في دستور جمهورية العراق الصادر سنة 2005 ، الكثير من الأخطاء والهفوات أو ما سمي بالألغام السياسية وغير المهنية ، بإعتراف كتبته الميامين ؟!، فقد نصت المادة (45/أولا) منه ، على أن (( تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ، ودعمها وتطويرها وإستقلاليتها ، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها ، وينظم ذلك بقانون )) ، وفي ذلك خطأ كبير ، إذ لا ينبغي أن نجعل منظمات المجتمع المدني ( مؤسسات ) ، لأن المؤسسة ( هيكل إقتصادي وإجتماعي يضم فرد أو عدة أفراد يعملون بطريقة منظمة من أجل خلق منتجات أو خدمات إلى زبائن في بيئة تنافسية أو غير تنافسية ) ، وهي بذلك تخالف مفهوم المنظمة التي يقصد بها ( مجموعة من الأفراد يتبعون منطق منظم للوصول إلى هدف محدد ) ، وعليه لا بد من توفير الغطاء القانوني لعمل المنظمات على وفق معايير مهنية محددة ، تنسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق أهدافها المشروعة ، على أن لا يكون دعم الحكومة لها منفذا للسيطرة عليها ، أو أن تكون أداة طيعة بيد سلطاتها ، بإبعادها عن جوهر أسس تكوينها ، وإذا كان إنخفاض نسبة الفعاليات والمساهمات التطوعية وضعف ومحدودية تأثيرها في المجتمع ، نابع من غياب الوعي بأهمية العمل التطوعي في المجتمعات بشكل عام وخاصة في دول العالم الثالث ومن ضمنها العراق ، فإن وجوب تفعيل وتعزيز العمل التطوعي وتوسيع آفاقه ، إنطلاقا من أن تكون النقابات والإتحادات والأحزاب والتنظيمات السياسية والمكونات العشائرية من منظمات المجتمع المدني ، وإذا كان الخوف من إحتمال وصول الأحزاب السياسية إلى السلطة والحكم أو المشاركة أو المساهمة فيها بأي شكل كان ، سعيا منها لتحقيق أهدافها السياسية من خلالها ، وأن ذلك يتناقض ويتقاطع مع مباديء وشروط وأهداف منظمات المجتمع المدني ، ولا يستقيم أو يتناغم مع الصفات الأساسية لها ، فان قطع صلات الأحزاب بمنظمات المجتمع المدني في هذه الحالة ، وعدم السماح لأي سياسي أو موظف حكومي من العمل في صفوفها بأي شكل أو أية صفة كانت ، كفيل بوضع فواصل العمل وموانعه من الإنتقال غير المتناسب أو المتجانس بينهما ، مع إعطاء الفرصة للمتطوعين في تنمية القدرات الذاتية في القيادة الإدارية وصنع القرار ، وتشجيعهم على العطاء والتميز والإبداع في التخطيط والتنفيذ ، والإستمرار في عملهم من خلال مساهماتهم في التدريب والإستشارة العلمية والعملية لدوائر الدولة والقطاع العام ، وبذلك نضمن الإفادة من كفاءة وخبرة العاملين في منظمات المجتمع المدني المهني ، في تطوير ورفع كفاءة العاملين في دوائر وأجهزة ومؤسسات الدولة ، وبذات الوقت نكون قد أعددنا قادة مهنيون أكفاء لإدارة شؤون الدولة ، يستطيع المكلف بتشكيل الوزارة من الإستعانة بهم ، بواسطة الطلب من منظمات المجتمع المدني المهني وحسب الإختصاص ، تسمية المؤهل لإشغال أي منصب في الدولة ، مع تحميلها مسؤولية الفشل والفساد الإداري والمالي إن حصل بسبب أو نتيجة إختيارها لمرشحها ، وبذلك نكون قد أمنا طريق إختيار التكنوقراط بعيدا عن أساليب ووسائل الأحزاب السياسية غير المنتجة في هذا المجال .
وكذلك الحال فيما وجدنا عليه نص المادة (45/ثانيا) من الدستور ، من أن ( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية ، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون ، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة ، بما يساهم في تطوير المجتمع ، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان ) . ولأن حرص الدولة على تفعيل كل ما تقدم ، لم يأت بالنفع العام ، لإختلاف وجهات النظر من حيث ما كان مألوفا وما يتوجب العمل به حاليا ، حين كانت أهمية العشائر في تأمين الحماية الذاتية عند غياب دور الدولة أو ضعف علاقتها التنظيمية مع الشعب ، منطلقا فاعلا ومنتجا غير معتد ولا آثم ولا ضار ، عندها كانت العشائر أقوى من الدولة ومؤسسات سلطاتها ، لغلبة أحكام أعرافها على القانون عند حل المنازعات بالعدل والإحسان ، المانعة من نفاذ سيطرة وغلبة سلطة الدولة على واقع ومجريات أحداث الحياة العامة ، ولكن ليس إلى الحد الذي تجاوزت فيه يد المطالبات العشائرية حدود اللامعقول ، خاصة عند مطالبة الأطباء بأداء دية المتوفى منهم في المستشفيات ، والتي كانت من أسباب هجرة الأطباء إلى خارج العراق ، ونتيجة حتمية لما يتعرضون له من إهانة وإبتزاز مادي يتنافى مع أبسط قيم ومبادئ الدين والقانون وحقوق الإنسان ، أو أخذ الدية في حالات الضرر اللاحق بأبنائهم وإن كانوا من المذنبين المقترفين للجنح والجنايات ، أو صناعة الحوادث والأحداث المساعدة على طلب الدية بالإحتيال ونصب الفخاخ ، ولا ندري عن أي إنسجام ذلك الذي يتحدث عنه الدستور ، فيما يتعلق بحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية والإهتمام بشؤونها ، بعدما إستخدم بعض أفرادها أو أسرها أو عوائلها ، عناصر تفريق جمعها وتقطيع أوصالها وتقسيم أجزائها ، وإذا كانت تلك الكيانات مجبولة على الفطرة منذ نشأتها ، في إصلاح ذات البين ومد يد العون وحل المشاكل والخلافات الناشئة فيما بين أبنائها ، أو تلك التي تحصل مع مثيلاتها ، فإنها اليوم بين سندان طمع بعض أفرادها ومطارق السلطات الحاكمة وأحزابها ، حتى دب فيها وبين أوصالها ما لا يرجى منها ، لتأخذ الإنتهازية السياسية والتوجهات المذهبية من جرف شواطئها رملا تذر به العيون ، التي لم تكن ترى غير فضائل الكرم والجود فخرا ، وحبا في التسامح والعفو والتضحية ، التي أضاعها ( شيوخ التسعينيات والصدفة قبل وبعد الإحتلال ) ، المتكالبين على تحقيق مآربهم الشخصية ، بدلا من السعي لأن تكون مجالس العشائر من منظمات المجتمع المدني ، التي تلد أرحامها ما تحتاج إليه الأيام في يسرها وعسرها ، من الرجال والنساء على حد سواء ، وبدلا من الصراعات الدموية التي ذاع صيتها ، أو تلك التي إرتضت التدخل في الشأن السياسي المتعارض مع نواميسها .
إن تشريع قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 ، لغرض تأمين تأسيسها والإنضمام إليها وتسجيلها رسميا ، وكذلك قانون الأحزاب السياسية رقم (36) في 17/9/2015 ، الذي نرى إجمالا ومن خلال خلاصة البحث والدراسة ، التوصية في دمج القانونين المذكورين في قانون واحد يعنى بنشاطاتهما تحت مسمى ( قانون منظمات المجتمع المدني المهني ) ، ليكون البديل المناسب لهما ، لثبوت فشل النقابات والإتحادات والأحزاب السياسية والمجالس العشائرية في المساهمة الفاعلة في البناء والتطور والإزدهار المهني والمجتمعي على مدى قرن من الزمن ؟!.