تعد واقعة الطف الكربلائية الحسينية واحدة من الثورات الأممية المجيدة في العالم التي غيرت وجه التاريخ فقد تميزت هذه الثورة الكبيرة بكل تفاصيلها وتداخلاتها وشخوصها وأبطالها بأنها أنتصرت للحق وأعلت كلمة الله ورسوله رغم استشهاد بطلها وقائدها الأمام الحسين عليه أفضل السلام، حيث أنتصار الدم على السيف، وهذا شكل العنوان الأبرز لهذه الملحمة البطولية، كما أن قصة هذه الثورة صارت ألهاما للكثير من قادة الثورات في العالم في عصرنا الحديث. ومن المعروف ان كل الثورات التي حدثت وتحدث في العالم هي بسبب الظلم والجور الذي يمارسه الحكام وطغيانهم وفسادهم،ولم تكن ثورة الأمام الحسين بعيدة عن ذلك، بل هو ثار ضد ظلم وتجبر وطغيان وفساد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، وتؤكد كتب التاريخ والسير بأنه لولا ثورة الحسين لربما كان الأسلام في خطرأو لربما ضاع الأسلام وأنتهى!. فثورته قامت ليس من أجل أقامة العدل والأصلاح في الأئمة الأسلامية فحسب بل لتصحيح مسار النهج الأسلامي الذي أصابه الكثير من التصدع والأنكسار والتشويه. لذا قدم الأمام الحسين نفسه وأهله وعياله وصحبه قربانا لتصحيح نهج الرسالة المحمدية العظيمة وهو القائل (أن كان دين محمد لم يستقم ألا بقتلي فيا سيوف خذيني). وقد شكل الماء وعطش الأمام الحسين وعياله الصورة الرمزية العليا في هذه الملحمة التاريخية وصورة مشهدها الدرامي الحزين، حيث أستشهد الأمام وأهله وذويه وهم عطاشى!، بعد أن منع عنهم جيش يزيد الماء!.لذا صار الماء وموضوع عطش الأمام وأهله أحد العناوين البارزة لهذه الملحمة.وقد تجلت في هذه الملحمة وتداخلاتها ومواقف شخوصها وأبطالها الكثير من صور الفداء ونكران الذات وأعلى درجات القيم الأخلاقية والأنسانية النبيلة وكان أحداها بشخص أبي الفضل العباس أخ الأمام الحسين عندما أبت روحه ونفسه وهو يملأ قربة الماء بعد ان أستطاع الوصول الى النهر أن يشرب الماء رغم عطشه الشديد عندما تذكر عطش أخيه وعياله، فآثر أن يموت عطشانا وهو يحاول أيصال الماء الى خيمة الأمام الحسين وعياله!.فما أشبه البارحة باليوم وما يجري في البصرة!، منذ أكثر من شهر هي ليست أنتفاضة مؤقتة وليست صرخة عابرة قد تخنقها رصاصة قناص عميل لئيم زنيم أو غازمسيل للدموع، بل أنها الثورة بكل صورها وتجلياتها ومعانيها، وعاد الماء وعطش أهل البصرة ليشكل قاسما مشتركا بين ما جرى في الأمس في ثورة الأمام الحسين وعطشه وما يجري اليوم في ثورة أهل البصرة وعطشهم!..لذا شكلت صورة الأمام الحسين وأهله وعياله وصورة ملحمته التاريخية الأثيرة ألهاما لثورة البصرة وأهلها الشرفاء الأبطال حينما تقرأ وترى صورة واقعة الطف وثورة الأمام الحسين في عيون المتظاهرين الثوار الذين تصدوا بصدورهم للرصاص الحي الذي أطلق عليهم وكم من شهيد سقط في ثورة البصرة وهو عطشان؟؟!.. ونعود للقول ، صحيح أن الماء شكل عنوان ثورة أهل البصرة ألا ان مضمون ثورتهم هو بسبب ظلم وتجبر وفساد مجلس المحافظة بكل أعضائه بعد أن تركوا اهل البصرة وهم غارقين بمشاكل وأزمات ليس لها أول ولا آخر، حتى صار المثل ( كالعيس يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول) يضرب على البصرة وأهلها لكونه الأكثر شبها وأنطباقا على حالهم وواقعهم!، فهي أم الخير الذي ينعم به كل الحكام والسياسيين! لكونها تصدر قرابة 5 مليون برميل من النفط ولكن عجزت الحكومة المركزية والحكومة المحلية وكل الأحزاب السياسية أن توفر لهم ولو برميل ماء نقي صالح للشرب!؟. لقد صبر أهل البصرة 15 عاما كما بقية أهل العراق بكل محافظاته ومدنه عسى أن ينظر أليهم الحكام بشيء من الرحمة والأنسانية ولكن أبت أخلاق الحاكمين وعيونهم أن تراهم بعد أن عمى الفساد أبصارهم وغشي قلوبهم، فكانت الثورة التي جاءت مصداقا لرفع الظلم والجور، وخرج أهل البصرة رجالا ونساء وهم يهتفون بهتاف بن بنت نبيهم العظيم محمد عليه أفضل الصلاة الأمام الحسين وهو يتصدى لقوى الجور والباطل بالقول (هيهات منا الذلة). أخيرا نقول أن الثورة بدأت ولن تتوقف ولن تخيفها رصاصات الغادرين ولا غازهم المسيل للدموع، أذا لم تضع الحكومة الحالية والقادمة والبرلمان الجديد الحلول السريعة لمعالجة كافة المشاكل والأزمات التي يعاني منها العراق منذ 15 عاما، فالقادم سيكون أكبر وأخطر. اللهم أحفظ العراق وأهله من كيد الكائدين، وأذا كانت للباطل جولة فاللحق جولات، فهذه صولة وجولة الحق قد بدأها ثوار البصرة وغدا ستلحقها جولات الحق ببقية المحافظات أن بقية أحوال العراق وشعبه على حالها.