لم يكن في خلد المؤرخ العراقي الكبير عبد الرزاق الحسني ما سنثبته في هذا المنشور ، الذي لو صادف مروره حلما أو سهوا وهو يكتب عن تأريخ الوزارات العراقية ، لمزق مسوداته ولعن ساعة مباشرته في إعداد وتأليف كتابه بأجزائه العشرة وبالإسم المذكور . لقد صدر قانون وزارة التربية رقم (22) في 13/9/2011 ، بناء على ما أقره مجلس النواب طبقا لأحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور ، حيث نصت المادة (1) منه ، على أن (( تؤسس وزارة تسمى (وزارة التربية) تتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها وزير التربية أو من يخوله )) .
*- وتأكيدا أن من المؤسف والمخجل جدا أن تتنكر السلطة التشريعية لتأريخ وجهد ومجد المؤسسة التربوية في العراق ، التي ناهز عمرها المهني (145) سنة أو ما يقارب القرن ونصف القرن من الزمن بتأريخ صدور القانون المذكور ، حيث طبقت الدولة العثمانية نظام المعارف العامة العثماني على التعليم في العراق بالإحالة منذ العام 1866م ، الذي ألغي بموجب قانون المعارف العامة رقم (28) في 15/4/1929 ، حيث نصت المادة (36) منه على أن ( يلغى بهذا القانون نظام المعارف العامة العثماني الصادر في 24 جمادى الأولى سنة 1286ه ، وقانون التدريسات الإبتدائية الصادر في 23/أيلول/1321ه ، ودليل حفظ النظام الصادر في آب /1919م ، بأمر الحاكم الملكي العام في العراق ، وكل قانون أو نظام أو أمر يخص المعارف ويخالف أحكامه ) .
وعليه فإن لم يكن المشرع العراقي الجديد قد إطلع على بعض ما تقدم ، فكيف ألغى قانون وزارة التربية رقم (34) لسنة 1998(1) ، وأقر الإبقاء على الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه وبموجب قانون الوزارة رقم (124) لسنة 1971 الملغى(2) ، وجعلها نافذة بما لا يتعارض وأحكام القانون الجديد المؤسس لوزارة ( تسمى وزارة التربية ) !، وإن كنت من الجازمين بعدم إطلاعه ومعرفته بتفاصيل التأريخ التربوي العراقي وما يعنيه التشريع إستنادا إلى ذلك ، وعليه أن يتذكر هو وأعضاء البرلمان الذين ناقشوا مسودة القانون قبل التصويت عليه وإقراره ، ثم إصداره بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليه ، وقبل ذلك جميع من يعنيهم أمر التشريع في جميع مراحل إنجازه ، بأن وزارة التربية هي التي منحتهم شهادات المراحل الدراسية الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية ، والجامعية للبعض منهم قبل إستحداث وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 1970(3) ، وكونها من مؤسسات الدولة العريقة التي لا ينكر وجودها إلا غريب دخيل على العراق ، فإن إلغاء جميع تلك الشهادات وكل شهادة أعلى حصلوا عليها إستنادا إلى إحداها ، تحتم على الحكومة إسترداد جميع الأموال المصروفة لهم على أساسها ، للضرورات التي تقتضيها موجبات صدورها من وزارة لم تؤسس إلا بعد الإحتلال ؟!، وفي العام 2011 إن كانوا يفقهون ، ولأن من ينشئ مؤسسات تتنكر لقديم تشريعاتها وأصول وجذور وجودها ، لا يعنيه معنى المحافظة على الإرث الحضاري والثقافي العراقي ، وهي كذلك غير معنية به وبريئة منه ، لأنه من غير أحفادها أو أبنائها ، كما إن محاولات إلغاء صفحات العراق المشرق بمؤسساته العتيدة لن تجدي هجين التبع نفعا ، لأنها لا تثير في أنفس من أنجبته الأرحام العراقية الحرة الأصيلة والطاهرة ، إلا خلايا التشبث والإلتزام الحديدي بجذور وعروق وجذوع الباسقات على أرض السواد ، وإن تأريخ ما بين النهرين الرافدين أرضا وحضارة ، لا يمحوه الأغراب وقد علموا ، ما كان مصير الأشرار من قبلهم ، محتلين ومستعمرين .
وعلى نفس المنهج والخطى صدر قانون وزارة الخارجية رقم (36) في 10/10/2013(4) ، حيث نصت المادة (1) منه على أن ( تؤسس وزارة تسمى – وزارة الخارجية – وتتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال الإداري والمالي ، وتتولى تنفيذ السياسة الخارجية لجمهورية العراق ، ويمثلها وزير الخارجية أو من يمثله ) ، ونصت الأسباب الموجبة لتشريع القانون ( لتعزيز دور جمهورية العراق في المحافل الدولية والإقليمية وبما يتناسب مع الدستور والإرث الحضاري العريق للشعب العراقي ، ولضرورة وجود قانون ينظم هيكلية وزارة الخارجية ، ولتمكينها من تحقيق أهدافها والقيام بمسؤولياتها ، ولأداء مهامها على أفضل وجه ) .
*- إن النص على تأسيس وزارة تسمى ( وزارة الخارجية ) في نهاية العام 2013 ، من العيوب التشريعية التي لم تترك السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب إتباعها ، كما لم تلتفت المحكمة الإتحادية العليا لذلك العيب ، فتصدر قرارها بعدم دستورية التسمية في هذا التشريع وسابقه ، لأن سلطات الدولة العراقية التنفيذية ليست منقطعة ، ولم تولد من فراغ تشريعي أو سياسي يظن بوجوده بعض المرضى وأدوات الإحتلال ، ولكنهم وعلى الرغم من نكرانهم لتأريخ وزارة الخارجية ، يعتمدون النص على إبقاء سريان أحكام نظام وزارة الخارجية رقم (31) في 6/10/1976(5) ، الذي ينظم هيكلية وزارة الخارجية وتشكيلاتها الإدارية ، ويصدرون بعد ذلك قانون الخدمة الخارجية المرقم (45) في9/11/2008(6) ، الذي يشكل إمتدادا لسلسلة تشريعات وزارة الخارجية التي بدأت في قانون سلك الخدمة الخارجية رقم (34) في1/5/1934(7) .
فهل وصلت تأثيرات التوجهات السياسية في التشريع إلى هذا الحد من الدرك الأسفل من الجهل والظلام ، والمستوى الوضيع من الحقد على تأريخ العراق ، ولعلنا نسينا إسم الوزارتين العريقتين قبل تأسيسهما بعد إحتلال العراق وتسميتهما بوزارة التربية ووزارة الخارجية ؟!، ولربما كانتا بغير الإسمين المذكورين ؟، ولكن علينا أن لا ننسى تدني المستوى التعليمي ومخرجاته ، ولا مستوى الدرجة التي فشلت فيها الدبلوماسية العراقية المستحدثة ، من فرض إحترام حق العراق بروتوكوليا عند إستقبال وفوده الرسمية ، بما يتناسب ومستواها الرسمي على وفق السياقات الدبلوماسية المتعارف عليها ، وموازين التعامل بالمثل ؟!، ولا أدري ما الذي تعنيه الأسباب الموجبة لتشريع القانون الجديد من النص على ( لتعزيز دور جمهورية العراق في المحافل الدولية والإقليمية وبما يتناسب مع الدستور والإرث الحضاري العريق للشعب العراقي ) ، وقد دخل العراق عصبة الأمم في 3/10/1932 ؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3758) في 25/1/1999 .
2- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (2037) في 25/8/1971 .
3- نشر القانون رقم (132) لسنة 1970 في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (1893) في 30/6/1970.
4- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4294) في 21/10/2013 .
5- نشر النظام في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (2554) في 18/10/1976 .
6- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4097) في 17/11/2008 .
7- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (1355) في 10/5/1934.