خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يقوم الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، حاليًا بزيارة إلى “ألمانيا”، في توقيت يراه البعض حرجًا، للمستشارة الألمانية، “إنغيلا ميركل”، نظرًا لما تمر به من مشاكل حزبية وسياسية داخلية.
كما أن الرئيس التركي نفسه قد تسبب كثيرًا في خلق أزمات مع الألمان. وعليه فإن صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية ترى أن “إردوغان” شخصية غير مُرحبٍ بها في “ألمانيا”.
زيارة في التوقيت غير المناسب..
بحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن المستشارة الألمانية، “ميركل”، تمر حاليًا بأيام عصيبة، فهي لم تنجح حتى الآن في إنقاذ حكومتها من الأزمة الخطيرة التي تهدد مستقبلها، بعد التصريحات السياسية التي أدلى بها رئيس سابق لجهاز الاستخبارات الداخلية، وهي الآن تعاني من ضربة مؤلمة أخرى داخل حزبها جراء الإطاحة بأحد المقربين لها من رئاسة كتلة “حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي” في البرلمان. بما يعني سحب الثقة من الحزب الحاكم، الذي تتزعمه منذ 18 عامًا.
إن المستشارة “ميركل” – التي تمر بأصعب أيامها – تحتاج الآن إلى قسط من الراحة كي تتمكن من إعادة حساباتها. لكنها ستواجه دوامة جديدة مع مستهل الزيارة الرسمية التي يُجريها الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، لبلادها.
الزيارة الأولى لـ”إردوغان” في منصبه الجديد..
تُضيف (إسرائيل اليوم)؛ أن هذه الزيارة تُعد الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها، “إردوغان”، لألمانيا منذ انتخابه لمنصب الرئيس في عام 2014. وخلافًا لزياراته السابقة، عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، فإن زيارته الحالية تثير موجة واسعة من الاحتجاجًات قد تؤدي إلى أعمال عنف في الشوارع. وصحيح أن الرئيس الألماني، “فرانك فالتر شتاينماير”، هو المُضيف الرسمي لنظيره التركي، وليست “ميركل”، لكن مجرد إجراء تلك الزيارة، يُعد في نظر العديد من مُنتقدي المستشارة الألمانية وكأنه دليل آخر عن سياسة الخنوع التي تنتهجها الحكومة تجاه السلطان التركي.
تعزيز صلة التواصل مع أتراك المهجر..
منذ أن أصبح “إردوغان” رئيسًا للوزراء، في عام 2003، عمل بشكل ممنهج على تعزيز صلة الترابط بين الأتراك في الخارج وبين وطنهم. وبعدما فشل في استيعاب المهاجرين الأتراك المقيمين في البلدان الغربية، وخاصة في “ألمانيا”، لجأ إلى تعزيز الهوية الوطنية التركية والدينية الإسلامية في نفوس الجاليات التركية المُقيمة في الخارج.
وسعى “إردوغان” لإنشاء مؤسسات تعليمية تركية لتنشئة أطفال المهاجرين، وأرسل الدُعاة الإسلاميين لإدارة شؤون المساجد والتجسس على خصومه السياسيين، كما منح الأتراك في الخارج حق التصويت.
وفي مقابل ذلك قدم له، المهاجرون، الدعم الكامل في جميع الحملات الانتخابية والاستفتاءات التي أجراها.
سياسة “إردوغان” تقوض المجتمع الألماني..
ترى الصحيفة العبرية أن النهج الذي اتبعه “إردوغان” أدى إلى تقويض جهود السلطات الألمانية لإدماج المهاجرين الأتراك وإنخراطهم في المجتمع الألماني، وأنشأ فعليًا كيانًا اجتماعيًا تركيًا داخل الأراضي الألمانية. وازداد التوتر إلى أن بلغ مداه، عندما تم التقاط صورة لأحد أعضاء فريق المنتخب الوطني الألماني لكرة القدم، وهو اللاعب “مسعود أوزيل”، مع الرئيس “إردوغان” عشية الانتخابات الأخيرة.
وأثارت تلك الصورة – التي اعتبرها البعض دعمًا لرئيس أجنبي – انتقادات شديدة في “ألمانيا”، فاضطُر اللاعب، “أوزيل”، لترك “المنتخب الوطني الألماني”، وأخذ على إثرها يروج شائعات بأنه تعرض لمعاملة عنصرية.
استفزاز مشاعر الألمان..
بدأ “إردوغان”، مع انتخابه رئسًا لبلاده، يتعمد تصعيد التوتر مع “ألمانيا” على عدة مستويات، حيث ألقى بمواطنين ألمان في السجون، من بينهم صحافيين، وذلك بحجج واهية مثل قيامهم بتقديم الدعم لمنظمات إرهابية؛ كما أنشأ في “ألمانيا” شبكة واسعة من الجواسيس لمتابعة خصومه السياسيين، بل إنه طالب بكل وقاحة أجهزة الأمن الألمانية بتقديم المساعدة له في ملاحقة خصومه.
ليس هذا فحسب؛ فقد قام “إردوغان” بإهانة السياسيين الألمان الذين انتقدوا نظامه في “تركيا”؛ ووصف بعض المسؤولين الألمان بأنهم “نازيين” لأنهم رفضوا السماح له بعقد مؤتمرات انتخابية في “ألمانيا”. كما منع مبعوثين رسميين من زيارة الجنود الألمان المتواجدين في قواعد تركية ضمن تشكيلات حلف (الناتو).
ترحيب رسمي وغضب شعبي..
لقد وجه “إردوغان” الإهانات لـ”ألمانيا” في كل مناسبة، ورغم ذلك فإنهم الآن في “برلين” يفرشون له السجادة الحمراء لاستقباله، ويقيم الرئيس الألماني مأدبة عشاء احتفالية تكريما له. وسيفتتح “إردوغان” في “ألمانيا” أحد أكبر المساجد في أوروبا، بإشراف هيئة دينية إسلامية تمثل ذراعًا لـ”تركيا”، ويقوم الدعاة التابعين لها بالتحريض على الغرب ومعاداة السامية.
إن هذا التملق من جانب السلطات الألمانية، تجاه ذلك الحاكم غير الديمقراطي، لن يمر مرور الكرام، فـ”الجالية الكُردية”، الضخمة المتواجدة في “ألمانيا”، تدعو للقيام بمظاهرات حاشدة ضد “إردوغان”. وهناك بعض كبار المسؤولين، منهم قادة لأحزاب المعارضة، أعلنوا عن مقاطعتهم لحفل العشاء الذي سيُقام تكريمًا للضيف القادم من “أنقرة”.
ألمانيا تهدر المباديء حفاظًا على مصالحها !
ختامًا تشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أنه حتى لو تجرأ بعض كبار المسؤولين الألمان على توجيه أي نقد في حضور “إردوغان”، فسيكون ذلك مجرد كلام لا طائل من ورائه. لأن “ألمانيا” التي تحُث الآخرين على الأخلاق والفضيلة، تتناسى قيمها الأخلاقية عندما تدافع عن مصالحها. وأمام “تركيا”، فلا يتعلق الأمر فقط بالحفاظ على المصالح الدبلوماسية أو الاقتصادية، وإنما الحفاظ على سلامة المجتمع الألماني نفسه. وهنا يتضح كيف استطاع “إردوغان” أن يُحول “ألمانيا” إلى جزء من “تركيا”.