27 ديسمبر، 2024 2:39 م

الربيع السوري….إلى أين؟

الربيع السوري….إلى أين؟

لاشكّ أنّ الدولة بسوريا تحولت من لاعب بالمنطقة إلى ملعب للقوى الدولية، وهذا مما لاشك فيه تراجع عمّا حققه الراحل حافظ الأسد من إنجازات على مستوى السياسة الخارجية لسوريا, و لعلّ ما يثير انتباه المراقبين العرب وجود عدد من الدول التي لا تزال تلعب دور المساند لبقاء الدولة في سوريا، وهذه الدول تتحرك بقوة للحفاظ على الوضع القائم ولكل من هذه الدول أسبابها الخاصة، ولعل المراقب العربي لا يتحرك بما وراء اللّعبة الدولية من أمور، لذلك تظلّ العديد من الأمور خافية عليه, عند قراءتنا لمواقف دول معينة مثل الصين, نجد أنّ موقفها هو امتداد للصراع الحاصل بينها و بين الاستكبار العالمي في أفريقيا على الموارد الطبيعية، فنستطيع أن نقول إن هناك معركة كسر عظم بين الجهتين، ناهيك عن الصراع الدائر على الغاز الموجود بكميات مهولة وكبيرة جداً على شواطئ الشام ولبنان وفلسطين المحتلة، والذي يحدّد بدوره شكل الصراع وآليات اتخاذ القرار في الصراع الجاري حالياً بسوريا خصوصاً، فمن يمتلك الطاقة هو من سيصبح سيد العالم القادم, وهذا أحد العوامل التي تحدد أيضاً الموقف الروسي الذي يرتبط بحلف استراتيجي قوي ومتين مع الدولة السورية منذ السبعينيات، تعزّز مع عودة الدولة الروسية بقيادة بوتين إلي الواجهة ومساهمة الروس بإعادة بناء الجيش العربي السوري من جديد عام 2005، والموقف الحليف كذلك يرتبط بمصالح روسيا بالبحر الأبيض المتوسط، فهي ليس لديها موقع بحري تستطيع فرض هيمنتها الإقليمية عليه إلا من خلال ميناء طرطوس، والروس يخافون من تراجع نفوذهم الإقليمي بفقدانهم طرطوس كقاعدة والخوف يزداد أكثر و أكثر مع الضغط الأميركي على الهند والتي تعطي الروس أيضاً صلاحيات استخدام قاعدة بحرية على المحيط الهندي.
 
إذأً، الروس يخافون من الخنق الأميركي الذي يتم التحضير له على المدى البعيد، وهذا كلّه مخلوط إذا صح التعبير مع مراقبة الروس للدفع الأميركي الغريب للجماعات المسلحة في سوريا، ومحاولة الأميركان فرض نوع من الإسلام الأميركي على المنطقة، والذي يتحرّك طائفياً أكثر مما يتحرّك إسلامياً، ويتحرك بالكراهية أكثر ممّا يتحرك قرآنياً، وهذا النوع من الإسلام إذا حصل على قاعدة انطلاق قريبة من الحدود الروسية سيشكل مصدر قلق واضطراب استراتيجي لروسيا لما يشكله المسلمون هناك من نسبة كبيرة، وكذلكا جمهوريات آسيا الوسطى.
و أما موقف النظام الإسلامي المقام على أرض إيران فهو محصلة تقاطع مشروعين استراتيجيين بالمنطقة، وتلاقي مصالح مشتركة بين نظامين، فسوريا تتحرك بمشروع الجبهة المشرقية والتوازن الاستراتيجي مع الصهاينة لفرض تسوية تعيد لهم الجولان المحتل وتفرض نوعاً من الحقوق للشعب الفلسطيني كتكتيك مرحلي واقعي لموازين القوى الحالية .
والجمهورية الإسلامية تتحرك بمشروعها لفرض نوع من النفوذ الإمبراطوري الإقليمي الذي يفرض نقاط نفوذه من باكستان إلى فلسطين المحتلة بالتعاون مع الأتراك والأردنيين. فالإيرانيون يريدون فرض جبهة نفوذ إقليمي على قوى الاستكبار العالمي تحمي نظامهم الداخلي من السقوط والانهيار وهذا هو مشروعهم.
لذلك لكل جهة أهدافها وخططها ومشاريعها، وهذه كلّها تتداخل لتشكّل وضعاً متشابكاً متداخلاً معقداً بالمشهد السوري العام والذي يتغذى على دماء الأبرياء وسط مصالح دول وإمبراطوريات..
أما بخصوص حزب الله اللبناني فأتصور أنّ قوته بالواقع اللبناني وتأثيره الدولي مرتبط من خلال علاقاته الإستراتيجية مع النظام الإسلامي المقام على أرض إيران، و لا أتصور أنّ الدولة بسوريا بحاجة إلى عشرات المقاتلين من الحزب وهي من تملك جيشاً كبيراً جداً، مسلحاً بأكثر من أربعمائة ألف جندي، ناهيك عن الحرس الجمهوري ومساندة الطبقات الاجتماعية التي تشكّل قاعدة للنظام القائم حالياً في سوريا, وما يقال عن تدخل حزب الله في سوريا بتصوري أنّه يتحرّك بخطّ الدعاية الإعلامية والبروباغندا لا غير.
و لعل الدعم إعلامي  ونفسي وتعاون استخباراتي أكثر ممّا هو تدخل مباشر لأن ليس لحزب الله القدرة الواقعية لذلك.
مما لا شكّ فيه أنّ حزب الله جاهز لكافة الاحتمالات والسيناريوهات، سواء سقط النظام أم بقي، فللحزب قوّته المعروفة والتي تشكل رادعاً لأي أمر يقوم فيها أعداؤه، أو أدواتهم من أخصامه الداخليين على غرار أحداث السابع من أيار الشهير..
وقد وجه مؤخراً السيد حسن نصرالله عدة نصائح للمغامرين بعدم الخطأ في الحسابات وحشر حزب الله والمقاومة في الزاوية مما يجعلها مضطرة للرد بقوة حاسمة حين تشعر بالخطر عليها… فعلى العقلاء في الجهة المقابلة عدم المغامرة والاعتداء على حزب الله، إلا إذا كانت القوى الدولية تريد التخلص من هؤلاء حين تأتي التسوية…
إن حزب الله باعتقادي ينتظر نتائج ماذا سيحصل بسوريا أكثر من تدخّله بالصراع مباشرة، لأنّه يريد أن ينجح المشروع الاستراتيجي للنظام الإسلامي المقام على أرض إيران لكي يتمّ فرض معادلات دولية تجبر خصومه الحاليين من جماعة 14 أذار على التحالف معه قصراً وهذا هو واقع اللعبة الداخلية اللبنانية والتي تتأثر بالخارج ولا تؤثر عليه.
إلى ماذا سينتهي الصراع بسوريا؟
لا أتصور أنّ لدى أيّ أحد إجابة سحرية على هذا السؤال، فالسيناريوهات كلّها مطروحة والمشكلة أن ليس هناك مصادر محايدة في معركة كسر عظم حقيقي تجري الآن بسوريا ونتائجها ستشكّل خارطة جديدة لعالمنا العربي، ومناطق نفوذ جديدة ولكن أتصوّر أن الأميركان سعداء باستنزاف موارد المنطقة وإنهاك آخر جيش عربي يستطيع القتال الواقعي على الأرض، و أيضاً تدمير قلعة ضخمة للصمود العربي ضدّ المشروع الصهيوني الذي يريد الحياة و فرض نفسه على المنطقة.
 
إن الاستكبار ومصالح الدول لا تعرف العاطفة ودماء الأبرياء لا تمثّل لها شيئا إلا لاستخدامها بالدعاية التحريضية لكسب الرأي العام ولكسب معركة التاريخ الذي سيوثق ما يجري حالياً في المستقبل، فالاستكبار الدولي منافق لأقصى درجة فهو شيطان أكبر يريد للتاريخ أن يكتب عن ملائكيته!
إن الدولة بسوريا وحلفاءها يريدون فرض واقع تفاوض، والاستكبار يريد فرض حالة من الانهيار الدراماتيكية على الدولة السورية، و بين هاتين الجهتين الضاغطتين يموت السوريون ولا عزاء لهم إلا عندما يراد أن تتمّ المتاجرة بدمائهم بالإعلام أو استغلالهم جنسياً بالمخيمات من السياح الثوريين!.

[email protected]