خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “بيوض القدر” للكاتب الروسي “ميخائيل بولغاكوف” رواية يمكن اعتبارها من الخيال العلمي، لكنها في الحقيقية رواية ناقدة للمجتمع الروسي بعد الثورة الروسية، حيث في قالب خيالي ترصد سلبيات ذلك المجتمع بعد ثورة أبهرت العالم، وأثرت في جميع الثوريين على مدى سنوات طويلة.
الشخصيات..
البروفيسور بيرسيكيوف: فلاديمير ايباتيتش بيرسيكيوف، عالم متخصص في مجال علم الحيوان، يحاضر في الجامعة كما يعمل في معهد خاص بعلم الحيوان في موسكو، يحكي أنه عاني بعد ثورة روسيا خاصة في سنوات 1919 و1920، وظل يعاني حتى بانت بعض بوادر الأمل في 1928، يكتشف بالصدفة شعاعا أحمرا يساهم في تكاثر الكائنات الحية، لكنه يظل في مرحلة التجربة حين يبدأ الخبر ينتشر في أرجاء موسكو.
المساعد ايفانوف: بيتر ستيبانوفيش ايفانوف، مساعد ل “بيرسيكيوف” يساعده في تجربته الأخيرة، لكنه ربما سرب خبر هذه الاكتشاف العلمي الهائل، مما سبب إزعاجا شديدا ل “بيرسيكيوف” وساهم في إفشال عمله.
الحارس بانكرات: حارس المعهد يعيش فيه ويقوم على خدمة “بيرسيكيوف”.
ماريا ستيبانوفنا: مديرة منزل “بيرسيكيوف” وسوف تموت معه في النهاية.
الصحفي الفريد برونسكي: أحد الصحفيين الذين أصبحوا يلاحقون “بيرسيكيوف” بعد تسريب خبر اكتشافه.
روكك: ألكسندر سيميونوفيتش روكك، مسئول في دولة الثورة رغم أنه كان عازف بسيط، لكن نشاطه في الثورة أعطاه صلاحيات كثيرة، وأصبح لديه قصرا في منطقة تدعى “السوفخوز”، وحين قرر أن يجرب تطبيق اكتشاف “بيرسيكيوف” وافقت السلطات على طلبه مما سبب كارثة فيما بعد.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن الشخصية الرئيسية “بيرسيكيوف” ثم ينتقل إلى الحكي عن “روكك” لكنه يهتم بالأساس بالبطل “بيرسيكيوف”.
السرد..
يتميز السرد بلغة ساخرة تهكمية، ويحكي الكاتب الأحداث في تصاعد، الرواية تقع في حوالي 166 صفحة من القطع المتوسط.
لا تقدير للعلم..
تدور الرواية في قالب من الخيال عن عالم حيوان يكتشف اكتشافا علميا خطيرا، ونتيجة لأن الدولة أصبحت تحت سلطة مجموعة من الذين آلت إليهم الأمور بعد الثورة الروسية العظيمة، والذين أجهضوها وأخفقوا أحلام الثوار الحقيقيين فيها، وآلت أمور السلطة إلى الانتهازيين والخونة، والذين لا يحترمون العلم ولا العلماء ويديرون البلاد دون خطط أو رؤية.. يقول الراوي في البداية أن “بيرسيكيوف” عاني في السنوات الأولى للثورة، ولم يكن يستطيع مزاولة عمله جيدا لنقص الإمكانيات، وعدم اهتمام الدولة لأمر عمله، حتى أنه عاني أيضا من مشكلة سكن، وصودرت 3 غرف من منزله ذا الخمس غرف، نتيجة لوجود أزمة سكن.
ولكن وبحلول عام 1928 والذي تدور فيه أحداث الرواية وجد “بيرسيكيوف” اهتماما من الدولة بعمله، ووفروا له بعض الإمكانيات لمعهده، وأصبح يزاول عمله بشكل طبيعي، بل وبشكل مكثف، لكن مشكلته بدأت حين تسرب خبر اكتشافه، وبدأ الصحافيون يطاردونه، والجرائد تكتب أكاذيب مبالغ فيها عن ذلك الشعاع الأحمر الذي يسرع من نمو وتكاثر الكائنات الحية، وتزامن ذلك مع ظهور وباء خطير تفشى في الدجاج على مستوى جمهورية السوفيتات جميعها، مما أدى إلى منع تناول البيض وحرق جميع الدجاجات التي ماتت جراء الوباء.
وتفتق ذهن “روكك” والذي يعني اسمه بالروسية القدر أو المنية، وكأن الكاتب قصد أن يعطيه اسما رمزيا، فكر “روكك” الذي كان موسيقيا بسيطا ثم تولى مناصب عليا في الدولة، نتيجة انخراطه في الثورة، وفي هذا رمز واضح لما أصبحت عليه الأمور في الدولة الجديدة، حيث أصبح من يتولى السلطة رجال ليس لديهم خبرات ولا مهارات، لكنهم كانوا يصعدون في المناصب بسبب انخراطهم في الثورة وقربهم من مسئولين آخرين.
واستجابت السلطة ل”روكك”، وبالفعل استولي على معمل “بيرسيكيوف” وأخذ كل معداته ونقلها إلى قصره، كما جلبت له السلطات بيضا مستوردا من ألمانيا، في حين أنها أخرت كل الأشياء التي طلبها منها “بيرسيكيوف” لإكمال تجاربه..
ليس هذا فقط وإنما تسوء الأمور لأن المسئولين يخطئون ويرسلون إلى “روكك” عينات من بيض الثعابين والنعام والتماسيح، كان قد طلبها “بيرسيكيوف”، في حين يرسلون ل “بيرسيكيوف” بيض الدجاج الذي طلبه “روكك” لكي يعيد إنتاج الدجاج وينقذ البلاد من أزمة الدجاج التي تخلفت نتيجة لانتشار الوباء، ويقوم “روكك” بالتجربة وتظهر الثعابين والزواحف الضخمة، وتنتشر في ربوع البلاد حتى أنها تزحف إلى موسكو، وتحاول السلطات مواجهة تلك الأعداد الضخمة من الزواحف المتوحشة ولا تستطيع، وتسود البلاد حالة فوضى حتى أن بعض الناس يهاجمون معهد علم الحيوان ويقتلون “بيرسيكيوف” بطريقة وحشية، هو وحارسه ومديرة منزله ومن وجد بالمكان في ذلك الوقت، ويحرق المعهد وتندثر تجربة “بيرسيكيوف” تماما.
لا يمكن اعتبار الرواية من أدب الدستوبيا، ذلك الأدب السوداوي الذي يتنبأ بالمستقبل، رغم أنها تحمل بعض خصائصه، لكنها تقوم بالكامل على حكاية خيالية، هدفها بالأساس كشف وتعرية سلطة البلاد التي لا تحترم العلم ولا العملاء وتدير البلاد بدون خطط أو رؤية، الرواية رغم أنها قديمة إلا أنها خلدت صاحبها وظلت تقرأ إلى الآن رغم اندثار سلطة الجمهوريات السوفيتية واندثار الكاتب. .
الكاتب..
“ميخائيل بولغاكوف” كاتب ومؤلف روائي روسي، عاش في زمن الاتحاد السوفييتي. ألف عددًا كبيرًا من الأعمال الأدبية المهمة، وفي مقدمتها روايته الشهيرة “المعلم ومارغريت” المعروفة أيضًا بعنوان “الشيطان يزور موسكو”. تعرضت معظم أعماله الأدبية للمنع والحظر نظرًا لما احتوته من انتقادات لممارسات السلطات السوفييتية، ولم تنشر إلا بعد وفاته عام 1940.
وُلد “ميخائيل أفانيسيفتس بولغاكوف” في 15 مايو 1891 بمدينة “كييف” وتوفي في 10 مارس 1940 في “موسكو”.. ولد الكاتب في عائلة بروفسور في أكاديمية كييف الدينية. انتسب إلى كلية الطب في جامعة كييف عام 1909 وتخرج منها عام 1916 مع شهادة طبيب معالج بدرجة امتياز. بعد تخرجه من الجامعة عام 1916 عمل بداية في مستشفيات الصليب الأحمر على الجبهة الجنوبية الغربية. ومن هناك تم استدعاؤه للخدمة الإلزامية، ليتم فرزه في منطقة سمولنسك حيث عمل في البداية طبيباً في مستشفى القرية، ومن ثم اعتباراً من أيلول عام 1917 في مستشفى مدينة فيازما. وقد شكّلت تلك الأعوام مادة لثماني قصص كتبها بولغاكوف وصدرت في عام 1925 ضمن سلسلة “مذكرات طبيب شاب”.
وبعد استيلاء قوات الجنرال دينيكن على مدينة كييف في أغسطس/ آب عام 1919 تم استدعاء بولغاكوف للخدمة في الحرس الأبيض، ومن ثم تم نقله للخدمة طبيبا عسكريا إلى شمال القوقاز. وهنا تم نشر أول مادة له – مقالة صحفية تحت عنوان ” آفاق المستقبل” عام 1919. وقد كانت هذه المقالة مكتوبة انطلاقاً من موقع رفض “الثورة الاجتماعية العظيمة ” التي أوقعت الشعب في معمعة من المآسي والمصائب وكانت تنذر بعواقب وخيمة وبجزاء كبير من جرائها في المستقبل. لم يتقبل بولغاكوف الثورة، لأن سقوط القيصر بالنسبة له كان يعني سقوط روسيا ذاتها بدرجة كبيرة وسقوط الوطن مصدرا لكل ما هو منير وعزيز في حياته. وفي أعوام الانهيار الاجتماعي حسم الكاتب خياره الرئيسي والنهائي: تخلى عن مهنة الطب وكرّس كل حياته للعمل الأدبي. وخلال عامي 1920 – 1921، وأثناء عمله في مديرية الفنون في مدينة فلاديقوقاز التي كان يرأسها الكاتب سليزكين، تمكن بولغاكوف من تأليف خمس مسرحيات تم إخراج وعرض ثلاث منها على خشبة المسرح المحلي. وقد قام المؤلف فيما بعد بإتلاف هذه التجارب الدرامية التي ألفها، كما قال، على عجل، في زمن ” المجاعة “. ولم تحفظ نصوصها، ما عدا واحدة بعنوان ” أولاد الملا “. وقد تعرض الكاتب هنا لأول صدام مع النقاد ” اليساريين ” أصحاب التوجه البروليتاري في الثقافة، والذين هاجموا المؤلف الشاب على تمسكه بالتقاليد الثقافية المرتبطة بأسماء بوشكين وتشيخوف. وقد حكى الكاتب عن تلك الفترة من حياته في مدينة فلاديقوقاز في قصته الطويلة ” مذكرات على الأكمام ” عام 1923.
و في آخر أيام الحرب الأهلية، ولم يكن قد ترك القوقاز بعد، كان بولغاكوف مستعداً لمغادرة الوطن والسفر إلى الخارج. ولكن بدلاً من ذلك نراه يظهر في موسكو في خريف عام 1921 ليبقى فيها إلى الأبد.. وقد كانت أولى أيام بولغاكوف في موسكو صعبة جداً، لا من حيث الإقامة والحياة وحسب، بل ومن الناحية الإبداعية أيضاً. إذ كان مضطراً للقيام بأي عمل لكي يعيش. ولكن مع الوقت أصبح بولغاكوف كاتب مقالات هجائية في عدد من الصحف الموسكوفية وجريدة ” ناكانوني” التي كانت تصدر في برلين. وقد نشر له الملحق الأدبي لتلك الجريدة، بالإضافة للقصة الطويلة آنفة الذكر “مذكرات على الأكمام”، القصص التالية: “مغامرات تشيشيكوف”، “التاج الأحمر” و”كأس الحياة” جميعها صدرت في عام 1922.
لقد عاش “بولغاكوف” سنواته الأخيرة مع إحساس بأن مشواره الإبداعي قد مضى سدى. وهكذا مات “بولغاكوف” في موسكو في عام 1940 بعد أن أحرق مخطوطة رواية “المعلم ومرغريتا ” التي أنقذتها فيما بعد زوجته لترى النور متأخرة حوالي ثلاثة عقود عن تاريخ ميلادها الحقيقي، وليستمتع بها ملايين القراء في العالم ولتضاف بذلك درة أخرى إلى درر الأدب الروسي والعالمي. وحتى بعد نشر مسرحياته وروايته “المعلم ومرغريتا ” فإن “بولغاكوف” لم ينل حقه من الاهتمام من قبل النقاد والمؤسسات الرسمية السوفيتية. بل إن تعتيماً ممنهجاً كان يفرض في المرحلة اللاحقة على الكاتب وعلى إبداعه في الاتحاد السوفيتي السابق.