المحصلة تكون كالتالي:
1. حكمة وعدل الخالق واجبان عقليان.
2. مع تعقلنا للحكمة والعدل – وان كان على نحو الوجوب – يبقى إدراكنا له على نحو الإجمال وعلى مستوى المفهوم.
3. عدم إدراكنا للحكمة والعدل في كل الأحوال على نحو التفصيل وعلى مستوى المصاديق (كلها) لا يزعزع المسلمات والمقدمات العقلية الأولية.
4. نسلم كإلهيين عقليين بقصورنا في الفهم لعدم إحاطتنا بكل حيثيات القضية، لأن عدم فهمنا لتفاصيل مفردات الحكمة وتفاصيل مفردات العدل متأت من خلال أننا نقيسها بمقاييس نسبية وقاصرة لا تزعزع قطعنا ويقيننا، فنقر بعجز أذهاننا عن إدراك كل التفاصيل في عالَم الاحتمالات والترجيحات الظنية، لوجود ثغرات في المقدمات، أي في المعلومات التي يبنى عليها التحليل والاستدلال، مع قدرتها على تعقل الواجبات والممتنعات العقلية في عالَم الواجبات على نحو القطع واليقين. وإن إقرارنا بعجز أذهاننا عن إدراك كل هذه التفاصيل، ليس من قبيل تعطيل دور العقل في فهم العقيدة، بل يعبر ذلك عن إدراك عقلي لحدود أي نسبية العقل في تحديد ما هو في دائرة قدرته الإدراكية، وما هو خارج عن هذه الدائرة، لاسيما إن العجز إنما هو بسبب غياب معلومات أولية ضرورية للتحليل والاستنتاج، وليس لقصور ذهني، فإننا عندما نسأل أي صاحب اختصاص عن قضية تحتاج الإجابة عليها إلى مقدمات، ولا تكون هذه المقدمات متوفرة، لا يبرر لنا التشكيك بقدرته على الإجابة، بل عدم الإجابة ناتج عن غياب المقدمات، أو عدم الإحاطة بكل الحيثيات، كمعلومات تكون إما متوفرة أو ممكنة التوفير أو غير متوفرة أو غير ممكنة التوفير، وليس كقدرة أو ذهنية تحليلية، هذا إضافة إلى إن هذا الإدراك يكون حافز تحريك نحو تحقيق ما يمكن تحقيقه من تطلعاتنا المعرفية، أو تحقيق مزيد مما حققناه، وسد ثغرة من ثغرات معارفنا، كما هو الحال مع كل ميادين المعرفة الإنسانية المتطورة اطرادا، ومحاولة صياغة نظرية تشتمل على إجابات عن أسئلة بقيت غير مجاب عنها من قبل النظريات الراهنة.
نوجز الخلاصة ثانيا بثلاث حقائق:
1. وجود الخالق أو العلة الأولى غير المعلولة واجبة الوجود الغنية الأزلية ثابت عقلا.
2. الخالق حكيم وعادل بالضرورة العقلية.
3. الحكمة والعدل في الخلق كواجبين عقليين ندركهما إجمالا ومفهوما، و(ربما) لا ندركهما تفصيلا ومصداقا (في كل الأحوال).
ثم نواصل محاولة الإجابة عن الأسئلة المفتوحة، التي لن تكون إجابات نهائية، بل محاولات بحث عن ثمة إجابات، قد نفلح فيها بنسبة ونخفق بنسبة.
وأخيرا أحب هنا أن أوضح ما أقصده بالعقل، وما إذا كانت العقليات مطلقة في صوابها أم نسبية. أقصد بالعقل حقلا من حقول الفكر الإنساني، كالرياضيات، والطب، والفيزياء، والاجتماع، والفلسفة، والسياسة، واللغة، وغيرها. والرياضيات هي الأقرب مثلا للعقل الذي أقصده، فكما إن الرياضيات كحقائق مجردة وقوانين ثابتة مطلقة الصواب، لكنها نسبية الإدراك والتطبيق، فإن العقل الذي أقصده كحقل معرفي، هو الآخر مطلق الصواب، لكنه نسبي الإدراك والتطبيق. وأحيانا أستخدم (العقل) بمعنى ملكات الإدراك العقلية، فهي نسبية دائما. فلا بد من التمييز بين العقلين بحسب السياقات.
وأخيرا لا بد من طرح خيارين آخرين لهذا البحث، هما عدم الاقتناع بوجود الخالق، إما بسبب غياب العدل بالذات، وربما الحكمة بدرجة ثانية، وإما لعدم الاقتناع بالاستدلالات العقلية لوجود واجب الوجود، فيختار الإنسان غير المقتنع هنا الإلحاد (اللاإلهية)، أو اللاأدرية، وأي من هاذين الخيارين هو خيار يحترم صاحبه، طالما اعتمد قدر المستطاع شرطي العقلانية والإنسانية في التفكير والسلوك.
كتب الموضوع لأول مرة عام 1997، ونقح عام 2007، وروجع في 29/10/2009، وأدرجت الإضافة الأخيرة في 12/08/2018.