16 نوفمبر، 2024 12:50 ص
Search
Close this search box.

في رواية روحسد.. عذاب الفصل بين الروح والجسد

في رواية روحسد.. عذاب الفصل بين الروح والجسد

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (روحسد)، للكاتب السوداني “محمد الطيب”، تحكي عن ثنائية الروح والجسد التي قد يقع بعض الناس في تعقيداتها نتيجة لظروف حياتية قاسية، وكيف أن تلك الثنائية قد تعذبهم طوال حياتهم إذا لم يجدوا حلا لها، وترصد الرواية بعض الشخصيات بفهم عميق للطبيعة الإنسانية ودوافعها وأفعالها.

الشخصيات..

خيري عبد العزيز: روائي في الخمسين من عمره، طيب وهادئ، يتعامل بلطف مع الجميع، كتب عدد من الروايات حققت له شهرة كبيرة، متزوج من مذيعة وله أولاد، لكنه يعيش معذب طوال حياته بذنب افتقاد أمه وظنه أنه من تسبب في قتلها، مما يؤثر على حياته فيما بعد ويجعله يميل إلى الخضوع.

سليم الصوفي: كان زميلا ل”خيري” في الجامعة، شاب وجد نفسه يعيش في حوش لنساء يعملن في البغاء، ووجد نفسه منسوبا للقواد الذي يدير عملهم، لكنه كافح ليخرج من مصيره البائس بالتفوق في التعليم، واستطاع أن يهرب من ذلك الحوش ويلتحق بالجامعة، ويعمل ثم يتزوج فيما بعد من سيدة غنية تدعى “وئام”، لكن تظل أمه موجودة تؤرق حياته فيقتلها في لحظة غضب ويدخل السجن.

رونق: شابة في العشرينات من عمرها، تضعها الصدفة في طريق “خيري”، حيث تقرأ إحدى رواياته وتعرف فيها شخصية أمها التي هربت وهي صغيرة مع عشيق لها، فتلاحق “خيري” وحين يراها يتعامل معها بوله من استعاد ماضيه، ويخلط بينهما وبين أمها “زينب”.

كوثر: زوجة “خيري”، سيدة مثقفة ومتعلمة، تكتب في الصحافة ثم تعمل في إحدى القنوات مذيعة، لتصبح بعد عشر سنوات مذيعة شهيرة لكنها مع ذلك ليست سعيدة في زواجها، ف”خيري” يتعامل معها بجفاء وكأنه حاضر غائب.

محجوب: مدير القناة التي تعمل بها “كوثر”، كان يعاملها بقسوة طوال عشر سنوات ثم تكتشف أنه معجب بها وتنجذب في البداية له، لكنها ترفض التورط أكثر في علاقة معه.

الرسام المتشرد: شخصية داخل رواية “خيري” التي توجد داخل الرواية، وهو رسام يقرر هجرة حياته الطبيعية والعيش كمتشرد لا يمتلك شيئا، يختار أن يهجر الحياة بإرادته لأنه يتعذب من ماضيه ومن هجر حبيبته له.

عم صالح: شخصية داخل رواية “خيري”، رجل عجوز فقد زوجته وابنته فيحاول أن يعوض فقده بالتواصل مع الناس وببذل العطاء لهم.

الراوي..

تتميز الرواية بتعدد الأصوات مما يمنحها ثراء وتنوعا، فالكاتب يترك الحرية لأربع شخصيات في التعبير عن نفسها وهم: (سليم الصوفي ورونق وخيري وكوثر) لكن خيري لا يحكي بصوته وإنما من خلال مسودة رواية “طين لازب”، رواية يكتبها لكن يتبين في النهاية أن البطل هو “خيري” وأنه يكتب نفسه وعذاباته، توزعت الرواية على هذه الأصوات الأربعة لتنتهي بمسودة رواية “خيري”.

السرد..

تتمتع الرواية بحبكة محكمة، يتوالي السرد بين الأصوات الأربعة لنكتشف الشخصيات الأربع الرئيسية والرابط بينهم “خيري”، لا تعتمد الرواية على التشويق بقدر ما تعتمد على سبر غور النفس الإنسانية وتعقيداتها، فهي تقدم شخصيات حية لها معاناتها وأفكارها وطريقتها في عيش الحياة. تقع الرواية في حوالي 223 صفحة من القطع المتوسط.

عذاب الفصل بين الروح والجسد..

أهم فكرة تعتمد عليها الرواية هي الفصل بين الروح والجسد، وكأنهما اثنان يمكن الفصل بينهما بالفعل، أكثر من يعاني من هذا الفصل “خيري عبد العزيز” الذي وجد نفسه وحيدا ومعزولا منذ الطفولة، ماتت أمه بمرض القلب وظل حاملا إثم موتها، ظانا بعقل الطفل الصغير أنه هو من تسبب في موتها بسبب عدم إطاعته لأوامرها، وظلت هذه الفكرة تعذبه سنوات طويلة مع إهمال والده له ثم زواجه بأخرى، فنشأ طفلا انطوائيا، مع تعرضه لانتهاك جسدي من أحد أقاربه الذي عاش لفترة في بيت أبيه، على اعتبار أن ما رواه في مسودة روايته “طين لازب” هو حكي عن نفسه، مستتر في شكل رواية، هذا الانتهاك الجسدي جعله يحتقر الجسد ومطالبه ويعتبرها مطالب آثمة ومدنسة، وقرر الفصل بشكل حاد بين الروح والجسد مما أعاقه فيما بعد من ممارسة علاقة حب سوية حين التقى بزينب زميلته في الجامعة، فقد أعلى من شأن الاتصال الروحي بعيدا عن الاتصال الجسدي، وكأن الاتصال الروحي يمكن أن يكتمل دون اتصال جسدي، مما جعل زينب تهرب منه بلا رجعة لرفضه الزواج منها، وظل طوال حياته يتعذب بذلك الهجر.

عاش “خيري” حياته مقتنعا أنه لابد أن يكون مطيعا خاضعا، وتزوج من “كوثر” التي رشحها له والده لينسى حبه، لكنه لم يكن زوجا بالمعنى الدقيق، فقد كان تابعا لا شريكا مما أثقل على “كوثر” وأشعرها أنها هي التي تتحمل عبء هذه الحياة الزوجية وحدها، ولم يكن قريبا منها جسديا لأنه كان يعيش وهم انفصال الروح والجسد، والذي عبر عنه في مسودة روايته، وجعل الرسام المتشرد يرفض الاتصال الجسدي بحبيبته مما أدى إلى هجرها له.

في المقابل يرى “سليم الصوفي”، الذي تربي في حوش بيع الجسد، أن الجسد هو الأساس وأن الاتصال الجسدي بالمرأة هو الغاية الوحيدة منها، وحين اكتشف وسامته أصبح يصاحب السيدات ويستغلهن ماديا، لكنه حين يتواصل مع “خيري” بعد دخوله السجن تتغير أفكاره ويصبح أكثر تفهما لخيري وأفكاره وعذاباته.

أما “كوثر” فإنها تتسامى على حاجات الجسد، التي لا يلبيها لها “خيري” الذي لا يقترب منها إلا في مرات نادرة، وتركز على النجاح في العمل، وحين يحتضنها “محجوب” تنبهر بإحساسها بجسده، وبعرق ينبض في رقبته، لكنها لا تستسلم وتهرب من أمامه.

“رونق” تعيش بحرية لأن أباها لا يهتم بها، بالأحرى هو يتعمد تجاهلها لأنها تذكره ب”زينب” التي هجرته لأجل عشيق آخر، ومع هذه الحرية لا تشعر بذاتها إلا حين تقترب من “خيري” ويلمسها بحنان وود، تجد في اقتراب “خيري” منها الأمان المفقود التي لم تشعر به طوال حياتها، لكنه يعذبها بكونه يرى فيها “زينب” التي هجرته فقط، حتى حين ينتصر “خيري” على مأزق حياته ويتقرب من “رونق” ويتصل بها جسديا لا تفرح بذلك، لأنه يضاجع شبح “زينب” في جسد “رونق”. وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.

الرواية شديدة الروعة تتميز برصدها لأعماق النفس البشرية ودوافعها وعذاباتها ومخاوفها التي تلاحقها سنوات طويلة، كما ترصد كيفية تخلص الإنسان من تلك المخاوف التي أرقته وتمرده عليها في لحظة كشف، مثلما فعل “خيري” حين تمرد على خضوعه الطويل وأمسك بالفرشاة ورسم، حقق رغبته التي كبتتها أمه داخله منذ الطفولة، كما تحرر من وهم أن  الجسد مدنس واتصل ب”رونق” جسديا وهو غارق في تمثل الماضي ظانا أنها “زينب”.

الكاتب..

“محمد الطيب” روائي سوداني، يمتهن الصيدلة، ويكتب الرواية والمقالات، صدرت له رواية “الحبل السري” عن دار ثقافة للنشر 2016، و”روحسد” عن الدار العربية للعلوم ناشرون في 2017، وينتظر صدور روايته الثالثة “في بلاد السين أولاد الخونة”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة