يعود الاهتمام الايراني بالطاقة النووية الى مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين عندما اعلن شاه ايران عن ضرورة قيام بلاده بتطوير القدرات النووية الذاتية للاغراض السلمية وذلك بالتعاون مع تركيا والباكستان . ورغم ان الشاه قد التزم بمعاهدة حظر الاسلحة النووية وبشروط وكالة الطاقة الذرية الدولية فيما يتعلق بضمان استخدام المواد النووية للاغراض السلمية ، جاء على لسان الشاه عام 1974 :- ان ايران ستقوم بتطوير قنبلة نووية عاجلاً ام آجلاً ، ولربما خلال فترة اقرب مما يتوقع البعض .
الواقع ، ان نظام الشاه تبنى موقفاً غامضاً مدروساً من قضية الاسلحة النووية . ففي حين كان الشاه يركز على ضرورة التوصل الى اتفاقية اقليمية للحد من انتشار الاسلحة النووية في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي ، كان المسؤولون الايرانيون في الوقت نفسه يتحدثون عن امكانية القيام بتفجير نووي على غرار التفجير الهندي النووي عام 1974 ، ويبدو ان الشاه كان ينظر الى مسألة الحصول على قدرة نووية من زاويتين :-
الاولى ـــ من حيث ضرورة مجاراة التطورات في منطقة المحيط الهندي وبالاخص في الهند والباكستان .
الثانية ـــ من زاوية موقع ايران في الصراع بين الدولتين العظميين ، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق .
وكان الشاه في عام 1975 قد ذهب الى انه من غير المعقول محاولة ايجاد رادع نووي ايراني في مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي . لكنه اضاف ، ان بلاده قد تضطر الى اعادة النظر في سياستها في حال توصل دول صغيرة ـــ لم يحددها ـــ الى انتاج الاسلحة النووية .
ومن هنا ، اعتمد الشاه على سياسة تقوم على الحيلولة دون تورط ايران في اية مواجهة عسكرية بين الاتحاد السوفييتي والغرب ، وذلك عن طريق منع نصب وتركيز الاسلحة النووية الامريكية على الاراضي الايرانية من جهة والاحتفاظ بمقدرة ذاتية غير معلنة على انتاج الاسلحة النووية في حال الضرورة بغية تثبيت موقع ايران كدولة لها شأن ضمن محيطها الاقليمي من جهة اخرى.
هكذا بدأ الشاه في السبعينيات من القرن الماضي بتنفيذ خطة بعيدة الأثر لتطوير الطاقة النووية في ايران ، كانت تستهدف دفع بلاده الى المرتبة الرابعة بين البرامج النووية السلمية على الصعيد العالمي بحلول العقد التاسع من القرن العشرين .
وابتداءاً من عام 1975 ، اتخذت خطوات عديدة هامة ، منها البدء بتشييد مفاعلين نوويين المانيين ( سعة 1200 ميغاواط كل منها ) بموجب اتفاق شركة ( كرافت كيرك يونيون ) في منطقة بوشهر على ساحل الخليج العربي . كما تم الاتفاق مع شركة (رفرام توم ) الفرنسية بغية تشييد مفاعلين اضافيين ( سعة كل منها 900 ميغاواط ) في منطقة نهر كارون . وتم الاتفاق مع الولايات المتحدة على بناء (5) مفاعلات اخرى . وكانت جميع هذه المفاعلات تعمل باليورانيوم المشبع قليلاً وتستخدم المياه الخفيفة لاغراض التبريد .
وتقتضي مشاريع الشاه ( وقتئذ ) الوصول الى طاقة نووية تبلغ (28000) ميغاواط بحلول عام (2000) حسب تقديرات تلك الفترة ـــ عن طريق بناء ما مجموعه (20) مفاعلاً . ودخلت ايران في عقود التعاون التكنولوجي مع فرنسا وبريطانيا والمانيا الغربية ( سابقاً ) والهند والسويد وايطاليا والولايات المتحدة بغية تحقيق هذا الغرض .
وقد ركز الشاه بشكل خاص على ضمان استقلال ايران فيما يتعلق بالدورة الوقودية . وبذلك فقد ساهمت ايران في مشروعين فرنسيين لبناء مرافيء لاشباع اليورانيوم في اوربا ، وهما مجمع يوروديف كانت ايران تملك 12.5% منه . ومجمع كورديف ، بلغت الحصة الايرانية 25% .
ودخل الشاه في مفاوضات مع الشركات الفرنسية لشراء مجمع كيمياوي لاعادة معاملة الوقود النووي رغم المعارضة الامريكية القوية ، لأن هذا التعاون يصعد من تعزيز القدرات الايرانية النووية العسكرية .
اما فيما يتعلق بتوافر المواد الاولية ، فقد ذكرت المصادر الغربية حينها ، ان ايران تملك احتياطاً هاماً من اليورانيوم في منطقة كرمان ، كما جاءت معلومات غير مؤكدة مفادها ان نظام الشاه حصل على كميات ذي شأن من اليورانيوم الخام من جنوب افريقيا في صفقة عقدت عام 1975، بلغت قيمتها (700) مليون دولار .
¤ مشكلة الكوادر البشرية
لكن بالرغم من تطلعات الشاه الطموحة ، واجهت ايران مشاكل كبرى في تطوير القاعدة البشرية المدربة القادرة على ضمان الحد الادنى من الاستقلالية في المجال النووي . وفي اواخر عقد السبعينيات قدرت المصادر الامريكية ان برنامج الشاه كانت تتطلب ما لا يقل عن (15000) فنياً وعالماً من اجل ادارة المفاعلات الايرانية، لم تمتلك اكثر من (150 ـــ 15000) الف فنياً من اجل ادارة المفاعلات الايرانية ، لم تمتلك اكثر من (150) عنصراً مدرباً في حقل الفيزياء النووية في مطلع عام 1976 ، 90% منهم من غير الايرانيين .
وبغية توفير الطاقة البشرية اللازمة ، دخلت ايران في صفقات خاصة للتعاون مع بعض الدول المختارة ، كانت على رأسها الارجنتين . وقدرت المصادر الغربية ان حوالي نصف الطاقم العامل في هيئة الطاقة الذرية الايرانية في منتصف السبعينيات ، كان من الارجنتين اشرف عليهم الاميرال اوسكار ارماندو ، الرئيس السابق للبرنامج الارجنتيني النووي ، والمستشار الخاص لشؤون الطاقة النووية للحكومة الايرانية .
وفي اواخر عام 1976 ، ذكرت المصادر الغربية انه كان هنالك حوالي (300) فني ايراني مختص بحقل الابحاث النووية في اوربا الغربية والولايات المتحدة بما في ذلك حوالي (25) فنياً في معهد (MAT) الامريكي المعروف .
ولعبت الولايات المتحدة الدور الاكبر في دعم القدرات النووية الايرانية رغم تحفظات امريكا وتخوفها من الاستخدامات العسكرية المحتملة للبرنامج الايراني . وقد تأسست اولى دوائر الابحاث الايرانية في حقل الطاقة النووية في جامعة طهران عام 1958 ، وقامت الولايات المتحدة بمد ايران باول مفاعل صغير للابحاث النووية سعة (5) ميغاواط ، بدأ العمل به عام 1967 .
¤ القدرات الايرانية على انتاج الاسلحة النووية
كانت التقديرات الغربية السائدة حتى سقوط نظام الشاه تفيد بأن ايران قد تستطيع انتاج الاسلحة النووية على نطاق محدود بحلول نهاية الثمانينيات ، وذلك بالرغم من قيود وكالة الطاقة النووية الدولية او القيود الثنائية المرتبطة بالتعاون الايراني مع دول اخرى على الصعيد التكنولوجي (فرنسا ، الولايات المتحدة ، المانيا ..) وذهبت احدى التقديرات في عام 1979 ، الى ان البرامج التي وضعها الشاه كانت تمكن ايران نظرياً من تطوير (11) قنبلة نووية على الاقل بحلول عام 1985 ـــ حسب تقديرات واستنتاجات تلك الفترة ـــ و (46) قنبلة بحلول عام 1995 ، وذلك على افتراض الاستمرار بمشاريع التطوير النووي على نفس الوتيرة السابقة .
الا ان سقوط نظام الشاه قد غير هذه الصورة كلياً . فعلى الصعيد العملي توقفت كلياً المساعدة الامريكية التقنية وجمد العمل على المفاعلات النووية الالمانية والفرنسية ، كما جمدت المساهمة الايرانية في مجمعي (يوروديف) و (كورديف) . وقطعت العلاقات الثنائية التكنولوجية مع البلدان الغربية ، بالأضافة الى علاقات التعاون مع الهند والسويد ، وكانت تقديرات احدى معاهد الدراسات الاستراتيجية الغربية ، ان ايران لا تملك مقدرة على انتاج او تطوير الاسلحة النووية .
وفي دراسة مقارنة قام بها وقتئذ معهد (سيبري) السويدي ، اعطيت ايران درجة ( صفر ) فيما يتعلق بالقدرة على تجربة الاسلحة النووية بالمقارنة مع اسرائيل التي اعطيت درجة (4) ، والارجنتين اعطيت درجة (3) ، والهند اعطيت درجة (3) وذلك من اصل (5) درجات ممكنة ، تشير الدرجة الخامسة منها الى ( قدرة متطورة ) حسب تعريف المعهد السويدي .
اما على صعيد توافر الطاقة البشرية اللازمة افادت تقييمات معهد ( سيبري ) ، ان القدرات الايرانية البشرية ضئيلة بالمقارنة مع اسرائيل التي ذكر ان قدراتها عظيمة او الباكستان التي تمتلك بعض القدرات الكفوءة حسب تقديرات المعهد .
لكن بغض النظر عن هذه التقييمات ، فقد جاءت تقارير غربية لتؤكد على ان ايران بدأت تنظر الى احياء برنامجها النووي وان كان ذلك على نطاق متواضع . وذكرت هذه التقارير ان ايران تتعاون مع الباكستان في هذا المجال بعد ان بات من شبه المستحيل على النظام الاسلامي الحالي ايجاد الاطراف الخارجية الاخرى المستعدة لمد يد المساعدة له في المجال النووي .
والواقع ان المعلومات المعلنة المتوافرة حول البرنامج النووي الايراني كانت ضئيلة جداً الى ان جاء الخبر الاخير حول اقتراب ايران من تطوير قنبلة نووية بمساعدة فنية اجنبية . ويقول الخبر المعني ، ان العمل قد بدأ منذ مدة في المفاعلات الالمانية الصنع في منطقة بوشهر وان الجهة الفنية الاجنبية قد ارسلت في فترة سابقة (40) فنياً لتشغيل هذه المفاعلات . ونقل الخبر عن مصادر استخباراتية المانية ان ايران دخلت المرحلة الاخيرة من انتاج قنبلة نووية لكنها اضافت ان الحكومة الالمانية قد ربطت بين استعدادها على المضي في بناء المفاعل وانهاء الحرب مع العراق .
الا انه يبدو ان هنالك بعض التناقض والغموض في الخبر من حيث انه يشير الى كون الطاقم الالماني يعمل على انهاء تشييد المفاعل من جهة واقتراب ايران من انتاج الاسلحة النووية من جهة اخرى ، بمعنى آخر ليس من الواضح ابداً كيف استطاعت ايران استعمال المفاعل لصنع الاسلحة الذرية في وقت لم تنته بعد عملية بناء المفاعل من الاساس . وفي وقت لاحق اكد ناطق باسم شركة كرافت كيرك ، ان الاتفاق الاصلي الذي تم مع حكومة الشاه عام 1976 ، قد الغي عام 1979 ، كما اخليت ورشة البناء تماماً في ذلك الحين ، لكن الناطق اضاف ان الشركة لاتزال مسؤولة عن تقييم كلفة البدء بالمشروع مجدداً ، وقد ارسلت طاقماً من 30 مهندساً الى ايران من اجل وضع دراسة بهذا الشأن .
ومن جهتها نفت مصادر وزارة الخارجية الامريكية ما جاء في التقرير حول قيام اجهزة الرصد والاستطلاع الامريكية بالكشف عن البرنامج الايراني الجديد . وذكرت هذه المصادر انها لا تمتلك معلومات تؤكد حصول ايران على المعدات الضرورية لانتاج الاسلحة النووية ، واضافت:- انه حسب تقديراتها ـــ من المتوقع ان تأخذ عملية انهاء العمل على المفاعلات المعينة ما بين (2ـــــ3) سنوات .. بالأضافة فأن هذا النوع من المفاعلات يعمل بالمياه الخفيفة غير المناسبة لبرنامج نووي عسكري ، لكن الادارة الامريكية في الوقت نفسه كررت حظرها لبيع المعدات والتكنولوجيا النووية الى ايران اما مباشرة او من خلال الاطراف الثالثة ، كما طالبت الدول المزودة للتكنولوجيا النووية عدم التعاون مع ايران خاصة في وقت تستمر فيه الحرب مع العراق .
ولكن بالرغم من هذا اكدت النشرة الاستراتيجية التي تصدر عن مركز الشرق الاوسط للابحاث والمعلومات في لندن ، على موثوقية المصادر المستند اليها . وفي وقت يصعب بطبيعة الحال التوصل الى المعلومات العلنية حول القدرات النووية الايرانية الراهنة ، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات الاولية بهذا الصدد على الشكل التالي :-
يبدو ان ايران تنظر بعين الجدية الى امكانية اتمام بعض المشاريع النووية التي بدأها الشاه ، وبالاخص فيما يتعلق بالمفاعلات الالمانية الصنع . وتحول العلاقات الايرانية السيئة مع كل من فرنسا والولايات المتحدة دون امكانية المضي بالمشاريع السابقة مع هذين البلدين ، وذلك في المستقبل القريب على الاقل .
ليست هناك ادلة تشير الى ان ايران استطاعت تجديد الطاقة البشرية اللازمة لادارة برنامج ذاتي مصداقي لبناء القنابل النووية او انها استطاعت الحصول على الاجهزة الضرورية لذلك . وتفيد المصادر الغربية ان القاعدة الفنية الايرانية لاتزال ضئيلة للغاية، كما ان اكثر القوى البشرية المدربة قد بقي في الخارج منذ سقوط نظام الشاه .
ليست هناك ادلة واضحة تشير الى ان الاطراف الخارجية قد ابدت عن استعدادها للتعاون مع ايران في انتاج الاسلحة النووية رغم انه لا يمكن تجاهل مثل هذا الاحتمال كلياً بالاخص على ضوء الروابط بين ايران وباكستان والعلاقات السابقة مع الارجنتين .
في جميع الاحوال وحتى على افتراض توافر القدرة المحلية او التعاون التكنولوجي مع اطراف ثالثة كفوءة ، من المستبعد جداً ان يكون اي برنامج راهن اقرب الى مرحلة الانتاج الفعلي للاسلحة النووية مما كان يتوقع ابان عهد الشاه . بكلام آخر ، واذا صحت التقديرات الغربية بأن النظام الشاهنشاهي كان سيحصل على مقدرة نووية مبدئية في نهاية العقد الحالي ، يمكن الافتراض ان البرامج الايرانية الراهنة هي في افضل الحالات في نفس هذا الموقع . ولكن من الارجح ان يكون اي برنامج من هذا النوع لايزال في مراحله الاولى وان ( القنبلة الايرانية ) لاتزال بعيدة المنال نسبياً ، لكن هذا التقييم الاولي يبقى عرضه للتغيير او التعديل حسب المعلومات المتوافرة والتطورات اللاحقة على الساحة . وفي وقت توصل العراق مؤخراً الى اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي السابق بشأن تزويده بمفاعل نووي جديد يمكن الافتراض ان دوافع ايران بشأن احياء برنامجها النووي قد تضاعفت … .
¤ عملية الزهرة
< غداً ستشاهدون اطلاق صاروخ وسيعجبكم ، انه نموذج يؤثر غاية التأثير> قال عزرا وايزمان وزير الدفاع الاسرائيلي لزميله الايراني حسن توفانيان . لقد التقى هذان الجنرالان الرفيعا المقام في 18/تموز/1977 ، في وزارة دفاع تل ابيب للانتهاء من اعداد اتفاق حول تنفيذ واحد من اكثر المشاريع سرية في الشرق الاوسط . فقد تضمن المشروع الذي اطلقت عليه تسمية شفرة رمزية ( عملية زهرة ) تضمن صنع صاروخ بالستي لحمل رأس نووي بجهود مشتركة لحليفين محتملين يهودي وفارسي .
في اليوم التالي نقل توفانيان الى عمق صحراء النقب كيما يستطيع الجنرال الايراني مشاهدة الطراز الاصلي للصاروخ المزمع تصنيعه وهو يندفع محلقاً في السماء ، ولقد تم الاطلاق التجريبي للصاروخ برأس قتالي خال من الذرة بنجاح ، كان الصاروخ رائعاً من جميع الوجوه . اعترف توفانيان في حديثه الذي ادلى به الى مراسل الاوبزرفر مارتن بيلي في كانون الثاني من ذلك العام 1977.
ولقد عاد الجنرال الى طهران راضياً تمام الرضا عن سير العمل بمشروع عملية الزهرة ، وكان يتحرق شوقاً لاستلام هذه الصواريخ ونشرها على طول الحدود مع الاتحاد السوفييتي السابق والعراق .
قدم توفانيان حال عودته الى الشاه تقريراً عن المباحثات التي تكللت بالنجاح في تل ابيب ، فألح على الصفقات التي تقضي بتزويد اسرائيل بنفط ايراني قيمته مليار دولار لقاء الصواريخ البالستية. وان الصاروخ البالستي الاسرائيلي نوع ارض ـــ ارض الذي شاهد الجنرال الايراني تجربته يستطيع حمل رأس قتالي اعتيادي ونووي على حد سواء ، ولكن الوثائق السرية التي تم تسريبها تدل على ان المقصود في اطار عملية الزهرة هو استخدام سلاح نووي بالذات .
لقد اكتشفت هذه الوثائق في الممثلية التجارية الاسرائيلية في طهران بعد سقوط الشاه ، وهي تؤكد بشكل بيّن على أن اسرائيل قد تحولت الى دولة مالكة لوسائل ايصال السلاح النووي .
تل ابيب وكالسابق تنفي رسمياً صنعها لقنبلة نووية خاصة بها ولكن من المعروف جيداً ان الاخصائيين الاسرائيليين قد امتلكوا في السبعينيات العلوم والمواد الضرورية لتحضير دزينة قنابل نووية على اقل تقدير . فنياً قد لا يكون لدى تل ابيب قنابل مجمعة بشكل تام . ولكن لم يعد يفصلها عن ذلك سوى ( لفة درنفيس ) .
يعتقد الخبراء العسكريون منذ زمن ، ان اسرائيل تبني صواريخ بالستية مخصصة لنقل شحنات نووية . ولكن احداً لم يشك بأن هذا العمل يمول جزئياً من قبل ايران . ومع ان بعض الشخصيات الرفيعة المقام في ايران كانت ترغب على مايبدو بامتلاك صاروخ حامل لسلاح نووي ، فان توفانيان يؤكد ، ان الشاه لم يخطط لصنع قنبلة نووية .
في ذلك اللقاء المشهود في تموز عام 1977 ، روى عزرا وايزمان وزير الدفاع الاسرائيلي شخصياً الى توفانيان قصة نشوء مشروع ( عملية زهرة ) الذي يعود في بداياته الى صاروخ بالستي بدائي كان قد صنع قبل عشرين عام . ففي نهاية الخمسينيات بدأ الاسرائيليون العمل على صنع صاروخ تعبوي غير كبير نوع ( لوز ) ذي مدى طيران (25) كيلومتراً .
بعد ذلك توجهت اسرائيل الى شركة صناعة الطيران الفرنسية ( مارسيل داسو ) التي ساعدت على صنع الصاروخ البالستي البعيد المدى ( يريحون ) ولكن بعد حرب عام 1967 العربية ـــ الاسرائيلية ابدت الحكومة الفرنسية قلقاً بشأن دور شركة ( مارسيل داسو ) وسرعان ما توقفت مشاركتها في المشروع الاسرائيلي .
وفي اواسط السبعينيات حاولت اسرائيل من جديد الحصول على صواريخ بالستية من الخارج ، فتوجهت الى الولايات المتحدة الامريكية بطلب شراء صواريخ ( بيرشنغ ـــ 1 ) واجاب الامريكان بالرفض .
في تلك الفترة استغل شاه ايران الاموال التي حصل عليها من تسويق النفط فعقد صفقات كبيرة لشراء تقنية حربية لتزويد قواته المسلحة بها . وفي سنة 1975 ، توجه توفانيان الذي كان مسؤولاً عن شراء الاسلحة الى واشنطن حاملاً قائمة طويلة بالاسلحة والتقنية الحربية اللازمة لايران . وكان على رأس القائمة صاروخ ( بيرشنغ ـــ 1 ) ولكن الرفض كان حصيلة توفانيان عند لقائه مع سلينجر وزير الدفاع الامريكي في ذلك الحين .
يومئذ نشأت فكرة التعاون الايراني ـــ الاسرائيلي السري . لقد كان الشاه القائد الوحيد في الشرق الاوسط الذي تعاطف مع اسرائيل وكانت تربط هذين البلدين صلات اقتصادية وثيقة . كان ذلك تحالفاً غريباً . فالشاه ادرك ان مؤازرته لاسرائيل اذا ما ذهبت بعيداً فأن ايران ستتعرض الى ضغط شديد من جانب الاقطار الاخرى في هذه المنطقة . ولهذا فان ايران واسرائيل لم تتبادلا السفارات وانما التزمتا بعلاقات على مستوى مبعوثيات تجارية وحسب .
وعلى رغم المجازفة السياسية فقد وطدت اسرائيل العزم على مواصلة التعاون مع الشاه في تحقيق مشروع (عملية الزهرة) . وكان الاسرائيليون قد انفقوا على عمل شتى طرازات الصواريخ مايزيد على مليار دولار واضحوا بحاجة الى الاموال . وهم اعتقدوا ان التعاون مع ايران سيتيح لهم اتمام اعمال تحسين صاروخ ( يريحون ) .
وفي الوقت الذي مارس فيه العرب حظراً على بيع النفط لاسرائيل وافقت طهران على ان تدفع لها نفطاً متعهداً بتزويدها بـ (80) مليون برميل . كما وفر التعاون لتل ابيب فائدة جوهرية اخرى ، فقد كان باستطاعت ايران ان تقدم ميدان تجريب للصاروخ بعيداً عن الانظار الاستطلاعية للدول المجاورة لاسرائيل . وكان ذلك مهماً بالنسبة للاختبار المرتقب للمنظومة المحسنة لتوجيه الصاروخ نحو الهدف .
¤ المقايضة بالنفط
في عام 1977 ، طار شمعون بيرز وزير الدفاع يومئذ الى طهران للتباحث مع الشاه ، وانتهت المباحثات بعقد اتفاق سري على تصدير نفط ايراني بقيمة مليار دولار لقاء الاسلحة . وشمل الاتفاق ستة مشاريع عسكرية كان اهمها مشروع ( عملية الزهرة ) .
وفي شهر مايس من ذلك العام سقطت الحكومة التي تزعمها حزب العمل وجاء الى السلطة مناحيم بيغن . واقلق ذلك الشاه . فوصل توفانيان الى تل ابيب لاجراء مباحثات مع القادة الاسرائيليين الجدد ـــ وزير الدفاع عزرا وايزمان ووزير الخارجية موشي دايان وكان الجنرال الايراني يعرف هؤلاء منذ عدة سنوات . وشرح وايزمان لزميله الايراني انه خلال الثمان سنوات التي لم يكن فيها موجوداً في الجيش ، فانه عدا الاصفار والارقام الجديدة في النفقات الحربية اذ تحولت الملايين الى مليارات فان شيئاً لم يتغير من حيث الجوهر .
وامتد الحديث الى انتشار السلاح النووي في الشرق الاوسط ، وابدى الجنرال الايراني اهتماماً باخبار العراق ، فكأنه قد دبر شيئاً ما مع الفرنسيين ، وأكد وايزمان ـــ اجل ، ان فرنسا تزمع بناء مفاعل ذري في العراق . واضاف ـــ ان صواريخنا تستطيع حمل حشوات اعتيادية ونووية على حد سواء . وفي سنة 1981 ، نفذت اسرائيل غارة على بغداد وقصفت بالقنابل المفاعل العراقي .
وتطرق موشي دايان في الحديث الى رد الفعل الموجع للامريكان على الظهور المحتمل لصاروخ من هذا الطراز الذي يقضي مشروع التعاون الاسرائيلي ـــ الايراني بصنعه ـــ علينا ان نبحث هذه المشكلة مع الامريكان . وكان دايان يريد تدبير ذلك نحو افضل في لقائه اللاحق مع الشاه .
بعد تلك الزيارة والمباحثات السرية ، وكما اكد توفانيان في حديثه لمراسل الاوبزيرفر ، فان العمل على المشروع (عملية الزهرة) تقدم تقدماً ملحوظاً .
ايران لم تكن ترغب ان يعرف العالم التعاون السري مع اسرائيل في مجال صنع الصاروخ البالستي القادر على حمل رأس قتالي نووي . ولهذا فان توريدات النفط الايراني لقاء السلاح الذري الاسرائيلي كانت تجري عبر شركة سويسرية صورية .
طبقاً للاتفاق السري كان على العلماء والمصممين الاسرائيليين ان يواصلوا تحسين الصاروخ ونجاحه وبخاصة منظومة توجيهه . وكان من المنوي عند انتهاء الاعمال نقل الصواريخ بالطائرات الى ايران وتركيبها وتجريبها موضعياً . ولهذا الغرض فقد تقرر انشاء مصنع في اواسط ايران وانشاء مدرج هناك مؤهل لاستقبال الطائرات الضخمة الحجم من طراز بوينغ . واما ميدان التجارب فقد اتفقا على بنائه على بعد (110) كيلومترات شمال سيرجان في مكان صحراوي قرب رفسنجاني .
ولقد اسهمت ايران بقسطها الاول في تنفيذ مشروع ( عملية الزهرة ) بتزويدها الاسرائيليين بنفط قيمته (260) مليون دولار . وبدورهم فقد وصل الفريق الاول من المهندسين الايرانيين الى اسرائيل لكي يشرعو عملياً بتصميم مصنع تجميع الصواريخ في سيرجان .
¤الصواريخ تبقى في صحراء النقب
بيد ان اسرائيل مازالت لم تكمل اعمال تحسين الصواريخ ولم تسلم لايران اية اجزاء . فقد تعقد الوضع السياسي في طهران ، وارسل الممثل الاسرائيلي في طهران وري لوبراني الى تل ابيب في حزيران عام 1978 ، نبؤة مظلمة مشيراً الى ان من المستبعد ان يبقى الشاه في السلطة اكثر من عامين او ثلاثة اعوام .
وكان لوبراني قد شارك بشكل مباشر في المباحثات الخاصة بالمشروع البالغ السرية ( عملية الزهرة ) . والآن صار يقلق بشأن التعاون العسكري الوثيق الذي اقيم مع شاه ايران . ولحد نهاية العام تعقد فعلياً وبشكل حاد وضع الشاه .
وفي كانون الثاني عام 1979 ، اضطر الشاه الى الهرب من ايران . وغير آية الله خميني تغيراً جوهرياً السياسة التي كان يمارسها الشاه وتبنى موقفاً حاداً ضد الامبريالية . بيد ان اسرائيل وبصرف النظر عن القطيعة الشكلية في العلاقات واصلت تزويد ايران بالسلاح ، وهي تريد اضعاف العراق في الحرب ضد الايرانيين . الاحتمال قليل في ان يستمر الآن التعاون في مجال حساس من قبيل صنع صاروخ بالستي ذي رأس نووي ، واسرائيل على ما يبدو قد اتمت صنع الصاروخ حسب مشروع ( عملية الزهرة ) ومن المرجح انه قد دخل التسليح .
ريتشارد ، الخبير الامريكي في مجال بناء الصواريخ يؤكد ان الصواريخ البالستية الجديدة المحسنة من طراز (يريحون) ذات نظام التوجيه العالي الدقة قد رابطت في صحراء النقب وفي مرتفعات الجولان .
واكثر من ذلك فان ( سيل ) يؤكد ايضاً ان الصواريخ ذات الرؤوس النووية ركبت على ارصفة السكك الجديدة ، واخفيت في ملاجئ محفورة في الجبال ، كما ركبت على منصات اطلاق خاصة مدولبة . وعلى حد قوله ، فان عالماً امريكياً كان قد زار اسرائيل قد اخبره حتى احجام الرأس القتالي النووي الاسرائيلي ، فالطول حوالي (60) سنتمراً والعرض (55) سنتمراً .
واعترافات توفانيان تؤكد بالايجاب وجود سلاح نووي لدى اسرائيل خاص بها ، ومع ان تل ابيب تأبى الاعتراف بهذه الحقيقة فانها في الوقت ذاته تعلن بأن اسرائيل لم تستخدم جميع انواع الاسلحة التي تمتلكها في ترسانتها .
¤ التوثيق
مارتن بيلي ـــ تحقيقات صحيفة عدة ، جريدة الاوبزيرفر البريطانية ، اعداد متفرقة .
النشرة الاستراتيجية الصادرة عن مركز الشرق الاوسط للابحاث والمعلومات ، لندن ، اعداد متفرقة .
شاهرام تشوبين ـــ طموحات ايران النووية ، ترجمة بسام شيحا ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، 2007 .