مثل اغلب أبناء جيلي كانت القراءة متنفسنا الوحيد في فترة التسعينات, وسط سجن الوطن الكبير, حيث تضامنت السلطة العراقية والقرارات الأممية على خنق أهل العراق, عندها تحولت القراءة لزاد يومي نتغذى به ونسد جوعنا, وفي زمن الحصار كان قضية شراء كتاب قضية متعسرة, إما خوفا من الملاحقات الأمنية, باعتبار ممنوع تداول كتب الدين والعقيدة والفكر – الشيعية حصرا-, وكذلك لارتفاع أسعار الكتب, لذلك كانت استعارة الكتب من الطيبين لقراءتها هي نافذتي للعالم, فكانت عدتي قلم جاف رخيص ودفتر صغير اكتب كل ما يعجبني مما اقرأ, أو أي فصل أحاول قراءته مرة أخرى للتوسع في فهم مطلب الكاتب, وفي منتصف التسعينات مع التخرج من الإعدادية بدأت أحاول وضع أفكار عن كل ما اقرأ, لأعرف مقدار استفادتي مما قرات, فاكتب واحتفظ بها, وهكذا مع الايام أصبحت كثير الكتابة, لتصبح عندي مجموعة دفاتر ملخصات وأفكار عن عديد الكتب, والى اليوم احتفظ بها, وهكذا نمت وكبرت قدرة الكتابة والتعبير بشكل سلسل عن فكرة أو هدف أو مشكلة.
لم أكن قد خططت لأصبح صحفيا, لكن يقال عن الصدفة “ان أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار”, انه القدر الذي يقربك مما تحب, أو انه قانون الجذب الذي يجذب لك ما تريد, سأتكلم وبشكل مختصر عن محطتين مهمتين في بدايتي الصحفية, وهما صحيفتي التآخي وطريق الشعب.
●المحطة الأولى: جريدة التآخي 2007-2017
في ربيع عام 2007 كنت في جلسة مع قريب لي – الأستاذ باسم الشامي – وتحدثنا طويلا عن الكتب وعالم الكتابة وحدثته عن كتاباتي, فطلب مني مجموعة من كتاباتي للاطلاع والتقييم, وبعد أسبوع اتصل بي ليخبرني ان احد مقالاتي قد نشرت في جريدة التآخي, الحقيقة كان خبر سعيدا وكبيرا بالنسبة لي, وأسرعت لشراء صحيفة التآخي, واستطعت بعد جهد الحصول على نسخة من مكتبة الجامعة في شارع الداخل, وفي تلك اللحظة كانت أحاسيس غريبة وجديدة تتملكني, كأني سأغير العالم بمقال اكتبه.
واخبرني قريبي في اتصال لاحقا, ان الكاتب علي جبار عطية – الكاتب الكبير في صحيفة التآخي – يطلب لقائك, فرحت كثيرا بالخبر وبعد أيام ذهبت للقاء الكاتب الكبير, الحقيقة كان لقاءا مثمرا ومهما لي حيث أوضح لي الطريق, وقال لي الكاتب علي جبار كلاما فيه الكثير من المدح والدعم.
وانطلقت رحلتي مع جريدة التآخي لتستمر عشر سنوات الى ان تحولت الى صحيفة الكترونية, وخلال هذه الرحلة مارست العمل في فنون الكتابة والتحقيق والتقرير, وكان أكثر ما اكتب حول مشاكل المجتمع وتأثير نظام الفوضى على الإنسان العراقي, كسبت خبرات كبيرة, وهناك تعرفت على المبدع الأستاذ حسين الجوراني, والروائي بخشتي وأستاذ حسام الدوري.
الى ان جاء زمن حكم العبادي محملا بالتقشف, ومعه ماتت اغلب الصحف, لتتعسر أمور الصحيفة ولتتحول الى صحيفة الكترونية, وعندها أغلقت أبوابها فهجرها اغلب العاملين فيها, وغادرت الصحيفة الأقرب لقلبي.
● المحطة الثانية: جريدة طريق الشعب 2010 – 2014
في شتاء عام 2010 كنت مع صديقي الشاعر حسن العكيلي على شارع أبي نؤاس فمررنا بجريدة طريق الشعب فقلت له: “أنها صحيفة ذات تاريخ عريق”.
فقال لي صديقي: “ما رأيك لو ندخل ونرى إمكانية العمل فيها”؟ فرحت باقتراح صديقي ودخلنا والتقينا بالكاتب الكبير علاء الماجد, وركز الأستاذ الماجد على جانب التحقيقات الصحفية, ومنها انطلقت خطوتي الأولى في صفحات طريق الشعب ما بين التحقيقات والمقالات والتقارير, لكن التحقيقات أخذت الجانب الأكبر, وتعلمت الكثير من الماجد, حتى قال لي عجوز ذات يوم – صحفي يعمل في صحيفة طريق الشعب- :” ستصبح روائيا فالتحقيقات التي تكتبها تفصح عن مقدرة كبيرة في السرد”.
وتعرفت هناك على المبدعين الكاتب فهد الصكر, والمبدع حسين رشيد, والشاعر عريان سيد خلف, والوزير السابق مفيد الجزائري, الحقيقة كسبت الكثير من المهارات الإبداعية والخبرات خلال عملي في طريق الشعب, الى ان جاء التقشف وقضى تماما على البيئة الصحفية, لأترك العمل في الصحيفة.
وخلال فترة 2007 – 2017 عملت في عديد الصحف والمجلات والمواقع لأحقق لنفسي اسم وسط زحمة الكتاب والمبدعين, وتحول موضوع الكتابة لعادة أو إدمان بل قل هوس, وقد كان لما نكتب تأثير ملموس, وهذا ما كان يدفعنا للاستمرار, وقد أوقعتني كلمة الحق في مشاكل كثيرة وكبيرة أحيانا, وخسرنا العديد للاختلاف في الرؤية, بل البعض كشف زيفهم سطر كتبناه, فالأقنعة تذبل إذا هب نسيم الحقيقة, لكنها ضريبة التماس طريق الحق, وهذا ما ميز كتاباتي عن أشباه الكتاب, ممن هم مجرد أبواق الصحفية وقافلة المداحين والمتملقين.
● الرحلة تستمر ما بعد 2018
وبعد ان أتممت عشر سنوات في الصحافة ابتعدت مجبرا عن الصحف, فانا ألان – شهر آب-2018- بعيد عن أي صحيفة كالتزام, حيث ماتت اغلب الصحف التي كنت اعمل بها, ما بين إغلاقها, أو تقليل عدد صفحاتها, أو تحولها لصحف الكترونية, فقط صحف السلطة هي التي تستمر, وهي ترفض نمط كتاباتنا! لأننا ننتقد السلطة وأحزابها, فإذن لا مكان لنا فيها.
لكن مستمر بكتابة المقال والنشر وبشكل مجاني في عشرات المواقع والصحف الالكترونية, المحلية والعربية والأجنبية, فالكتابة كالإدمان لا يتركنا, وتأتيني يوميا رسائل من عديد الصحف الالكترونية من محلية وعربية وهي تطالبني بمقالات, مما يعني استمرار العيش صحفيا.
أصبحت الكتابة عندي رسالة وعمل ومهمة يجب ان أنفذها, وإلا خاصمت نفسي, ومهما يحصل فلن أتوقف عن تشخيص الخلل وفضح الفاسدين وقول كلمة الحق.