17 نوفمبر، 2024 6:27 م
Search
Close this search box.

التحامل الأعمى على التأريخ!!

التحامل الأعمى على التأريخ!!

التراكم التراثي والمعرفي لأي أمة من الأمم يمنح أبناءها مصادر لا تنضب لتعزيز وتسويغ أية وجهة نظر , أو إتجاه وتصور ومنطلق.
ومثل ذلك كتب الأديان وما تراكم في مسيرتها من تفاعلات , ولهذا فالقرآن حمّال أوجه , بل وأي دستور في الدول المعاصرة يمكن أخذه نحو إتجاهات تأويلية وتفسيرية لتبرير حالة ما أو سلوك معيّن.

وذلك طبع البشر , وتلك آليات وقوانين الحياة منذ الأزل , وهذا يعني أن الوصول إلى ما هو صائب ومقنع لا يعني بالضرورة أنه صحيح وصادق , وإنما طرح مؤزر بما تم توفيره من الأسانيد والأدلة المجتزأة من هنا وهناك.

فالمتراكم الحضاري عبارة عن لعبة متاهية يمكن تشكيلها وفقا لما يتمكن منه الفاعل والراسم للصورة المطلوبة.

ومن هنا فأن قراءة ما يأتي به الكثيرون بخصوص التأريخ العربي , لا يعني أنهم يطرحون حقائقا ووقائعا قد حصلت فعلا , وإنما يمكن تصويرها على أنها قد تحققت وفقا لما إستطاع الباحث أو الكاتب أن يجمعه من أدلة , وهو بذلك ربما يكون غير موضوعي , وفي ما توصل إليه إنحراف كبير , لأنه لم يأخذ بنظر الإعتبار الظروف المكانية والزمانية والنفسية والفكرية والسياسية والعالمية والإقليمية آنذاك , وإنما أخذ قطعة من هنا وأخرى من هناك وراح يراها وفقا لمنظار العصر الذي هو فيه , وليست وفقا لمنظار عصرها.

وبسبب هذه التفاعلات الإنحرافية يتم الإجهاز على التأريخ وتشويهه , وبرمجة العقول البشرية بأساليب باثولوجية وعدوانية على الذات والموضوع.

وعلى سبيل المثال موضوع القتل , يتم تقديمه على أنه حالة واقعة في التأريخ العربي وحسب , وكأن الذين يكتبون بذلك لم يشاهدوا اللوحات الكبيرة لأشهر الرسامين عبر العصور , وكيف أنها تبين التفاعل الدموي ما بين البشر في أمم الأرض المختلفة , وكيف يتم قتل الأطفال وأسر النساء وإمتهانهن والعبث بالوجود البشري وتدميره بأوحش الاساليب وأقساها.

ويبدو وكأن الذين يكتبون عن التأريخ العربي بسلبية وعدوانية هم من الذين لم يطلعوا على تأريخ الأمم والشعوب , ولو عرفوا شيئا عن تأريخ غيرهم , لتفاخروا بتأريخهم , ولأظهروا صفحاته الناصعة وغضوا الطرف عن الهفوات والتفاعلات السلبية , التي تحصل عند البشر في كل مكان وزمان.

ومن المحزن والمخزي أن تجد الكثير من العرب المتحاملين على تأريخهم , والذين يقرؤونه بعيون الإنفعالات والرؤى السلبية , ويبتعدون عن العلمية والموضوعية , ويمعنون بجهل تأريخ الآخرين ويحسبون العرب لوحدهم كانت تقتل وتأسر , وكأن الآخرين من حولهم كانوا يتعاملون بأرقى الأخلاق والأساليب الإنسانية الرحيمة.

أيها المتحاملون على التأريخ العربي , عليكم أن تدركوا بأن العرب أقل مجتمعات الدنيا سفكا للدماء قبل الإسلام وبعده , وإن كنتم لا تصدقون فإقرؤوا تأريخ الشعوب , وزوروا آثارهم ومتاحفهم , لكي تبصروا الحقائق والوقائع , وتتحرروا من هذا العماء المهين!!

أحدث المقالات