مبالغ مالية أو مواد عينية أو بناء ً على روابط عشائرية أو دواعي عاطفية، و لا يسألون عن البرامج الإنتخابية، و من ثم بعد الإنتخابات و عند الإصطدام بإنعدام الأمن و الخدمات و فرص العمل يسبوهم بأغلظ الألفاظ.
نتيجة إستمراءنا للفساد بعدم محاربته أصبح الخراب يحل علينا من كل حدب و صوب على جميع أركان المجتمع، الحجر و البشر الصغير و الكبير. المدن تهدم و الأنهار تجف و المياه تتلوث و الزراعة تشح و الفقر ينتشر و آلاف الصغار و الكبار يقتلون بالحروب و التفجيرات و يموتون بالتلوث و الأمراض. و إذا ما بقينا غافلين عن الإصلاح نستمرئ الفساد بعدم محاربته فالقادم سيكون أسوأ مصداقا ً لقوله سبحانه و تعالى “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” (الأنفال30). و بداية الإصلاح الذي يجب أن نقوم به هو محاسبة كبار الفاسدين المتنفذين عن سرقاتهم و ليس الصغار المستضعفين فقط مصداقا ً لقول الرسول الأعظم صلى اللّـــه عليه و على آله و صحبه و سلم “إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم اللّـــه، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، فالفاسدين الكبار المتنفذين عندما يسرقون أموال التعليم و الأمن و الدفاع و الزراعة و الصناعة و الصحة و الحصة التموينية سيجعلنا شعبا ً جاهلا ً و فقيرا ً و هزيلا ً، و سنصبح لقمة سائغة للقوى الكبرى لأن تستعبدنا و ينتهي وجودنا كما حدث للأقوام السابقة التي تغافلت عن الإصلاح.
إشترك 20% من الشعب العراقي في إنتخابات مجلس نواب 2018 و حوالي نصفهم أي 10% من الشعب العراقي أعاد إنتخاب الساسة المخضرمين، الذين في ظل حكمهم حل الخراب على جميع أرجاء البلد و أصبح مديونا ً 130 مليار دولار، و النصف الآخر أي 10% من الشعب العراقي صوتوا للتغيير و إنتخبوا وجوها ً جديدة لإصلاح ما يمكن إصلاحه من الخراب الذي حل بالبلد. أما الباقي من الشعب العراقي 80% فلقد قاطع الإنتخابات و امتنع عن المشاركة في الإصلاح. و خلاصة القول فإن 10% من الشعب العراقي فقط شاركوا في محاولة إصلاح البلد و هي نسبة قليلة جدا ً، و عسى و لعل يقتدي بهم بقية 90% من الشعب العراقي ليجنبوننا المزيد من الهلاك و لينصلح حالنا و لا نصبح عبيدا ً للقوى الخارجية التي تسعى إلى ذلك بكل ما أوتيت من قوة و مكر و خداع.