أستعراض
تمثلت أزمة احداث داعش، أحدث موجة من مسلسل الاستهداف المباشر ضد الاقليات الدينية والاثنية في العراق منذ عام 2003، وفي واقع الأمر هي مبنیة على عقد مضى من الاضطهاد التي تستهدف شعوب بأكملها، ولیس فقط الافراد، وبالتالي فان هذه المجتمعات
هي في موضع خطر مستمر.
ويعتبر الاشوريون المسيحيون أحد الشعوب الاصلية التي يشملها هذا الخطر وهو التهديد الوجودي وعدم استمرار بقاءها في موطنها التاريخي، وهذا يعد الفرق من حيث اثر الضرر الذي تختلف به الاقليات عن باقي المجتمعات الكبيرة التي تعرضت ايضا لاستهداف
داعش. ويرجع ذلك الى تفاقم دور التنظيمات الاسلامية المتطرفة دينياً والتي مثلها تنظيم داعش وتاثير اعماله الارهابية التي ارتكبها عام 2014 على المسيحيون طوال ثلاث سنوات من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ونية الابادة الجماعية، وتداعياتها ما بين التهجير
من مناطقهم الاصلية، وبين البقاء فيها مستضعفين تحت التهديد من خلال ممارسات التمييز اوالتغيير الديموغرافي. ومن الضروري اتخاذ التدابير اللازمة كحلول جذرية وليس تدابير وقائية للحد من هذا الخطر المؤدي الى افراغ العراق من شعب اصيل عاش لاكثر من
سبعة الاف سنة في موطنه التاريخي. وتاتي اهمية الموضوع لتشخيص الخطر الذي يتعرض له الاشوريون من عدم استمرار وجودهم واسبابه؟ والوقوف على تاثيره وتداعياته وتداركها من حيث تعرضه لخطر التهديد الوجودي، وصولاً لايجاد الحلول المرجوة للحد من هذا
الخطر .
ماهو داعش واسباب استهدافه للآشوريون؟
داعش ISIS-ISIL-IS هو تنظيم اسلامي متطرف دينياً يتبع العقيدة السلفية الجهادية، ظهر عام 2014 وسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا من اجل تاسيس دولة الخلافة الاسلامية وتطبيق الشريعة، وتسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام ولاحقا سميت
بالدولة الاسلامية، وزعيمها لقب بابو بكر البغدادي واخذت من مدينة الموصل في نينوى عاصمة لها. ادرج التنظيم كمنظمة ارهابية من قبل الامم المتحدة حيث قام باضطهاد المدنيين وارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وجريمة ابادة جماعية في مناطق نفوذه. وقد
استهدف داعش الاشوريون المسيحيون في الموصل وسهل نينوى بسبب استهدافه لكل مختلف عنه عقائدياً وحاله كاي تنظيم متطرف فهو يعد الاخر مكفراً لاختلاف انتمائاته مالم يتوب وينضوي اليه، ولذلك فالاشوريون يعتنقون المسيحية كديانة ولهم ثقافة وتاريخ قومي
منذ الاف السنين والتي يعدها التنظيم وثنية ومرفوضة لديه.
تأثير داعش على الاشوريون.
التهديد الوجودي Existential Threat هو تأثير داعش على الاشوريون، ويشير هذا المصطلح الى استمرار وجود امة او شعبها او حكمها، وبالعموم شيء يشكل تهديداً على الوجود، وبشكل اكثر تفصيلي قيام مجموعة لها القدرة وبشكل مستمر على تغير قيم مجموعة
اخرى وطريقة حكم نفسهم رغما عن ارادتهم. اي طريقة تجبر على تغيير غير مرغوب او غير مرحب به في طريقة الاختيار بحرية للحياة.
ماقام به داعش من اعمال ارهابية بحق الاشوريون توصف بانها جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب كون هذا الشعب تعرض لعملبات تطهير عرقي وجينوسايد بمختلف انواعها وقد اعترفت العديد من الدول بذلك مثل مجلس العموم البريطاني والكونغرس الامريكي وبعض
دول الاتحاد الاوربي وكذلك البرلمان والحكومة العراقية، وهذه الممارسات تعد تهديداً لوجود المسيحيون الاشوريون في موطنهم. فمنذ سيطرة هذا التنظيم على مدينة الموصل في 10 حزيران2014 اصدر برقيات تهدد بقاء المسيحيون في الموصل وذلك اما باعتناق الاسلام
ودفع الجزية او ترك المدينة او قطع رؤسهم، وهذا مادعى الى تهجير اخر 20 الف مسيحي كانوا متبقين في المدينة وتركوا كافة ممتلكاتهم ومصالحهم ليستولي عليها هذا التنظيم الارهابي. وامتد ذلك الى منطقة سهل نينوى التاريخية لسكان الاقليات فتم اجتياحها بعد
شهرين والسيطرة عليها وتهجير جماعي لسكانها والاستحواذ ايضا على ممتلكاتهم واراضيهم وحرق دورهم وخطف عدد منهم مازالوا مفقودين لحد اليوم، ولم يكتف الامر على هذا بل الى اضرار مايقارب 184 كنيسة او دير او مزار في نينوى بتخريبها وتدنيس مقدساتها بعد
تحويل اغلبها الى مقار او معسكرات للتنظيم وفق احصائيات كنسية، وتعرض مدن اثرية للتفجير وهدم اثارها وسرقتها مثل النمرود وبوابات نينوى كبوابة نركال وادد والمسقى وقصورها كقصر اسرحدون تحت جامع النبي يونس وقصر سنحاريب في تل قوينجق وفق مركز
كلكامش لحماية الاثار والتراث. فقد قام هذا التنظيم الارهابي بمحاولات القضاء على المكون المسيحي الاشوري من خلال تدمير ارثه الثقافي المتوغل في القدم من نشاة حضارة بلاد النهرين ومسح ماضيه وتواصله الحضاري، وكذلك من خلال انهاء والغاء عقيدته الدينية
المسيحية التي اعتنقها منذ الفين عام باستخدام القوة، وقد تجاوز ذلك باستهداف حياتهم الطبيعية باستخدام العنف في مناطقهم وتخريبها وتدميرها والاستيلاء عليها.
واقع الاشوريون بعد استهدافهم من قبل داعش
الهجرة او البقاء مستضعفين تحت التهديد، فهو الاثر الناجم من جرائم داعش الارهابي على وجود هذا المكون، فاما وقوعهم تحت تاثير التهجير وهو الاصح تعبيراً من الهجرة بسبب ما قامت به داعش من ممارسات ارهابية، فبعد سيطرتها على مناطق تواجدهم التاريخية
وتهجيرهم القسري ونزوح اكثر من 38 الف عائلة اي مايقارب 190 الف فرد حسب احصائية الاغاثة للجمعية الاشورية الخيرية لعام 2015 الى مناطق مختلفة داخل الوطن وبالاخص في اقليم كوردستان في دهوك واربيل وامتداد حوالي نصف هذا النزوح الى دور الجوار
من تركيا ولبنان والاردن كمحطة اولى للهجرة الى الدول الغربية مثل اميركا وكندا واستراليا ودول اوربا كالسويد والمانيا وفرنسا والالتحاق بابناء جلدتهم الذين سبقوا وان تشتتوا الى هذه الدول منذ بداية التسعينات من القرن الماضي وفي موجات مختلفة بسبب اضطهادهم من
قبل النظام السابق او بسبب استهدافهم من قبل المجاميع الاسلامية المتطرفة بعد عام 2003 وبالمقابل استمرار تهميشهم من قبل السلطات في بغداد واربيل بسبب التمييز، وايضا كانت للعوائل المسيحية الساكنة في اقليم كوردستان نسبة من الهجرة رغم عدم وصول داعش
اليها كردة فعل بسبب كونهم يعيشون تحت التهديد من الاستهداف المستمر. وقد كانت سهل نينوى من المناطق التي لجأ اليها المسيحيون ابان موجات استهداف مباشرة في بغداد وكركوك والموصل للاعوام 2004 و2008 و2010 وتزايد سكانها ليصل الى اكثر من
150 الف نسمة حسب احصائيات للكنائس والادارة المحلية بعد ان كانت نسمة السكان المحليين مايقارب 110 الف مسيحي، ولكن حالياً وبعد تحريرها فلا تتجاوز نسبة العائدين لها 55% من سكنتها مع بقاء البعض في مناطق النزوح الداخلي وعدم عودتهم بسبب
استمرار الحرمان من التوفير الجيد للظروف المعاشية او الامنية او الخدمية والاهم عدم تعويضهم عن تدمير ممتلكاتهم الخاصة وبطء اعادة البنية التحتية او رداءة تنفيذها رغم اعلان منطقة سهل نينوى بالمنكوبة بقرار من مجلس النواب العراقي بتاريخ 26/يناير/2017،
وبالتالي فان هجرة السكان الاصليين من مناطقهم التاريخية قد يعرضها للتغيير الديموغرافي واختفاء معالمها الحضارية التي تخص تراثهم الثقافي المتأصل فيها ومن ثم تغلب طابعه الجديد المختلف عن طابع السكان الاولون لهذه المناطق، وهنا سيعد التغيير الديمغرافي
عامل اخر لعدم بقاءهم وهجرتهم كلما اقتدروا على ذلك لكونهم سيعيشون باستضعاف ويشعرون بكونهم تحت التهديد المستمر من جوارهم المختلف دينياً واثنياً عنهم ويحسبونه بانه سيستهدفهم قريباً بسبب ماجرى لهم في مراحل متتابعة وخاصة من قبل جيرانهم، فمثلا في
مركز قضاء تلكيف كان عدد العوائل الاشورية مناصفاً مع العوائل العربية التي استقدمها النظام السابق في حملته لتعريب المناطق وثم اصبح مايقارب 500 عائلة قبل احداث داعش وحاليا لا يوجد فيها سوى 14 عائلة، وكذلك الحال في قصبة باطنايا العائدة لقضاء
تلكيف فكان عدد عوائلها يقارب 900 عائلة وحاليا لم يعد اليها ولا فرد بسبب هجرتهم وبقاء منطقتهم مدمرة. والحال مشابه لمدينة الموصل التي بقيت فيها جميع الكنائس والاديرة لحد الان مهدمة وبدون رعايا لعدم تمكنهم من العودة للموصل بسبب تخوفهم من تهديد
المتطرفين او استمرار عمليات التمييز بحقهم سواء من الاصوليين او من مجتمع الاغلبية المختلفة او من السلطات الرسمية التي لا تهتم لشؤونهم.
والتخوف من هذا الامر هو بعدم تمكن العوائل من العودة وبالتالي هجرة مناطقها وبالمقابل قدوم او استقدام اخرين لاسكانها، وهذا ما حصل عبر تاريخ الاشوريين في العراق الحديث عندما نزحوا من مناطقهم بسبب الحروب فلم يستطيعوا العودة اليها اما لكثرة التجاوزات
عليها لاحقاً من قبل جيرانهم الاكراد في اقليم كوردستان او استمرار تهميشهم وعدم تسهيل عودتهم بل حرمانهم من ابسط امور العيش الكريم مقابل دعم المتجاوزين وتوفير الفرص لهم وبتمييز واضح، وبالتالي بقائهم مشردين وخسارة مناطقهم التاريخية وتغيير ديمغرافيتها مما
يجبرهم على تركها وترك الوطن بدافع تهجيرهم والاستيلاء على مناطقهم لمحو وجودهم من ارض الاباء والاجداد.
الضمانات الكفيلة للحد من خطر التهديد الوجودي
تشريعات ايجابية. على البرلمان العراقي وضع التشريعات حتى وان كانت باتجاه التمييز الايجابي للاشورين المسيحيين ولبقية المكونات الدينية والاثنية حرصاً منها على تعزيز وجودهم كجزء من المواطنة العراقية وخاصة بعد اقرارها لعدد من القرارات التي اعترفت فيها
بتضررهم وتدمير مناطقهم واستهدافهم من قبل الارهابيين ووضعت بعض الحلول ولكن سيكون اهمها حماية خصوصيتهم في مناطقهم من خلال تشكيل ادارة محلية لامركزية تتمثل باستكمال استحداث محافظة في منطقة سهل نينوى وفق قرار مجلس الوزراء في
24/1/2014 والحكم الذاتي في اقليم كوردستان حسب دستوره المحلي، ليتمكن هذا الشعب من استعادة حياته في ارضه التاريخية. كما وان موضوع مكافحة الفكر المتطرف الذي يعد من اهم الازمات التي يعاني منها العراق وبمستوى الفساد يحتاج الى تشريعات لمنعه
ومكافحته وخاصة من خلال تغيير المناهج التربوية والسيطرة على المنابر والمراكز الدينية التي ستدعو الى التطرف.
حكومة رشيدة. تهتم ببرامج استعادة التعايش السلمي بين المكونات المختلفة في المناطق التي كانت تحت احتلال داعش وتمكين الاستقرار فيها من خلال تأهيل البنية التحتية واعادة الاعمار ودعم المشاريع الاقتصادية الشائعة وفتح السوق للاستثمارات، وقد نؤشر الاهم
والعاجل من هذه الحلول هو في تعويض المتضررين عن املاكهم الخاصة فذلك دليل على رعاية الدولة لمواطنيها وانهاء معاناتهم.
ضمانات دولية. لا تتمحور حول التدخل الدولي في شؤون العراق الداخلية وانما من خلال متابعة تطبيق المعاهدات والاتفاقات الدولية المشارك بها العراق ومن اهمها الالتزام بلائحة حقوق الانسان وحماية الاقليات والشعوب الاصلية واتخاذ كافة التدابير اللازمة بما يضمن
وضع الحلول الجذرية للمحافظة على بقاء هذه الشعوب في مواطنها الاصلية وحمايتها من الاندثار او تهديد وجودها وتعزيز حقوقها ومطالبها، وعدم الاكتفاء بمعالجات بسيطة لا ترتقي الا لمستوى الاغاثة او المساعدات الوقائية.