24 ديسمبر، 2024 3:39 ص

دمعٌ في الهجير، نبعٌ يتمشّي فوق قدمين ، نُسكٌ يمرعُ في الياسمين ، اسمٌ يُحَزُّ على قارعة النهار . الوبلُ والإبلُ والخيلُ والسيلُ والجهلُ والمنهلُ العذبُ يواقيتُ يتزيّا بها ممشاي الملتهبُ.. أعذبُ من أيّ شيء الكلمة ُ ، حين يُستطابُ طعمُها . وحين يُطفيء اوارَالسعير .
…………………
هنا الليلُ مجرى حُلمي ، يهدأُ ويشتط ُّ ويتناسلُ ويتكاسلُ عن عمد أوسبق اصرار . طفلٌ يقرعُ باب مشاكسته فيُفتحُ له سبيلُ التمرّد على النصيحة . لكنّ النصحَ فيه شحنة ُ الإنضباط فيرتدّ عائداً الى رُشده . تعالَ الى النافذة ترَ غجراً افترشوا البلاطَ الزمهرير ، وسينامون ليلتهم لصقَ شقتنا . كانوا اضرموا ناراً يصطلون بها ويطبخون الطعام . دخان يُزكم الأنوف ، سخامٌ يُسورُ القدر الكبير ، حباتُ البطاطة تستقرُ في القاع ، اطفالٌ يتراكضون . عاد الطفلُ الى جهاز الكومبيتر النقّال ، يبحثُ عمّا يقطعُ به اوتار الملل . وأنا أكونُ في صقع آخر ابحثُ عن خالي الذي يترك بيته نصفَ عام من كلّ عام ويهيم على غير هدىً . أسألُ زوجته عنه فتجيب إنّه لم يُخبرني أبداً أين يذهبُ . وحين يعودُ في أيّة ساعة ينبغي أن يكون طعامُه جاهزاً والّا سيُشبِعني ضرباً ويُمزّقُ ثوبي الذي ارتديه . قلت / مع نفسي / : من المؤسف أن يُمزّقَ هذا الثوبُ الذي جعلكِ اصغرَ من عمرك أعواماً ، ثوبٌ ابيض مُغطىً بدوائر حُمر بحجم الفلس العراقي الملكي . وأضحكُ من حماقتي . نجلسُ في صالة تمتليء بالمقاعد . مقعدانا في الوسط وامرأةُ الخال تأتي وتروح ولا ندري ما تقومُ به ، الغجرُ المُنتشرون جوار شقتنا لم يناموا ، بل نام صغارُهم ، والكبارُ استغرقوا في الثرثرة . وستمضي بهم الليلة ُعلى حالهم . لم انمْ ، كنتُ في مكان آخر . كان خالي يجلس جوار سورعال على صفيحة تنك مقلوب ، واسلم َ رأسه ولحيته الى حلاق جوّال . ومن مكاني ناديته . حين سمعني انتفض واقفاً ورمى الملاءة البيضاء وغادر حاملاً حقيبته الجلدية الصغيرة . مضى والجاً زقاقاً . هنا انا الآن فوق مرتفع أعلى من بيوت الحي ، دلفتُ الى بيت كان بيت جدي . ووجدتُ مَنْ يسكنون فيه غرباء ، اعرف كلّ زواية فيه وأنا اروم ُولوجَه من المدخل والخروج من باب الصالة الى شارع آخر . استغربتُ وجودهم ولم يستغربوا اقتحامي البيت ، بل ذكروا اسمَي خاليَ الآخرَينِ/ أحدُهما علمانيّ والثاني سلفيّ معتدل /  وتجاهلوا اسم الثالث  / العبثي/ الذي أبحثُ عنه . اعتذرتُ ومضيتُ افتحُ الباب المُفضي الى الخارج . هناك كان مدرج طائرات قديم تستعرضُ عليه صفوفٌ من طلبة الكشّافة . كان صديقي / بدر / هو المشرف على المهرجان . من حُسن التوقيت أنني وصلتُ في آخر اللحظات وقد لحظتُ آخرَ صفّ ٍ من الطلاب . أنبأني بدرٌ أنّه رأى خالي داخلاً في الزقاق وبوسعنا اللحاق به . كيف عرف أني ابحثُ عنه ؟ سؤال كتومٌ أجاب عنه : / رأيتك تلهث للحاق به ، لكنه مشغول بشيء أقضّ مضجعه . هلمّ نلحقْ به / وجرينا تبتلعنا فوهة ُ الزقاق ، ورأيـتُه من الخلف ، كان يرتدي بدلة بنيّة غامقة . وهو خيّاطٌ متقاعد مشهور . وضعتُ يدي على كتفه فألتفتَ نحوي كما لو كان يدري برغبتي في لقائه . كنتُ اطول منه قامة ً ، لم أكنْ قبلاً هكذا ، انحنيتُ عليه اقبّله ، وهوَتْ شفتاي على عينه اليسرى ، ثمّ استدركتُ ولثمتُ رأسه ، فيما اكتفى بدرٌ بمصافحته . جرينا بضع خطوات ثمّ ولج مقهى صغيراً وتبعناه : / سنشرب شاياً واحدّثكم عن مشكلتي / ردّ بدرٌ مُبادراً : / اعرفُ مشكلتك ، وستجدُ عندي عوناً / كيف عرفتَ ؟ سأل خالي / سكت بدرُ وغض بصرَه . وبسرعة احتسينا شاينا / هذا آخرُ يوم ، سيرمون اغراضي في الشارع / همس خالي ..همهم َ بدرٌ بحياء : / لديّ غرفة كبيرة تستوعبها كلها / ولم نكدْ نمضي خطوات حتى اختفينا جميعاً . انا في مكان أرومُ قضاء حاجتي فقد امتلأتْ مثانتي . وقفتُ قبالة مرحاض انتظرُ خروج مَنْ بداخله . وقرع الحارسُ على الباب وتكلما قليلاً ، والتفتَ اليّ : انّه مصابٌ بالإسهال وسيطولُ مكثُه فيه ، عليك أن تنتظر . وانتظرتُ ثُم يئستُ . عندئذ حدثَ ما لم أكنْ أتوقع ُ . ظهر رجلٌ صيني أو ياباني وعندما رآني أراني باباً في صدريته البيضاء التي يرتديها : ادخل بسرعة ، المرحاضُ على اليسار . توغلتُ في صدريته ، وقضيتُ حاجتي . وحين خرجتُ انحنى لي باسماً ومضى . لم أسألْ نفسي ولا أحداً كيف حدثُ كلُّ ذلك ؟ والآن أنا جائع ابحثُ عن مطعم . مررتُ أمام بضعة مطاعم فلم ترقني اطعمتُها المعروضة . كتمتُ غيظي ابحثُ عن شارع آخر ،  فالتقيتُ الرجل الصيني نفسه ، انحني لي ثانية واشار الى صدريته فقد رُسمت عليها مائدة طافحة بالوان الطعام ، توغلتُ فيها وجلستُ ، وجاء آخرون لينضموا اليّ . وتناولتُ ما لذّ لي وطاب ، واحتسيتُ غبئذ ٍ فنجان قهوة وغادرتُ المائدة لأجدني امام الرجل الصيني . قال بلغة عربية ركيكة : كلّ ما تحتاجه تجدُه هنا / مشيراً الى صدريته /  لكنْ أين اجدُك ؟ / اطلبني وحسبُ / أنا لا اعرفُك / ليس مهماً أن تعرفني / اذنْ، اريد أن اعود الى بيتي / فتح صدريته وبان بابُ شقتنا فولجتُه . كان عليّ أنْ اشكر زوجتي لأنّها دلّتِ الرجلَ الصيني عليّ في الوقت المناسب ، لكن اخشى انْ تستاء مني ، فلديّ مطالبُ كثيرة قد يكون بعضُها ممّا تكرهه ولا ترضى به . اذن ، ساؤجلها الى حين يكون مزاجُها رائقاً ، ثمّ أنّ عملها سرٌّ لا ينبغي أنْ يرى ويسمع تفصيلاته آخرون غيري . تلك الرغباتُ التى تُلبّى عن هذا الطريق لا ينبغي ان تتجاوز سوانا ….