22 نوفمبر، 2024 11:46 م
Search
Close this search box.

لا ينتهي التنافس الأقليمي والدولي على الارض العراقية

لا ينتهي التنافس الأقليمي والدولي على الارض العراقية

تحوّل العراق إلى مسرح للتنافس الإقليمي والدولي، وما يكرس الانقسام المجتمعي في العراق، هو الصراع الإقليمي الأوسع في المنطقة. فإيران تسعى لتوسيع نفوذها في منطقة الخليج كقوة إقليمية بارزة في الشرق الأوسط، وتعتبر العراق أحد المجالات الطبيعية لمدّ نفوذها. وفي نفس ذلك الجوار، توجد دول الخليج العربية، التي تخشى من النفوذ الإيراني وتجِـد في السُـنة العراقيين تيارا يجب دعمه لوقف النفوذ الإيراني داخل العراق. إسرائيل والولايات المتحدة تقِـفان بالمرصاد أمام الطموح النووي الإيراني، وفيما تتصاعد المواجهة الأمريكية مع إيران، يحلو للولايات المتحدة أن تشعل صِـراعا بين ما تسمِّـيه دول الاعتدال العربي وبين إيران، انطلاقا من النفوذ الإيراني على أرض العراق، وسرعان ما تحوّل العراق إلى أرض للتنافس بين كل تلك القوى. “وبدون شك، يتحمّـل الساسة العراقيون جزءاً كبيراً من المسؤولية عمّـا حدث ويحدث ، وكانت المعارضة العراقية في السابق تُـحمِّـل صدّام حسين كل المسؤولية عما كان يجري في العراق، ولكن الإخفاق لم يكن مسؤولية المعارضة العراقية وحدها، فما قام به الأمريكيون في العراق، وخاصة ما قام به رئيس سلطة الحكم المؤقت بول بريمر من حلّ مؤسسات الدولة وتسريح الجيش والشرطة، في إطار سياسة اجتثاث البعث والشروع في إضفاء صفات مؤسساتية على التمثيل المذهبي القائم على الحصص، وهي جرائم فتحت المجال أمام تدهور الأوضاع، مما أنشأ خلال سنوات الاحتلال الماضية واقعا عراقيا أليما , والدولة العراقية المتهالكة داخليا تشكل استقطابا لتدخلات اقليمية عميقة ومصدر لاضطرابات اقليمية اكبر,و تتغذى الطائفية في العراق على الطائفية بالمنطقة, والنتيجة الاكثر ترجيحا ستكون حريقا اقليميا هائلا. بعد الاطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003 كان بإمكان الولايات المتحدة أن تحافظ على بنية الدولة العراقية ومؤسساتها الاساسية، لاسيما الأمنية منها، ومن ثم العمل على خلق نظام سياسي جديد دون المرور بمرحلة الفوضى السياسية والاقتتال الداخلي بين مكونات الشعب العراقي. هذه التجربة لو تمت بالفعل لكان العراق اليوم أحد أهم اركان النظام الإقليمي في المنطقة، وربما يكون العامل الاساس والداعم الرئيس لعملية الاستقرار في المنطقة، إلا أن الإدارة الأمريكية كان لها رأي آخر في أن يكون العراق بيئة مناسبة لخلق التطرف والإرهاب وأن يكون مرتعاً لشتات التطرف الإرهابي في العالم، وأن يكون الحلقة الأضعف في النظام الإقليمي؛ لأن اضعاف العراق هو اضعاف لركن اساس من أركان الأمن الإقليمي واختلالا كبيرا لسياسة التوازنات الإقليمية.. ولكن الاحزاب العراقية المتنفذة دخلت في مرحلة من فقدان الوعي لخطورة هذه المنزلقات، ولم تفعل شيئا لوقف انزلاق العراق إلى تلك الهوّة السحيقة، إما تعمّـدا باعتبار أن بعض قيادات هذه الاحزاب لم تمانع في تكريس هذا الواقع الأليم، لأنه يقوِّيهم سياسيا أو جهلا بما يمكن أن تنطوي عليه من عواقب أو خليطا من الإثنين أو تأثرا بالبيئة السياسية، التي أعقبت انهيار نظام صدّام حسين، ولكن اليوم، لا نستطيع تحميل صدّام أو الأمريكيين لوحدهم مسؤولية ما يحدث في العراق. فالعراقيون بكافة أطيافهم يتحمّـلون مسؤولية كبيرة، لأنه حتى الناخب العراقي، هو الذي صوّت للكُـتل الرئيسية، على أساس طائفي او عرقي ، وليس على أساس برامج حِـزبية تقدّم حلولا للوطن . إن إقامة دولة مواطنة تديرها حكومة مركزية تقوم على المؤسسات والعدل تمثل جميع العراقيين بدون تمييز، وأصبح هذا الخيار بمثابة حلم كل عراقي يريد العيش الآمن .

الازمة في ظل الاوضاع الحالية اثرت وبشكل كبير على دور العراق في الساحة الدولية، لانه كلما اشتدت حدة الخلافات الداخلية تؤثر سلبا على دور العراق في المجتمع الدولي وينظر اليها نظرة تختلف عن باقي الدول. الازمة وان كانت تعرف بالسياسية ولكنها اصبحت في اكثر من صفحة وفقدت الكثير من ملامحها، المسؤولية تقع على عاتق السياسيين بالدرجة الاولى لعدم سماعهم النداءات والتحذيرات التي تاتي داخليا وخارجيا وتحمل معها القلق على مستقبل البلاد، لكن يبدو فقدان الحرص على مصلحة البلاد، والاهم تحقيق المكاسب في اطرها الضيقة، التحلي بالارادة القوية والرغبة في اجراء الحوار من المنطلقات الاساسية للوصول الى تفاهمات مشتركة لانهاء الازمة، وقبل كل ذلك لابد من اعادة الثقة المفقودة بين الكيانات والكتل، فلايمكن لاية خطوة ان تصل الى نتيجة ايجابية بدون هذه الثقة ، والساسة قبل غيرهم يعلمون جيدا المنزلقات التي ستحدث في حال استمرار الاوضاع هكذا وكذلك النتائج المترتبة على ذلك.

استمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية بصورة أكثر تهديداً للاستقرار في العراق، سوف تنسحب تداعياته على الاستقرار والأمن في باقي المنطقة ودول الإقليم، وأن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيء المناخ لحضور العنف وتنامي تيارات التطرف العابرة للدول المهدد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة، وأن مصلحة كافة الدول في المنطقة أن تدرك أن استمرار هذا المناخ سوف يمس الأمن القومي لدول الإقليم كافة، وأن حل المشاكل التي يمر بها العراق حالياً، سوف له مردود إيجابي في النهاية ومكاسب للجميع، ويحصّن المنطقة من الاختراقات الخارجية قدر الإمكان. وعملية تدمير الاقتصاد العراقي بهذه الطريقة في هذه الفترة يراد بها تبرئة الإدارة الأمريكية من المسؤولية وإظهار الشعب العراقي كشعب ضعيف لا يدرك مصالحه ويحتاج الى الوصاية والرعاية والأخذ بيده نحو التحضر وتعلم الديمقراطية تحت الإشراف الامريكي ، لتبرير غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وافهام الشعب العراقي بأن الولايات المتحدة اسقطت الديكتاتورية لتحرير العراق . و نتائج هذا الاحتلال على الاقتصاد العراقي كثيرة منها تفاقم البطالة بشكل كبير واستشراء الفقر وتعطيل معامل القطاع الصناعي كافة وتدمير القطاع الزراعي بكل مرافقه بعد ان كانت مساهمته إثناء مرحلة الحصار في الناتج المحلي الإجمالي جيدة، وكذلك من نتائج الاحتلال فتح باب الاستيراد بدون رقابة أو كمارك من خلال فتح الحدود أمام السلع الاستهلاكية الرديئة، حيث غزت الأسواق العراقية كافة البضائع سواء صناعية أم زراعية بدون ضوابط ولا رقابة ولا سيطرة نوعية عليها، كل ذلك أدى الى تدمير الاقتصاد العراقي وتحويله من اقتصاد إنتاجي يتوجه بموجب خطط تنمية اقتصادية لتحقيق نمو اقتصادي. تنويع هيكل الاقتصاد لبناء وكسب مصادر جديدة للتنافسية على المستوى الدولي , هذا هو الخيار الافضل والوحيد لضمان استمرارنا ككيان مستقل في المستقبل، ومن الناحية الواقعية لا يوجد لدينا خيار امثل آخر لتوظيف الفوائض النفطية المحققة. نقطة الانطلاق لنجاح أي مشروع قومي على هذا المستوى لا بد وان تستند إلى إصلاح سياسي أولا يعالج مواطن الفساد ويسمح بأكبر قدر من الشفافية والمحاسبة في ذات الوقت في ظل نمط حكومي صالح ، يستهدف مصلحة الشعب بالدرجة الاولى، ويمثل مثالا يحتذى به، ويسهل من خلاله تسويق مثل هذا المشروع الوطني لدى الجمهور استنادا الى الثقة لدى المواطن بالحكومة.

والساعون للحصول على مراكز دائمة للنفوذ من الصعب حصولهم عليها من دون التآمر والتقسيم ، فمشروع بناء الدولة العراقية الواحدة يشكل تقليصا حقيقيا لمصالحهم الضيقة. كذلك ستستفيد الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، كداعش واخواتها الراغبة بتمزيق الدول؛ لمنعها من امتلاك قدرة الردع والحماية لأمنها، فوجود دولة موحدة قوية يضعف كثيرا قدرة هذه الجماعات على التمدد وكسب النفوذ. فضلا على القوى الفاعلة غير الحكومية الاخرى (القبائل، التنظيمات المسلحة خارج سلطة القانون، الجماعات والحركات السرية المتطرفة) فهي تستغل حالة ضعف الدولة؛ لتعزيز الولاءات الضيقة على حساب الولاء الوطني الاكبر. كما ان هناك ضرورة ملحة في اتخاذ خطوات جدية باتجاه تجريم الطائفية، ومحاربة الخطاب المتطرف، وإعادة ثقة المواطن بالسلطة، وتوعية الأفراد بحقوقهم وواجباتهم، والتاكيد على إرتقاء الإعلام العراقي الى الدور المناط به من خلال توحيد الخطاب الوطني وتجاوز الطائفية، وتخفيف وطأة الدور العشائري في ممارسة الحكم، ووضع السياسات العامة المناسبة لتعزيز الهوية الوطنية عبر مراحل، والإهتمام بالدور التربوي في إشاعة محبة الوطن، وتعزيز سلطة القضاء الحيادي النزيه، والتوزيع العادل للثروة في العراق لتحقيق الحياة الكريمة لجميع المواطنين.

أحدث المقالات