خاص: إعداد- سماح عادل
“محسن خريش الخفاجي” قاص وروائي ومترجم عراقي، من الناصرية (جنوبي العراق) من مواليد 1950، بعد تخرجه من دار المعلمين عام 1967 عمل معلما حتى تقاعد في 1996. وتم اعتقاله عام 2003 من قبل قوات التحالف وأطلق سراحه في الثالث والعشرين من نيسان 2006. توزعت نتاجاته بين القصة القصيرة والرواية والترجمة، صدرت له (سماء مفتوحة إلى الأبد 1974) و(ثياب حداد بلون الورد 1979) و(طائر في دخان 1996) و(إيماءات ضائعة 2001)، كما أصدر الروايات التالية: (وشم على حجارة الجبل 1983) و(العودة إلى شجرة الحناء 1987) و(يوم حرق العنقاء 2001).
الكتابة..
ينتمي “محسن الخفاجي” إلى جيل وسط بين الستينيين والأجيال اللاحقة له، فقد نشر قصصه عام 1967 وهو في سن مبكرة، ثم واصل عطاءه بعد السبعينات من القرن العشرين، وهو مثل العديد من المبدعين العراقيين الذين يعيشون على الهامش في مدينة الناصرية، لم ينل حظا وافرا من الأضواء التي سلطت على تجربته القصصية والروائية، وهو إلى جانب كتابته السردية ناقد. كما أنه ترجم كثير من النصوص الفكرية والأدبية عن الانكليزية التي كان يدرّسها لأبناء مدينته. وقد حاز على جوائز القصة والرواية في العراق للأعوام 1969- 1983- 1987- 2001 و 2010، 1999 والجائزة الثانية للقصة العالمية في الدنمارك عام 2010.
الاعتقال..
يقول “محسن الخفاجي” عن تجربة اعتقاله: “الاعتقال تجربة ألهمتني الكثير، ولكن بلا ذاكرة وحب، لا يمكن نقل كل ذلك إلى عمل فني مبهر. أنا كاتب يفضل استعراض مهاراته، وقصصي كانت مسرحا لما دار داخل أروقة السجون، ولهذا السبب مزّق الأميركيون قصصا لي، وتداولوا كتابات لي بعد ترجمتها على يد سيرجنت اسمه تشاد من أصل لبناني”.
وفي سجنه الذي استمر من (2003- 2006)، وجّه “محسن الخفاجي” رسالة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش، يقول فيها: “صباح الخير سيادة الرئيس. أنا محسن خريش عبيد الخفاجي أقدم معتقل عراقي في معتقلات العزلة في أقصى الجنوب العراقي، حتى أقدم من رجال قائمة الخمسة والخمسين (يقصد قائمة أبرز قادة نظام صدام المطلوبين أميركيا). أخذني حسن النية إليكم، وتصورت أنني سأجد ملاذاً آمنا،ً فما وجدت سوى الأصفاد وطقطقة العظام. يعرفني العالم بأنني لا احترف شيئاً سوى الكتابة. وأحيانا أنا رسام وخطاط جيد، وجليس أسطوري في مقاهي المدينة حيث أنني من سكنة أور التي قربها جلست آلهة الحرف ترسم حلم الحضارة لتولد. لست متزوجاً ولا أملك في هذا الوطن شبراً، عدا غرفة في بيت ورثته من أبي مع أخوتي تتناثر فيها الكتب واسطوانات مضغوطة لأفلام أكثرها منتج في هوليوود. فأنا أحب الغرب ليس لأنه يرتدي الخوذة ويذهب بعيداً إلى بلدان يريد أن يؤسس فيها ديمقراطية هيمنغتون. بل لأن همنغواي ووالت ويتمان وشارون ستون وجون ابدايكوماكليش ومارلين مورنو يبعثون فيّ شهوة لأكون أكثر سعادة من صاحب مطحنة أو ناطحة سحاب… ولهذا كل حياتي هي طوفان في حلم، وعدا هذا قد لا أعرف شيئاً غير صحبة الكتاب والترجمة والبيضة المسلوقة”.
ويواصل: “إنني لم أبصم يوماً ما على ورقة انتماء إلى أي حزب سياسي، عدا انتمائي إلى اتحاد الأدباء والكتاب في بلدي… أنا لست الفوهرر ولا وطبان (أخو صدام غير الشقيق) أو علي كيماوي، ولست موسليني أو بن لادن. أنا كاتـب قصة ومحتسي شاي جيد، وصانع حلم ورغبة وبها قدمت إليكم عساكم تستفادون من رؤى مخيلتي لإسقاط بعض أوهام المجيء إلى العراق. وفجأة وجدت نفسي مرمياً في قفص من الأسلاك الشائكة..لا أريد أن أصف أيام الاعتقال الأولى فهي أكثر من محنة غير أنني بعد كل هذه الأزمنة الطويلة والتي اكتوت بها عذابات روحي لأُقاد إلى شيخوخة مبكرة.. أقول أنا بريء سيادة الرئيس. لا امتلك من الذنوب ما أُسيء به إلى البنتاغون والصقر النيفادي وليس في نيتي النظر شزراً إلى تمثال الحرية”.
وخرج من السجن محطما بسبب شلل نصفي أصابه بعد الإفراج عنه جعله حبيس الدار إلى حين وفاته.
حمامة القنصل..
في حوار معه أجرته “خديجة علي حسين” يقول “محسن الخفاجي” عن تأثير الأفكار الماركسية على كتاباته: “نعم تأثرت بالنظرية الماركسية. وقد تركت أثرا عميقا في كتاباتي حتى أني تعلمت الانجليزية لأقرأ مجلة الأدب السوفياتي التي كانت تصدر في القرن العشرين، فتعرفت على كتاب لم يكن لي أن أعرفهم لو بقيت بلا لغة أخرى. عرفت راسبوتين وكل كتاب القصة في الجمهوريات كنت مغرما باتيمانوف وقرأت أعماله قبل ترجمتها إلى العربية. من أهم الكتاب لدي فاسيلشوكشبين وهو أديب روسي وليلي بروميت وهي كاتبة أستونية ترجمت لها العديد من قصصها الجميلة”.
وعن تأثير الاعتقال في سجن “بوكا” عليه يقول “محسن الخفاجي”: “كان للاعتقال في بوكا لثلاث سنوات أثر كبير على نتاجي فقد كنت قريبا من شعبي بقومياته وطوائفه كما عرفت المحتل عن قرب، كتبت قصصا بعنوان ” حمامة القنصل” ستطبع قريبا في كاليفورنيا. وتضم 12 قصة قصيرة عن المعتقل اعتقد أنها ستكون قصص الوثيقة المبهمة عن فترة الاحتلال.. تغير أسلوبي كثيرا وأصبحت الجمل صادمة وتخلصت من الإنشاء الوصفي الطويل” .
وعن قلة العنصر النسوي في الكتابات الأدبية العراقية يؤكد: “هذا زمن السرد النسوي والنظريات النقدية التي تلاحق النتاج النسوي وتكشف عن آلياته، يجري هذا في مجتمعات متقدمة، لكن في مجتمعنا ما تزال المرأة تحت ضغط العديد من المحرمات التي تحد من مقدرتها في النتاج النسوي والغوص في عمق التحولات، المرأة الكاتبة تعاني من ضغوط هائلة تحد من جرأتها في الطرح، وهذا معروف في مجتمع مثل مجتمعنا”.
تقاعس السلطة..
وعن تقاعس السلطة عن دعم الثقافة يضيف: “لأن من هم في سدة الحكم لا يستحقون هذه المواقع ويحتاجون إلى نشر الجهل للبقاء في مواقعهم ودعم امتيازاتهم لذلك تجد الفساد منتشرا بكثرة. من يفكر بدعم الثقافة في هذه المرحلة؟، يجرى تسفيه المشاريع الثقافية من أجل نظام حكم يوهم الناس بالديمقراطية ويعرضهم لأخطار جمة.. المشهد في أدنى مستوياته ليس هناك الحماس في التعبير عن المرحلة كما كنا في سبعينات القرن العشرين وما بعده، هناك رقابة مخيفة تهيمن على عقل الكاتب، الرقيب صار شديدا جدا وغبيا جدا”.
وعن إنصاف الإعلام له يجيب: “أعتقد أنني بانجازي القصصي جلبت الإعلام ليهتم بما أكتب ويحاورني عليه، ما لم يحقق الكاتب أي كاتب، النجاح فلن يهتم أحد به أظنني حصلت على ما أريد، كنت في شبابي قد تمنيت أن أفوز بجائزة في القصة ففزت بعدها بالعشرات وحققت ما أصبو إليه”.
جرائم الاحتلال..
في مقالة بعنوان (“حمامة القنصل” شهادة مبكرة على جرائم الاحتلال الأميركي) يقول “جميل الشبيبي: “كتب القاص محسن الخفاجي عن تجربته في سجن بوكا مجموعة قصصية بعنوان “حمامة القنصل” في المجموعة أضواء كاشفة عن الإرهاب الذي يمارسه المحتل على السجناء الذين أودعوا السجن بتهم أكثرها باطلة أو غير محددة، وفي عبارات موحية من عدة قصص نلاحظ ذلك الخوف من مصير مجهول يتنفسه المجندون وهم يرون أنفسهم في أرض غريبة.. في قصص أخرى سرد لمعاناة السجناء العراقيين وظروف حياتهم القاسية والتهم الباطلة التي تطوّق رقابهم.. وفي قصة “حمامة القنصل” مفارقة إنسانية بين سجناء يعيشون وسط ظروف قاسية جدا وبين الجنود المحتلين، حين أمسك الشرطي السجين عاشور بحمامة زاجلة وهي تتمشى قرب الكرفان، خلال ذلك حاول ومن معه من السجناء ترتيب وضع مناسب لها وخصوصا بعد أن اتضح لهم أنها حمامة القنصل الفخري البريطاني في جدة، وأنه طلب ممن يعثر عليها عدم إيذائها وترك رسالة تحدد المكان الذي وصلت إليه وزمن الوصول، ووقت إطلاقها، الأمر الذي جعل الجميع يقدمون لها أفضل الوجبات المقتطعة من طعامهم الشحيح، انتظارا لنمو ريشها الذي انتزعه عاشور قبل أن يطلع على رسالة القنصل.. يحاول المجندون أن يستأثروا بالحمامة خشية من استغلالها لإيصال صوت المعتقلين إلى العالم من خلال القنصل الإنكليزي، وفي نهاية المطاف ينقل المعتقلون إلى سجن آخر وتبقى الحمامة بأيد غير أمينة لها، لتكون نهاية الحمامة على أيديهم الملطخة بالدماء “في طريقنا مررنا بحلقة من الجنود الأميركيين يطوقون الحمامة ويطلقون النار عليها من كل صوب وهم يتسلون ضاحكين””.
وفاته..
توفى “محسن الخفاجي” إثر نوبة قلبية تعرض لها بشكل مفاجئ في عام 2014 عن عمر 64 عاما.